التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق ( 4 )
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3270 - #07-02-2011# - 12:29
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في البحث عن جذور انتفاضة الشعوب
قد يكون من الصعب جدا اذا لم يكن مستحيلا محاولة فهم واستيعاب ماسيجري في كل ساعة وما يخبئه المستقبل من مفاجآت في معظم بلدان المنطقة فقد خرج المارد الشعبي من السجن الكبير مخترقا جدران الخوف وبات سجانوه في مهابة أمام عودته الظافرة لمواقع صياغة القرار وتقرير المصير من الشارع والساحات والأمر الوحيد القابل للفهم هو أن العنوان الأكبر لمسيرات الجماهير وانتفاض الشعوب حتى الآن وما ستليها في بلدان أخرى هو التغيير والاصلاح الجذري وأمام كل مظاهر التفاؤل واعادة الثقة بالنفس الى جانب نوع من الوجوم وترقب الجديد وانتظار تفاصيل المجهول من الفائدة بمكان عدم اضاعة البوصلة في مثل هذه الظروف الاستثنائية الدقيقة التي نعيشها والعودة الى اعادة قراءة وفهم الجذور التاريخية لظاهرة الانتفاضات المندلعة والقادمة حتى لاتختلط الأمور على البعض ولايتصور البعض الآخر أنها ظهرت بمحض الصدفة من خارج حركة التاريخ ومقطوعة الجذور مع ماضي الشعوب وحركاتها التحررية والديموقراطية أو بفعل جماعات أصولية نزلت من السماء أو مجموعات وأفراد قذفتها السفارات الأجنبية نحو المسيرات أو أن مايجري عبارة عن صحوة لأسلمة الشرق الأوسط بحسب المرشد الايراني أو عملية انتقامية ضد المحافظين الجدد الأمريكان كما ذهب اليه أحد زعماء الطائفية السياسية أو فزعة لنصرة محور الممانعة بحسب اعلامي سوري أو حدث يتكامل مع الصمود السوري ( صمود النظام ! ) وبسالة المقاومة الوطنية في فلسطين ( مقاومة حماس ! ) ولبنان ( مقاومة حزب الله ! ) والعراق ( مقاومة ارهابيي القاعدة وبقايا البعثيين ! ) بحسب بيان الحزب الشيوعي السوري – وصال بكداش أو تأويلات ورؤا أخرى في قائمة طويلة لاتنتهي تحتاج الى المزيد من القراءات النقدية والتصويب .
الوفاء لتاريخ حركة التطور في منطقتنا يدفعنا للقول ان مايحدث الآن ماهو الا تفجر لتراكمات العقود الماضية من نضالات وتضحيات الشعوب وخاصة طبقاتها وفئاتها المهمشة واستجابة متأخرة نحو عشرين عاما للزلزال الذي أصاب النظم الشمولية الحزبية الاستبدادية في شرق أوروبا وكمثال أقرب امتداد عضوي مكمل للثورة الايرانية الشعبية – المغدورة – منذ نحو ثلاثة عقود والتي استوعبها الاسلامييون من أصحاب العمائم بعد خطفها من أيدي قيادتها الحقيقية من المنظمات الثورية والديموقراطية والشخصيات الليبرالية مثل حركات مجاهدي وفدائيي الشعب ومتنوري البازار و البروليتاريا المدينية وحركات الشعوب الايرانية التحررية والرئيس بني صدر وكذلك فان مايجري وما ينتظر أن ينجز ليس ببعيد عن تأثيرات الزلزال العراقي الذي دشن عملية اسقاط أعتى نظام دكتاتوري شمولي فاسد عنصري في المنطقة ليس من جهة وسائل وطرق التخلص منه بل من حيث النتائج على الأرض التي يقطف ثمارها العراقييون الآن في عمليتهم السياسية الديموقراطية المتواصلة رغم كل العوائق والردات والمخاطر فلم يكن اسقاط نظام العراق وهما بل شكل الخطوة المؤثرة الاولى على طريق عملية التغيير في ربوع بلدان المنطقة وجاء الحدث العراقي العميق في ظروف مختلفة جدا عن مايحيط الآن بالتحولات الجارية في ظل أولوية العامل الداخلي على حساب الخارجي الذي تم في ظله وبفعله تحرير كل من الكويت والعراق وهي سابقة من الضروري أن لاتتكرر أبدا فعملية التغيير اكثر تعقيدا مما يتصورها البعض فلها قوانينها وشروطها وتمر بمرحلتين اساسيتين : اسقاط النظام المستبد أولا ثم اعادة البناء , والقوى الخارجية اذا دعمت الخطوة الأولى من دول ورأي عام عالمي ومنظمات المجتمع المدني الأوروبية فهي لاتتحمل مسؤولية المرحلة الثانية لأنها وطنية سيادية بامتياز ولايجوز لها التدخل بأي شكل من الأشكال وفي هذا المجال هناك باحثون لايستثنون دورثورة الأرز في لبنان في تسريع خطوات الساعين الى اشعال الانتفاضات الشعبية ضد الظلامية والاستبداد وانتهاك الحريات بقوة السلاح وحاملي لواء الطائفية ومثيري الفتن لتعطيل العملية السياسية الديموقراطية ومن أجل تحقيق العدالة .
ان الثورات والانقلابات التي شهدتها بلدان المنطقة عامة وسوريا على وجه الخصوص منذ خمسينات القرن الماضي كانت بأجندات وشعارات سياسية ذات صلة بصراعات القوى الدولية وأحلافها ومحاورها حول النفوذ والمصالح بهامش اجتماعي ضيق من انقلاب العقيد أديب الشيشكلي مرورا بانقلاب حسني الزعيم وانقلابات البعث المتتالية وحركة الانفصال عن دولة الوحدة المصرية السورية أما مايحصل الآن فلأسباب اجتماعية رئيسية تتركز على السياسة الداخلية تجاه قضايا الشعب الحياتية والحريات والمساواة وتداول السلطة وتوزيع الثروة والنظام الاقتصادي والديموقراطية وحقوق القوميات والمكونات الأصغر عددا والحقوق المدنية بشكل عام وقد لايظهر اختلاف يذكر حول السياسات الخارجية المتبعة الا من باب مزايدات الجماعات الحزبية الاسلاموية القوموية الهادفة الى أدلجة خطاب وشعارات الانتفاضات الشعبية الناجزة منها والمنشودة .
الواجب يدعو المثقفين والمفكرين والنخب السياسية في المرحلة الجديدة الراهنة من تاريخ شعوبنا الذي يسطرصفحاتها الجيل الشاب الباحث عن الحياة الكريمة الزاهرة في حاضره ومستقبله والغالبية الشعبية المتضررة من الظلم والاستبداد وفي هذا المنعطف الحاد بفعل تسارع الأحداث الجسام العمل المبدع الهادىء من أجل قراءة الحدث بروية وصياغة القوانين الجديدة للصراع واعادة النظر بالعديد من المفاهيم التي كانت من المسلمات حتى قبل ثلاثين يوما من الآن والتخلص من المواقف المسبقة التي تعمي البصر والبصيرة وتجاوز اللهجة الخشبية المؤدلجة التي صنعتها وروجت لها وسائل اعلام أنظمة الاستبداد وكتبتها ومثقفوها فكيف لنا أن نفهم مايجري من ثورات جذرية بالعمق ضد النظم والمؤسسات والمفاهيم والطبقات والشرائح من دون نبدأ بأنفسنا أولا في مراجعة ترسباتنا السلبية واجتثاث مازرعه الاستبداد في النفوس والعقول منذ مايقارب الخمسين عاما.[1]