التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق ( 3 )
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3267 - #04-02-2011# - 08:52
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق
( 3 )
هل صحيح أن أنظمة الممانعة محصنة لا يطالها التغيير ؟
في الجزئين الأول والثاني من هذه المساهمة حاولنا بيان الأسباب والمتطلبات الداخلية الأساسية والمحيطة بالدرجة التالية وكذلك آلية وشروط نجاح عملية التغيير الديموقراطي السلمي المنشود في بلادنا ونتابع الآن مناقشة وتفنيد جانب من خطاب النظام و – مثقفيه – في معركتهم الاعلامية المضادة الخاسرة الذي يمنح – الحصانة – لسفساط الممانعة ويحاول النأي عن موجة الانتفاض المقتصرة حسب مضمون ذلك الخطاب على دول الاعتدال أو مايطلق عليه بعرب أمريكا في حين أن رياح التغيير قد تبلغ في أية لحظة بلادنا كما ينفي الشروط العامة في معادلة الانتقال الى مرحلة جديدة لصالح الشعوب المقهورة التي تسري مفاعيلها على جميع أنظمة الاستبداد في المنطقة وتصلح لتحقيق أماني وطموحات مختلف شعوب الشرق الأوسط في أقل تقدير وسوريا ليست استثناء ولن تكون مهما أراد ذلك رأس النظام والموالون له .
بداية نقول أنه لم يعد سرا أن الشغل الشاغل للنظام الحاكم في بلادنا منذ الأيام الأولى لانتفاضة الشعب التونسي واحتجاجات الجماهير الجزائرية هو كيفية التعامل مع هذه الظاهرة – الآفة بمفهومه والانتفاضة الشعبية بالتعريف الموضوعي اذا دقت أبواب دمشق أو حماة أو حلب أو القامشلي أو السويداء كما لم يعد محظورا القول بأن أجهزة النظام الأمنية بكل مسمياتها وشعبها وفروعها العشرة الأساسية ومنذ أكثر من عشرين يوما في وضع التعبئة الكاملة وأن اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي وبادارة رأس النظام في اجتماع مفتوح وأن كتائب الحرس الجمهوري ومفارز أمن الرئاسة في حالة الاستنفار القصوى وأن الأوامر صدرت لقادة الجيش السوري في جميع أماكن التواجد ليكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارىء والمقصود هنا ليس توقع هجوم اسرائيلي أو تركي أو اجتياح عسكري لبناني أو عراقي أو أردني بل احتمالات حدوث تحركات احتجاجية شعبية كمقدمة لبلوغ الانتفاضة المرجوة من أجل التغيير .
وهكذا نجد أن البلاد حتى في منظور النظام – من دون أن يعترف علنا - مقبلة على تطورات ومفاجآت وأن الحل الرسمي مازال – أمنيا – يخلو من أية معالجة سياسية ويقفز فوق كل الوقائع والحقائق الموضوعية وليس مستعدا للانفتاح أو التعاطي مع من يعارضه والدلائل تشير الى أن النظام سيسلك الطريق المعهود للدكتاتوريات المعاصرة الآيلة للسقوط العاجزة عن فعل الندامة ثم الرحيل قبل – قيامتها – اما خوفا من العدالة لتوفر أدلة الجرائم المقترفة ضد الداخل والخارج ( لبنان – العراق – فلسطين ) والسرقات والفساد في زمن العولمة والانترنيت وانكشاف الأسرار أو تهيبا من الانتقام الشعبي ولذلك الجهود تبذل من الآن لايجاد مبررات للمواجهة بعنف حتى لو نشبت الحرب بين الشعب بغالبيته من جهة وأهل النظام من أمن وحزب وموالين من الجهة الأخرى حسب مبدأ علي وعلى أعدائي ويجري التحضير لصياغة تهم تخوينية من العيار الثقيل أقلها العمالة لاسرائيل والامبريالية وتهديد الأمن القومي والانفصالية لقمع أي تحرك بواسطة الأذرع الأمنية الأكثر موالاة وردع قوى عسكرية خاصة أكثر قربا من الرئاسة الاستبدادية لأسباب معروفة .
