ثمن النصر والهزيمة في الأزمة التركية – الكردية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 2069 - #15-10-2007# - 11:54
المحور: القضية الكردية
أثار التصريح الأخير لرئيس الحكومة التركية حول استعداد بلاده لدفع – ثمن – الاقدام على الاجتياح العسكري للأراضي العراقية بحجة ملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني انتباه المراقبين لأن المسؤول التركي على يقين بأن للاجتياح العسكري اذا تم انعكاسات مباشرة ستطال العديد من المفاصل الاستراتيجية التي تحدد آفاق مستقبل الجمهورية في ظل أول سلطة لحزب اسلامي التوجه يحتل عبر الانتخابات مقاليد السلطتين التشريعية والتنفيذية .
فمن جانب سيشكل تخطي الحدود الدولية التركية – العراقية من قبل الجيش التركي وبالاضافة الى انتهاك السيادة لدولة عضو في الأسرة الدولية في مواجهة مباشرة مع القوات المتعددة الجنسيات بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية حليفة تركيا التقليدية وزميلتها في حلف الناتو والمنوطة بحفظ الأمن والاستقرار في كافة الأراضي العراقية حسب قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وارادة الشعب العراقي ومؤسساته الشرعية .
ومن جانب فان الاجتياح العسكري المتوقع وما سينتج عنه من مواجهات وضحايا وملابسات سيكون بمثابة تمرد تركي على أجندة الناتو بخصوص سياسة الغرب وسبل تفعيلها حول الشرق الآوسط وتحديدا تجاه بؤر التوتر في العراق ولبنان وفلسطين بما فيها ترتيبات استحقاق الرئاسة اللبنانية والتحضير لمؤتمر الخريف الدولي حول فلسطين و – رد رجل – على الخطط المرسومة لمعالجة مخاطر الارهاب والأصولية والتهديد النووي بما في ذلك خيار المواجهة الذي بات وشيكا مع نظامي طهران ودمشق وحلفائهما .
ومن جانب آخر سيفتح الاجتياح فجوة أخرى أعمق وأوسع من سابقاتها في بنية العلاقات التركية الأوروبية وفي أساس الآمال والطموحات القائمة في الايفاء بشروط عضوية الاتحاد الأوروبي .
ومن جانب وهو مهم سيضع الاجتياح صدقية حزب العدالة والتنمية الحاكم في موقع الريبة لدى الناخب الكردي الذي سمع وعودا وتقديمات سخية بشأن معالجة القضية الكردية وتحسين الوضع الاقتصادي ورفع الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية وتثبيت الاستقرار في مناطقه بعد أن حصد مرشحوه على أساس تلك الوعود في الانتخابات الأخيرة غالبية الأصوات في محافظات كردستان .
وهكذا فان السيد أردوغان وهو أكثر العارفين بقيمة – الثمن – وتكاليفه على حساب سمعته ومصير حزبه وبالتالي سلطته في حال حدوث المحظور ورغم ذلك وحسب تقييمه واستخلاصه لنتائج الربح والخسارة على مصالح بلاده انطلاقا من مبادئه ومعتقداته وحسب رؤيته فانه يستعد لدفع الثمن المطلوب .
أما عن أداء الطرف الآخر – قيادة حزب العمال الكردستاني - في كيفية وسبل التعامل مع قضية المواجهة ومعادلة النصر والهزيمة وتعريفهما من حيث الثمن والنتائج والتداعيات فليس واضحا كما هو مطلوب .
فمن جهة تباينت ردود الفعل على القرار – الحربي - للحكومة التركية والذي جاء كرد سريع على العملية العسكرية – العمالية - التي أودت بأربعة عشر عسكريين أتراك الى درجة التناقض : ناطق عمالي كردستاني يعلن بأن قوات الحزب ستتوجه الى الداخل التركي وهو قد يفسر بأن هناك نية انسحاب من مناطق كردستان العراق وأن المسألة ستحل داخليا وبالتالي يمكن اعتباره توجها لسحب الذريعة التركية وناطق آخر يخطىء الأول ويتشبث بالموقف الراديكالي التقليدي المعروف الذي فات أوانه ويثير القلق المشروع لدى الكثير من الأوساط السياسية في حركة التحرر القومي الكردستانية في كل مكان للأسباب التالية :
أولا – من نفس المنطلق القومي الذي مازال خطاب العمال الكردستاني يستند على بعضه كان المفترض أن لا يتسبب في توفير الحجج والذرائع لطرف آخر للاجهاز على انجازات شعب كردستان العراق لأن ما تحقق هو انتصار لكل الكرد وتعزيز لحركتهم وضمانة لمستقبلهم وبالتالي تتطلب المبادىء القومية الحرص عليها وصيانتها من عبث العابثين ومن شرور الأعداء وأن تصليب البنية الفدرالية وتطويرها وتعزيز قدراتها كتجربة ديموقراطية واعدة ونموذجية لا يتعارض مع مصالح الكرد في أي جزء ومكان .
