التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق ( 7 )
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3285 - #22-02-2011# - 09:06
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
انتفاضة وطنية عربية – كردية شاملة أو لا تكون
قوانين التغيير الديموقراطي في البلدان المتعددة القوميات والمكونات لها خصوصيتها – فالمعارضة في القومية السائدة لن تنتصر- وهي هزيلة بالأساس - الا بتلاحم القوميات المسحوقة المسلوبة الحقوق لأسباب موضوعية تتعلق بالجغرافيا والزخم الثوري والبرنامج البديل وتجربة العراق أمامنا كمثال فطوال العهود وفي ظل سائر الحكومات والأنظمة المتعاقبة وفي مرحلتي تنظيم المعارضة واسقاط النظام شكلت كردستان المنطلق الأساسي للعمل المعارض ان كان من جهة التحضيرات العسكرية أو التواصل مع العاصمة وسائر مدن الداخل وحتى مع بعض ضباط الجيش والخلايا السرية أو التعبئة الاعلامية والتنسيق مع الخارج وتهيئة الرأي العام وكسب الدعم اقليميا ودوليا ووقفت القوى المسلحة الكردستانية – البيشمه ركة – والمؤسسات المدنية الى جانب القوى الحليفة في عملية التحرير ودحر قوى النظام والحفاظ على الأمن وسلامة المواطنين كما جسدت الحركة الكردية ومؤسسات الاقليم الفدرالي نوعا من الضمانة في وحدة العراق وسيادته ودورا بارزا أساسيا في تحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية الى درجة التوسط بين المكونات العراقية لاعادة اللحمة بينها واتفاقها على المشاركة في الحكومة الراهنة وكان آخرها مبادرة السيد رئيس الاقليم التي عالجت أزمة الفراغ الحكومي بالتزام كافة الأطراف الفائزة بالانتخابات .
وشعبنا الكردي السوري بحركته القومية الديموقراطية وتعبيراته السياسية المتنوعة كان ومازال في موقع المعارضة الوطنية ضد الاستبداد والظلم منذ العهد العثماني مرورا بحقبة الكولونيالية وانتهاء بنظام الاستبداد لسبب بسيط وهو الموقف المعادي المتجاهل المستمر لوجوده وحقوقه منذ أكثر من قرن وقد مارس الكرد مختلف أشكال العمل المعارض السري والشبه علني والجماهيري والدفاعي وتعرضوا لكل أنواع القمع الجسدي والسياسي والأمني والثقافي والاقتصادي والجغرافي وذاق نشطاءهم وبعشرات الآلاف مرارة الملاحقات والاعتقالات والسجون كما لم تتوقف النضالات الكردية من اعلامية وتعبوية وتنظيمية في الداخل والخارج وقد مرت على سوريا وفي ظل تفاقم القمع مراحل لم يسمع فيها الا أصواتا باهتة للمعارضة العربية في حين تم تصعيد الاحتجاجات والتظاهرات والمواجهات مع السلطة في عهدي الأب والأبن في المناطق الكردية وحتى في العاصمة وحلب كما تم تقديم الشهداء رغم أن الكرد يشكلون 15% من مجمل السكان وانه لمن دواعي اعتزاز الكرد أن نشطاءهم السياسيين كانوا في مقدمة الذين حوكموا أمام المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا والمحاكم الاستثنائية وجردوا من الحقوق المدنية بسبب مواقفهم الوطنية المناوئة لنظم الاستبداد واعتبارهم خطرين على أمن الأنظمة الحاكمة كل ذلك ضاعف من صدقية الكرد وحركتهم القومية الديموقراطية وعزز من خبرة مناضليهم وتجربتهم في النضال ضد الظلم والاضطهاد ومن أجل الديموقراطية والتغيير والوحدة الوطنية الى جانب حصول تراجعات لدى بعض التيارات الحزبية والسياسية الكردية التي لاتعبر عن الجوهر الحقيقي للحركة ولاتمثل مصالح وطموحات الغالبية .
