اشارات في ظاهرة اجتماعية نسويه
بقلم: رشاد موسى
للمرأة في مجتمعنا اٍلكردي هموم متعددة ومتنوعة قد يصعب الإحاطة بها أو حصرها في بعض الجمل أو الفقرات أو حتى في بعض الصفحات أو في أكثر من ذلك خاصة إذا عرف إن همومها أكبر وأوسع وأعمق من هموم أية امرأة أخرى في هذه المنطقة الشهيرة بمفاهيمها العرجاء ونظراتها الدونية اتجاه المرأة بوجه عام ذلك كون المرأة الكردية تنتمي إلى الشعب الكردي الذي يتعرض إلى اضطهاد قومي مقيت منذ عشرات السنين والمكبل نتيجة ذلك بجملة من السياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية الجائرة التي تفعل فعلها السلبي في جميع مناحي الحياة وهذا ما يحملها هموما إضافية ناتجة عن هذه السياسات الظالمة مما يضاعف ذلك من درجة معاناتها ويحد من درجة تطورها وتطور المجتمع التي تنتمي إليه أيضا.
لذلك فإن مسئولية مواجهة ما تعانيه المرأة الكردية من هموم و مفاهيم قديمة والتي يفترض إن الزمن قد تجاوزها بحكم التقادم ومتغيرات العصر ليست مقتصرة عليها وحدها ولو إنها معنية بذلك أولا بصفتها الطرف المتلقي لمثل هذه الهموم والمفاهيم مباشرة بل تعني المجتمع كله اجتماعيا وقوميا وإنسانيا وحضاريا و ما يهمنا هنا من خلال هذه الأسطر والكلمات ظاهرة معينة من أوجه معاناة المرأة الكردية لوضعها في مرمى المسئولية وتحت الضوء حيث يمكن من خلال إلقاء نظرة واحدة إلى واقع المرأة الكردية في سوريا المعاش أن نتلمس هذه الظاهرة (العنوسة) وتداعياتها الغير محمودة وبصورة كما تبدو قابلة للتوسع في ظل الظروف المستجدة وما تحملها هذه المرحلة من منغصات إضافية
وما دامت هذه الظاهرة تبدو بهذه الصورة وعلى هذه الشاكلة فهي تحتاج إلى تسليط المزيد من حزم الضوء عليها وسبر غورها وكشف أبعادها وتلمس آثارها لما ينطوي فيها من مخاطر وسلبيات وإرباكات اجتماعية كان من المفترض أن نكون بغنى عنها غير إن الواقع يقول شيئا آخر وبالتالي قد أصبحت هذه الظاهرة تتردد في أحاديث الناس وفي الشارع الكردي في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى وبشكل أكثر في البيئات الفقيرة نظرا لما تثيرها من قلق في أوساط واسعة من مجتمعنا الكردي في سوريا وخشيته المشروعة من تبعات ومنغصات ومفاعيل هذه الظاهرة الاجتماعية التي تطفو على السطح وتعكر حياة ومستقبل فئة شابة وهامة من الشق الثاني للعنصر الإنساني من مجتمعنا الكرديٍ والتي باتت تلقي بظلال قاتمة على حياتهن ومن الجدير بالذكر إن هذه الظاهرة ليست جديدة كما إنها ليست محصورة في مجتمعنا الكردي فقط لكنها اشد وطأة وأوسع انتشارا فيه بفعل عوامل اجتماعية واقتصادية عديدة وانعكاسات سياسات الاضطهاد القومي الممارسة ضد الشعب الكردي في سوريا منذ عدة عقود وفي ظل هذا الوضع القائم يمكن القول بإن العنوسة في مجتمعنا الكردي تقترب من تخوم اللون الأحمر إن صح هذا التعبير وأأمل هنا أن لا يفهم بأني أضخم من الأمر وأعطيه حجما غير ملموس مع إنه ليس عصيا على المعالجة التي إن توفرت قد لا تلغيها وإنما قد تخفف من آثارها ووطأتها ومن سبل المعالجة الممكنة والواجبة اعتمادها اليوم قبل الغد بداية خفض المهور و تكاليف مراسيم الأعراس وعادات الزواج التي لا زالت تؤثر فيها بعض المفاهيم القديمة حيث يعجز الكثير من الشباب الراغبين في الزواج في ظل ذلك من تأمين الأموال اللازمة ونفقات تأسيس العش الزوجي وخاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي القائم وتفشي البطالة وغلاء المعيشة الأمر الذي قد يدفع ببعض الشباب إلى العزوف عن الزواج أو إلى البحث عن شريكة حياة في مناطق أخرى أقل مهرا وأقل كلفة وغالبا ما يكون خارج إطار المجتمع الكردي كما إن