ثانيا – على العمال الكردستاني الذي خف بريقه لدى الأوساط السياسية والثقافية الكردية في تركيا ولم يعد مقبولا كما في السابق بسبب اشكاليات وضع قائده السجين وتدخله في توجيه سياسة الحزب من المعتقل وتحت أنظار سجانيه واحتمالات استثماره في صراع القوى التركية الحاكمة واستمرار الهيمنة على التيارات القريبة من الحزب التي اختارت النضال المدني عبر منظمات المجتمع المدني القانونية بديلا عن العنف والكفاح المسلح وامتناع قيادة الحزب عن ممارسة نقد ذاتي حقيقي وشفاف حول الماضي الذي حمل الكثير من الأخطاء والخطايا نقول عليه أن يخرج الى الأبد من الموقع الذي رسم لنفسه في الحاق الأذى ليس بمستقبل كرد تركيا كما يعتقد كثيرون هناك بل بعرقلة تطور الحركة الكردية في العراق وسورية وايران تارة بالتعاون مع أنظمة تلك البلدان الى درجة التحول الى جزء من ماكينتها المعادية لأكرادها وتارة بانشاء منظمات تسير في ركابه لتكون بديلة عن الحركة السياسية الأصيلة وأحيانا وكما يحصل الآن بتقديم الذرائع للشوفينيين والأوساط الحاكمة في البلدان المجاورة لكردستان العراق للاجهاز على تجربته الفتية عبر أعمال وعمليات لاتتعدى الاستعراض الاعلامي كما يحصل الآن على جانبي الحدود التركية – الايرانية المشتركة مع الاقليم الفدرالي .
ثالثا – اذا كان رئيس الحكومة التركية ومن موقع قوته الانتخابية وغالبيته الشرعية ومنافسته للعسكر مستعد لدفع – الثمن – في سبيل ما يراه مصلحة لبلاده وقضيته التي يؤمن بها – رغم عدم عدالتها في نظري مادامت تحمل بذور العداء للحقوق الكردية المشروعة في تركيا والمنطقة - أوليس الأحرى بقيادة العمال الكردستاني التي من المفترض أنها تؤمن بقضية مشروعة أن تفكر قبله لدفع – الثمن – ولو لمرة واحدة واذا شئت التضحية في اطار العائلة الواحدة بالمهم الخاص في سبيل الأهم العام لمصلحة القضية الكردية في تركيا وتجربة كردستان العراق الفتية ولمصلحة العراق الفدرالي وعمليته السياسية ومصالحته الوطنية وتغييره الديموقراطي ؟
ان الواقع التنظيمي والسياسي لمكونات حركة التحرر القومي الكردستانية في الشرق الأوسط وتوجهها العام الغالب موضوعيا نحو الاندماج بالحركة الوطنية الديموقراطية في بلدانها معارضة وموالاة مع الاحتفاظ بالتزاماتها القومية في حدود الممكن المشروع واختلافه عن تجارب حركات قومية أخرى التي تتأطر في قيادات قومية مركزية يسمح لها بحرية التحرك ضمن مبدأ القرار المستقل المراعي للمصالح القومية العليا الذي يجيز مبدئيا وعمليا للقيادة السياسية في اقليم كردستان العراق الفدرالي الانطلاق من مصالح شعبها وتعزيز تجربتها والحفاظ على الأمن والاستقرار في الداخل ومع الجوار وبالتالي حقها في الفصل السياسي الكامل بين قضاياها الخاصة ومهامها الوطنية العراقية من جهة وبين الأحداث اليومية الناشئة من القضية الكردية التي لم تعالج بعد في بلدان الجوار وبشكل خاص معضلة حزب العمال الكردستاني المزمنة والمتفاقمة مع نفسه ومع الدولة التركية حتى تستطيع مواجهة التحديات دون حرج وحل النزاعات مع سلطات دول الجوار بالحوار السلمي بالتضامن والتكافل مع شركائه وحلفائه في الحكومة العراقية عبر القنوات الدبلوماسية في العاصمة الاتحادية بغداد.
[1]