ينفرد نظام بلادنا من بين نظم الاستبداد في انتهاج السلوك الديماغوجي المبتذل لمصلحة استمراريته و أدلجة مواقفه كسائر أطراف الممانعة الرسمية منها وغير الحكومية بتعبيرات ومصطلحات ثوروية بهدف ارضاء الشارع أو بعبارة أدق تضليله وجره الى جانبه كنوع من التكتيك الاحترازي أمام عصر – ضغوط الشارع الشعبية وأمواج الساحات البشرية – التي تقض مضاجع الطغاة وقد كانت مقابلة رأس النظام مع الصحيفة الأمريكية – وول ستريت جورنال – قمة التضليل الاعلامي وذروة الاستهتار بوعي السوريين وكأنه يدمن الضحك على الناس بقوله لماذا سورية مستقرة، على الرغم من أن لدينا ظروفا أكثر صعوبة؟ وقد دعمت مصر ماليا من قبل الولايات المتحدة، بينما نحن تحت الحصار من قبل معظم دول العالم. لدينا نمو على الرغم من أننا لا نملك العديد من الاحتياجات الأساسية للشعب. وبالرغم من كل ذلك، فإن الناس لا يذهبون إلى انتفاضة. إذا المسألة لا تتعلق بالاحتياجات، أو الإصلاحات فقط. المسألة تتعلق بالأيديولوجيا، أي تلك المعتقدات والقضية التي لديك. هناك فرق بين امتلاك قضية والوقوع في الفراغ ان كل سوري يعلم أن سوريا مستقرة شكلا ومؤقتا أمام تواجد نصف مليون من الأمن يراقب ويعتقل ويعذب ويلاحق ولكنها مزعزعة الأركان على أسس هشة جراء الاستبداد والاضطهاد وخنق الحريات والتسلط الأحادي أو لم يكن النظام البعثي – التوأم - المنهار في العراق قد حكم العراق بالحديد والنار ولم ينقصه الاستقرار الظاهري يوما من الأيام ثم انهار بلمح البصر ؟ أما أن مصر تتلقى المعونات وسوريا محاصرة والنظام يعيش على الكفاف فأمر مضحك فمعونات ايران السنوية منذ عهد الشاه وحتى الجمهورية الاسلامية التي لم تنقطع تضاهي كل مساعدات واشنطن الى مصر هذا من دون ذكر مساعدات قطر السخية وموارد الخوة والابتزاز من دول الخليج وخاصة السعودية والكويت والامارات ونهب خيرات لبنان ونصف دخله القومي منذ عقود وحتى الآن ومن دون ذكر واردات نفط – قرة جوغ – في الجزيرة التي تودع بالقصر الجمهوري من دون المرور بالقنوات المالية الحكومية .
قبل هذه المقابلة – الفضيحة ردد مثقفون موالون ونشرت منابر تشرف عليها أجهزة النظام مقولات تشير الى أن سوريا – معفاة – من الانتفاض لأن نظامها ممانع وليس له علاقة باسرائيل وأن دول الاعتدال العربي هي المعنية والجواب بكل بساطة : لاتونس التي سقط نظامها ولا الجزائر التي تشهد الاحتجاجات كانتا على علاقة باسرائيل والجزائر ليس في عداد دول الاعتدال ولم ترفع في مظاهرات البلدين أي شعار حول اسرائل أو أمريكا أو الغرب لأن المسألة تكاد تتعلق بقضايا الداخل من الاستبداد وتوريث الحكم والقمع وتسلط الأمن والمخابرات والحريات ونهب المال العام والبطالة وفرص العمل والعدل الاجتماعي وكل هذه الأسباب سورية بامتياز واذا كان الأمر يتصل بالعلاقة باسرائيل فأمير قطر المتخم بالممانعة أولى بالخلع والرجم والرحيل واذا كان متصلا بالعلاقة بأمريكا فالحاكم السوري – الممانع - أكثر قربا من الغرب حتى من مصر التي أعادت وحررت أراضيها المحتلة بالطرق الدبلوماسية والباحث عن رضا الأمريكان ليل نهار والأقرب الى تركيا أهم عضو في حلف الناتو أولى بالسقوط من أي حاكم مستبد آخر اذا كان المقياس بهذه الطريقة ولماذا لانضيف مقاييس وطنية وقومية أخرى على اللائحة مثل أرض الجولان المحتل والعزلة عن العمل العربي المشترك والتدخل بشؤون الجوار والانخراط في محاور تهدد استقرار المنطقة واذا كان البعض قد شكر الرئيس التونسي المخلوع لأنه دشن سابقة هروب المستبدين أولا وقام بحقن الدماء مجبرا أو اراديا أو اذا كان هناك من قدر الرئيس المصري الذي يعتبره جزء كبير من المصريين أحد أبطاله في حرب أكتوبر وغيرها – من منطلق الحرص على مصر وشعبه - على اعلانه عدم ترشيح نفسه للدورة القادمة بعد أشهر وتعيين نائب له وتشكيل حكومة جديدة ورفضه التوريث والتحاور مع المعارضة لانتقال السلطة بصورة سلسة وبمعزل عن العنف والاكراه والانتقام واصراره على حفظ كرامة بلده ومؤسساته الشرعية الدستورية ورفض التدخل الخارجي فعلى ماذا يمكن تقديم الشكر للرئيس السوري؟.[1]