التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق ( 6 )
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3280 - #17-02-2011# - 09:02
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الرقص على أنغام الآخرين
المشتركات بين بني البشر تتوزع بين الانساني العام والوطني – القومي الخاص ومنذ وعي التاريخ المعرفي وتشكل الجماعات والأقوام وظهور الطبقات الاجتماعية وانبثاق الثقافات والعقائد واكتمال أسس البنى الاقتصادية الكفيلة باستمرارية الحياة على الكرة الأرضية بدء بالحياة البدائية المشاعية وانتهاء بالكيانات والدول والمنظومات الحديثة بدأت ترتسم حدود الأولويات لكل مواطن في مجالي الحقوق والواجبات التي أشار اليها مفكروا أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص بالعقد الاجتماعي في اطار الحرية والمساواة وذلك على الصعد الحياتية والتعليمية والفكرية بتدرج واقعي من العائلة مرورا بالوطن الأم والهوية القومية وانتهاء بالانتماء الانساني لكوكب الأرض وقد جاءت نتائج الحربين العالميتين في قيام عشرات الدول في منطقتنا الشرق أوسطية وارتسام الحدود الوطنية لتعزز من أولويات المواطن أكثر وتحدد بالتالي المجال الجغرافي – التاريخي الحيوي لعطاءات وابداعات الفرد لمصلحة تلك البقعة من الخريطة المرسومة ومن يعيش في جنباتها من حاملي هويتها والمعرفين بجنسيتها المحاطة بمن يضمن أمنها واستقرارها والمسيرة بالادارة المنظمة المتوجة بعلم ودستور وقوانين وشعارات .
قبل ظهور الكيانات الوطنية التي يسميها البعض با- القطرية – وابان مرحلة الامبراطورية العثمانية وحتى في سنوات الاستعمار الأوروبي كانت الحركات الهادفة للاستقلال على مقاس حدود الجغرافيا البشرية التي شملت جميع أرجاء السيطرة الأجنبية وكانت ثورة الشريف حسين عربية شاملة بحجم طموحات نخب الاقليم لاتقتصر على قطر واحد وهكذا كان حال الحركات الكردية التي انطلقت موحدة ولكن بعد اتفاقية سايكس – بيكو ورسم الحدود بين دول مستقلة باشراف ووصاية المستعمر تغيرت الصورة بشكل جذري وتقلصت مجالات حركات التحرر من الاطار القومي الشامل الى الحدود الوطنية الجديدة واقتصرت هموم روادنا الأوائل في نيل الاستقلال مثل يوسف العظمة وابراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش على تحرير سوريا الراهنة وليس بلاد الشام أو العالم العربي بين المحيط والخليج وهكذا الحال في البلدان الأخرى مثل مصر ولبنان والمغرب والعراق ثم قامت الأحزاب والمنظمات الوطنية من قومية وشيوعية واسلامية ورغم نزعتها الشمولية على قاعدة البرامج الوطنية السورية أساسا والمتواصلة بأشكال ومسميات أخرى حتى الآن .
هذه المقدمة تنتهي بنتائج ومسلمات تؤكد على أن مكونات أي بلد القومية منها والدينية والمذهبية وماتتمثل بحركات ومنظمات وفئات وأفراد هي المنوطة مجتمعة ومنفردة بمسؤولية تقرير مصير بلادها وفي الحالة الوطنية السورية الراهنة التي تشهد جدلا واسعا مرشح للتواصل بين نخبها وأوساطها السياسية المتعددة القوميات والثقافات حول المآل تضاعفت حدته بعد الانتفاضة الشعبية التونسية المظفرة خاصة والتحركات الجماهيرية المتصاعدة في مصر واليمن والجزائر والأردن وليبيا والبحرين وايران اضافة الى المشهد اللبناني المأزوم أصلا ورفعت حرارة الأحداث من درجة الترقب في الأوساط الحكومية التي اتخذت خطوات احترازية أكثرها غير مرئي وبعضها في العلن نقول أن شعبنا وخاصة أمام هذا المنعطف الحاد من تاريخ سوريا يستحق المزيد من الاهتمام من جانب مثقفيه وسياسييه لأنارة الدرب والمساهمة في تشخيص سمات المرحلة ومتطلباتها بالاستفادة من دروس التجارب التي انجزت أو في طريق الاكتمال والتي اتخذت منحا سلميا في الغالب وشاب بعضها العنف واراقة الدماء وذلك حتى لاتداهمنا المفاجآت على حين غرة وحتى تكون خواتم الأمورونهاية الاستبداد سلمية لصالح الشعب ووحدته الوطنية وتقدمه الاجتماعي في أجواءالوئام الأهلي وعلى قاعدة التوافق بين كل المكونات السورية الوطنية خاصة وفي حقيقة الأمر هناك الكثير من عوامل التشابه بين الواقع السوري الراهن نظاما وحياة سياسية ومآخذ وأزمات من جهة وبين الحالة التي كانت سائدة في تونس أو مصر قبل الانتفاضة من الجهة الأخرى مثل قضايا تجديد الدستور والمشاركة الشعبية في السلطة والثروة والقرار والتوريث ( طبعا بأثر رجعي في سوريا ) ودورالأحزاب الحاكمة والفساد وقوانين الطوارىء والأحكام العرفية والفقر والبطالة ودور الأمن والمخابرات في الادارة وفي حياة الناس أوليس هذه الموضوعات بأمس الحاجة الى التناول والبحث والنقاش من جانب الجميع معارضين وموالين ؟ .
