كوردستان تينع على أبواب سياسة المصالح والنفوذ
عزالدين ملا
يلاحظ في الفترة الحالية أن تحركات معظم دول العالم تتجه نحو التعافي بعد عقود من الصراع والمنافسة في بقع عديدة على الخارطة العالمية، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، والصراع المستميت والأكثر شراسة تُنفذ ضمن هذه البقعة الجغرافية التي تُعد مركز الطاقة والاستثمار عالمياً وصلة الوصل بين قارات العالم الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، الدمار والخراب والقتل والتشريد، حتى باتت المنطقة أنقاض متبعثرة وأشلاء متناثرة ومدن مدمرة وملايين الأطنان من الركام التي تعتلي على بحرٍ من الخيرات والثروات، بدءاً من سوريا ومروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن والسودان وليبيا، ولكن هذا التعافي على مقاسات معينة وفق أجندات دول كبرى، دون مراعاة مشاعر وخصوصيات شعوب المنطقة، ومع ذلك يعطي انطباعاً جمعيّاً شرق أوسطياً للخلاص والحصول على أدنى مستويات الاستقرار والأمان.
المنافسة تشتد على فرض أجنداتهم وتوسيع رقعة نفوذهم وتقوية نقاط التحكُّم والسيطرة على الطرق والممرات الاستراتيجية، وهكذا نلاحظ أن الصراع بين القوى تنتقل من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ومن الجنوب إلى الشمال، وما يحصل في أوكرانيا من حرب مفتوحة ليس بمعزل عمَّا يجري في غزة والسودان، وكذلك ما يحصل في البحر الأحمر من تهديدات حوثية على الطريق التجاري العالمي الذي يربط الشرق الأقصى بأوروبا وغرب البحر المتوسط، ليس بمعزل عما يحصل من صراع في بحر الصين والمحيط الهادي وعلى حدود تايوان بين أمريكا والصين.
اعتقد أن الدول الصناعية الكبرى في العالم من أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين تتنافس، وتتصارع على منابع النفط والطرق المواصلات والتجارة العالمية، ومن جهة أخرى تحاول الدول الإقليمية ك تركيا وإيران والدول الخليجية اللعب على وتر المقايضة مع كافة الأطراف لكسب بعض الامتيازات لأنظمتهم دون باقي شعوبهم، خوفا من وصول رياح الفوضى إلى مضاجعهم.
في هذه البقعة الجغرافية الصعبة والمعقدة وضمن هذا الصراع الدولي والإقليمي تظهر قوة إقليم كوردستان السياسية الموزونة والمرنة مع كافة الأطراف، كما وأبدت مصداقيتها وثباتها على مبادئها ووعودها، ما جعلها محط أنظار كافة القوى المتصارعة في منطقة الشرق الأوسط، دفعت بهم الاهتمام أكثر بمكانة إقليم كوردستان السياسية والاقتصادية والتجارية، إضافة إلى أمان واستقرار إقليم كوردستان التي تدفع بالشركات الاستثمارية الدولية والإقليمية إلى الاستثمار فيها مما أعطتها قوة إضافية، كما وأن موقع الجغرافي لإقليم كوردستان وبالإضافة إلى السياسة الحكيمة لقادته ضمن فوضى حكام العراق وتناقضات سياسة دول الجوار من تركيا وإيران ودول الخليج، جعل منه نقطة ارتكاز ومركز تلاقي المصالح والنفوذ أمام الدول الكبرى والإقليمية، يدفع بهم إلى فتح قنوات الاتصال والتواصل من إقليم كوردستان وإليها، هذا يعني أن خارطة الشرق الأوسط القادم سيكون لإقليم كوردستان موطئ قدم وعلى اسس استراتيجية متينة.
ضمن هذه الميِّزات الذي يتمتع به إقليم كوردستان إضافة إلى تلاقي مصالح الكثير من الدول وخاصة الدول الكبرى والإقليمية مع مصالحه، يجعله تحت المجهر، ويتم حساب حالة إقليم كوردستان في أي مرحلة من مراحل ترتيب الأوراق وفرزها، وتدخل في حالة التوازن السياسي والجغرافي وحتى الاقتصادي والتجاري.
أرى أن كافة تحركات قادة إقليم كوردستان تتم بشكل موزون ومدروس ولا يخرج من مبدئية الحسابات الكوردية وصوابية أهدافه التي تدخل في خدمة السياسة الكوردية والكوردستانية وحقوق الشعب الكوردي.
بالنظر في هذا الاتجاه، يلاحظ أن أي حركة إنْ دخلت في خدمة سياسة ومصالح الإقليم فمن كلّ لابد فهي تدخل في خدمة السياسة الكوردية بشكل عام ومصالح الشعب الكوردي الاستراتيجية والمشروعة، وما قاله الرئيس مسعود بارزاني عند سؤاله في أحد لقاءاته، ماذا تملك؟ وكان جوابه: أنا أملك أربعين مليون كوردي، ومن خلال هذا الجواب، يؤكد أن هموم قادة إقليم كوردستان ليس فقط ضمان بقاء إقليم كوردستان والتحوّل إلى دولة مستقلة، بل همهم الوحيد القديم والجديد، ضمان حقوق الكورد المشروعة في أجزاء كوردستان الأخرى، وهذا ما يؤكد معظم قادة العالم في تصريحاتهم بعد لقاء زعيم الكورد الرئيس مسعود بارزاني، أن حسرات قلب البارزاني تزداد إن رأى أو سمع بجرح أو ألم إصبع إنسان كوردي وفي أي جزء من أجزاء كوردستان. [1]