العمل في الوقت ذاته على وضع حد لظاهرة الهجرة و رغبة شد الرحيل إلى خارج البلاد التي تحصل بشكل غير مألوف منذ عدة سنوات وعبر مختلف الصعاب والمخاطر والمسالك وبدافع من عوامل عديدة من أهمها تدني الأوضاع المادية وارتفاع معدلات البطالة والحرمان من الحقوق المدنية ومن أبسط حقوق الإنسان في الوسط الكردي وخاصة بين جيل الشباب ومظاهر الاضطهاد القومي المتصاعدة والمختلفة التي تؤجج وتعمق من مشاعر القهر والاغتراب في نفوس المواطنين الكرد ومظاهر التضييق على الحريات والملاحقات والضغوطات الأمنية وما شابه ذلك يمكن أن يحقق جانبا آخرا من المعالجة و إن العمل بهذا الاتجاه ومن قبل كل من يهمه الأمر ويدرك ثقل المشكلة بات ملحا وضروريا وفي جانب آخر تأخذني الإشارة إلى الطلبة الكرد الدارسين في الخارج وتفضيل بعضهم الزواج من فتيات أجنبيات وهذا أيضا يساهم في تنامي الظاهرة كما يجب أن لا ننسى إن بعض المغتربين الكرد يفضلون الزواج من الوطن وهذا جيد ويستحق التشجيع والثناء فضلا عن ذلك إننا كلنا مدعون أيضا من فعاليات اجتماعية وسياسية وثقافية وكل المهتمين ودون تراخي لمواجهة بعض الأمور السلبية الأخرى الموجودة هنا أو هناك و التي تغذي بشكل أو بآخر ظاهرة العنوسة مثلا كإصرار بعض الأسر الكردية على رفض تزويج الابنة الصغرى قبل الكبرى بدافع الحرص على مستقبل الأخيرة حسب وجهة نظرها أو الحجز على ابنة العم بفعل عادة الحيار السيئة الصيت أو رفض تزويج الفتاة لمن تحب خاصة عندما يكتشف أمرها أو التمسك بما يسمى بالتمايزات المادية والاجتماعية من قبل البعض أو ما إلى ذلك أو رغبة احد الجنسين من الشباب بالانتظار زمنا طويلا للفوز بالشريك الآخر الكامل الأوصاف أو عزوف احدهما عن الزواج بسبب تدخل الأهل في اختيار الشريك أو تعمد بعض الأسر على تأخير زواج بناتهم تحت طائلة الحاجة المادية عندما تكون الفتاة تعمل في وظيفة أو مهنة والقائمة تطول والنتيجة غير محمودة إذا ترك الحبل على الغارب لذلك من الإنصاف ومن الواجب الملح الالتفات إلى الظاهرة التي تدور حولها هذه المساهمة التي كل ما ضخ فيها من أفكار ورؤى ليست سوى إشارات ودعوة جادة في الوقت ذاته إلى رفع المزيد من الأصابع وإسالة الكثير من الحبر في وجه ظاهرة العنوسة وتداعياتها الغير المستحبة حيث يكفي المرأة الكردية ما عانته وما تعانيه من الهموم والمظالم ومن آثار حصرها في الزوايا الضيقة بحجة إنها ناقصة وفي الحقيقة من يرى في المرأة إنسانا ناقصا مؤكدا هو ناقص كونه محكوم برؤى قاصرة ومن الجدير بالذكر إن هذه الظاهرة نفسها قد تتسبب في النفخ في عادة سيئة أخرى ضارة بالمرأة أيضا كانت قد تقلصت بعض الشيء في الحقبة الماضية بفعل قوة ونفاذ بعض المفاهيم آنذاك تلك هي عادة تعدد الزوجات حيث بوجود كم غير طبيعي من اللاتي يوصفن بالعانسات في المجتمع (مع التأكيد بأن العنوسة ليست تهمة) يفتح المجال لظاهرة التعدد المذكورة بالرغم من مخاطرها الاجتماعية أيضا فضلا عن إنها تتنافى مع حق مهم من حقوق المرأة الإنسانية والحضارية.
وبكلمة أخيرة إن كل ما أردت من هذه المساهمة المتواضعة ومن الإشارات التي وردت فيها هو اعتقادا مني وهو كذلك بإن عوامل الخير موجودة في مجتمعنا الكردي على امتداد تواجده ومناطقه وهي تحتاج إلى من يوقظها أأمل ذلك وأأمل في الوقت ذاته إن من يعمل في هذا الاتجاه هم كثر ولنا وطيد الأمل والثقة بأجيالنا الواعدة ومن الجنسين وبكل المهتمين والمدركين للمسؤولية على اختلاف مواقعهم ببذل الجهد الوافر وضخ المزيد من الوعي في جسد مجتمعنا لتقليص هذه الظاهرة و تخفيف معاناة المرأة وإعفاء مجتمعنا الكردي المثقل بالأساس بالمظالم من آثارها الضارة.
[1]