منذ بداية اندلاع الانتفاضة التونسية الظافرة ولاحقا المصرية وحتى قبلهما كان منتظرا من النخب الثقافية والسياسية السورية الحريصة على تقدم الوطن وسائر الناشطين في المنظمات المطالبة بالتغيير أن يساهموا بأقلامهم في انارة الطريق وصياغة المطالب والأهداف وحتى اعادة كتابة ونشر مشاريع الدستور السوري الجديد والكشف عن عورات النظام وجرائمه وانحرافاته واساءاته للشعب والوطن على صعد الاستبداد والانتهاكات وحجب الحريات ومصادرة الحقوق ونهب المال العام واضطهاد الشعب الكردي وينادوا بتعزيز الوحدة الوطنية والتماسك والتهيئة للمشاركة الفاعلة في التحرك المرتقب للجماهير السورية الآن أو بعد غد أو بعد شهر وسنة ولكن وبدلا من ذلك نجحت السلطة في تحييد الكثيرين جماعاتا وأفرادا وفي ارغام أو دفع آخرين الى التوجه نحو الخارج بدلا من الداخل فقد قرأنا بيانا للحزب الشيوعي السوري – وصال بكداش حول الوضع المصري الآيل للتغيير والاشارة الوحيدة فيه الى سوريا هي امتداح صمود النظام ! ولاننسى هنا أحدالسوريين من مقاولي حقوق الانسان يوزع المقالة تلو الأخرى يكاد يزعم أنه هو من فجر انتفاضة تونس وقاد مظاهرات التوانسة والمصاورة في باريس ويوجه الشتائم والكلمات النابية الى رؤساء آخرين التي يعدم عليها الانسان في سوريا الأسد مائة مرة ولاينبس ببنت شفة حول بلاده وحول دكتاتور سوريا الوارث بعد تعديل الدستور فور رحيل الأسد الأب .
أعادت ظاهرة الرقص على أنغام الآخرين هذه الى ذهني أقوال مأثورة من أفواه بعض المعمرين في بلدة عامودا وهي على مقربة من الحدود السورية التركية بمواجهة مدينة ماردين بالجانب الآخر المقامة على جبل بركاني شاهق يبدو من سهول الجزيرة الموازية كنجمة في أعالي السماء وخلاصتها أنه في ليلة صافية مقمرة تناهى الى أسماع سكان عامودا صدى أصوات ونغمات الآلة الموسيقية الكردية القديمة – الدف والمزمار – ( داهول و زرنا ) صادرة من حفلة عرس مقامة في ماردين فما كان من مجموعة من فتيان البلدة وشبابها الا أن أقامت حلقة دبكة كردية على الأنغام الآتية من وراء الحدود ومن حينها تتردد مقولة الناس يتزوجون في ماردين وأهل عامودا يرقصون .
على أمل أن نحتفل جميعا بتحرير الوطن في يوم من الأيام وأداء دبكاتنا المتنوعة الأصيلة في ساحات دمشق وحلب والقامشلي وكوباني وعفرين واللاذقية وحماة والقنيطرة والسويداء وعلى أنغام موسيقانا الوطنية الرائعة العربية الكردية الآرامية التركمانية الشركسية الأرمنية وان غدا لناظره قريب.[1]