بحسب المراقبين فان تردد الحركات الأمازيغية بالجزائر – كدولة ثنائية القومية - المعروفة بنشاطاتها الجريئة وهباتها الشعبية المربكة للنظام حتى الآن وعدم حسم أمرها نهائيا بخصوص الانتفاضة في مناطقها الطرفية يعود الى ضعف شريكتها المعارضة العربية أولا وموقفها المتجاهل والمناوىء لحقوق ومطالب الشعب الأمازيغي ثانيا مما يخلق ذلك اشكالية وطنية تضر بقضية الثورة الاجتماعية والوحدة الوطنية وقد يستفيد منها النظام في تشبثه بالسلطة الاستبدادية وتفريق صفوف المعارضة والوضع هناك حسب تقديري مشابه الى درجة ما بالحالة السورية كما أنه من الملاحظ أن أقباط مصر اما كانوا غير مبالين بالانتفاضة الشعبية الا أفرادا معدودين وغير منخرطين بصورة منظورة أو وقفت مرجعيتهم الكنسية التي تستقطب عادة الغالبية مع الرئيس مبارك قبل تنحيه ألايدل ذلك على تقصير القوى السياسية المواجهة للنظام في تبني قضايا الأقباط وطرح مطالبهم المشروعة وبالتالي عدم صدقيتهم تجاههم . في المحصلة كل هذا يوصلنا الى نتيجة بضرورة استيعاب الدرس وهو أنه في الدول المتعددة القوميات والمكونات يجب أن يتضامن جناحا الحركة الثورية الشعبية : القوى التقدمية الديموقراطية في القومية السائدة الغالبة والحركات التحررية الديموقراطية والأثنية والفئوية المجتمعية لدى القوميات والجماعات الأقل عددا المطالبة بحق تقرير مصيرها القومي أو الديني في اطار الدولة الحديثة التعددية الديموقراطية المنشودة .
المطلوب أولا وبالحاح في ساحتنا الوطنية وقبل أي شيء الاتفاق على عدد من المسلمات أولها تعريف المجتمع السوري وقراءة حقيقة مكوناته القومية والدينية والمذهبية كماهي وهذا يقود ثانيا الى التسليم بأن سوريا بلد متعدد المكونات القومية والثقافية والدينية والمذهبية وتثبيت ذلك في الدستور الجديد وينتهي ثالثا بالاعتراف باستحقاقاتها علنا وفي ميثاق وطني يحظى بموافقة الأطراف على تلك الحقوق التي تضمنها مبادىء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان ثم يدرج ذلك في مشروع الدستور المزمع مناقشته وصياغته وقد سبق أ أعلنت أن مشروع الأستاذ أنور البني هو الأنسب حتى الآن .
بغياب احصائية رسمية دقيقة قد تختلف التوقعات حولها هناك من يرى بكون أكثر من 35% من سكان البلاد من غير الغالبية من العرب والمسلمين وهي النسبة الأكثر تضررا من سياسة النظام الحاكم والأكثر استعدادا للمواجهة وتقديم التضحيات من أجل الخلاص فهل يمكن حتى التفكير بامكانية اندلاع الانتفاضة بدون هؤلاء ؟ وهل يمكن مشاركة هؤلاء بدون تقديم ضمانة حقيقية من جانب الأغلبية ؟
منذ عقود والمعارضة العربية السورية بيمينها ويسارها لم تتفهم الحالة الكردية والحالات الأخرى ولم تستجب لنداءات الحركة الكردية وبالتالي ليس هناك من أرضية ثابتة مواتية للتلاقي والتلاحم حول مشروع الانتفاضة الوطنية الشاملة من القامشلي الى القنيطرة في أجواء الحذر والثقة المهزوزة . بكل أسف لم يقم – حسب علمي – أي طرف عربي سوري حزبي بدراسة وتقييم الهبة الكردية عام 2004 واستخلاص الدروس منها وهو أمر يدعو الى قلق الشارع الكردي ويدل على تردد الرهان على دور النخب الثقافية والسياسية في التغيير والانتفاضة المنشودة .
ومما يزيد الطين بلة مانقرؤه يوميا من مقالات لمثقفين عرب سوريين تتجنب حتى الاشارة الى محنة الكرد وكأنهم مستشرقون أو من كوكب آخر وفي سياق تعداد المآخذ على النظام وسرد مظاهر استبداده لايتم الاشارة الى ما تعرض ويتعرض اليه الشعب الكردي السوري ومايصدر بين الحين والآخر من بيانات مثل بيان لجماعة باسم ملتقى تجديد اليسار – سوريا مذيلا بتواقيع أنصار البعث الديموقراطي وأنصار حزب العمل الشيوعي وآخرين يتضمن فقرتين موجهتين الى الشعب السوري تنضحان بسم الفتنة العنصرية الاقصائية وهما ونعترف بحقوق الأقليات المقيمة على الأرض العربية والمقصود الملايين الثلاثة من كرد سوريا المقيمون على أرض الآباء والأجداد منذ ماقبل قيام الدولة السورية بمئات الأعوام و سنقتلع الامبريالية والصهيونية من كردستان الى جبال الأطلس والمقصود هنا ادانة الكرد والأمازيغ كشعبين مواليين للامبريالية والصهيونية وبالتالي معاديين للعرب فهل يمكن انتظار الخير من مثل هؤلاء وهل يحق لمثل هؤلاء شرف الانتماء الى المعارضة الوطنية الديموقراطية؟.[1]