سرقات بعض العرب والأتراك طالت حتى اللباس الكوردي
بيار روباري
من خلال إهتمامي بالتاريخ الكوردي القديم، وكتابة العديد من الدراسات والبحوث التاريخية عن تاريخ أسلاف الشعب الكوردي من: السومريين، الخوريين، الميتانيين، الهيتيين، الميديين، الساسانيين، وتاريخ الشعب الكوردي بشكل عام وتحديدآ التاريخ المادي، أي تاريخ المدن الأثرية، الذي يعتمد فقط على الأثار بأنواعها مثل: “النقوش، النصوص الكتابية، القبور، المعابد، الأختام، أدوات الطعام، الأساطير، الشعر، الأفران، .. إلخ” حيث تبين لي كم السرقات الهائل التي تعرض لها حضارة وتاريخ وأساطير والمعتقدات والمصطلحات العائدة لأسلاف الإمة الكوردية، وعلى وجه الخصوص السومريين منهم، الإيلاميين، الكاشيين، الخوريين، الميتانيين، الهيتيين والساسانيين، من قبل أطراف محددة هم: الأكديين، الكنعانيين، الأموريين، الفرس، اليهود، العرب المسلمين، الأتراك أحفاد السلاجقة والتتار. ويمكنني القول لم يتركوا شيئآ ولم يسرقوه، كيف وقد سرقوا أرض كوردستان بمعنى إحتلوها وإستوطنها كالسرن الغير حميد؟؟؟
وعودةً إلى جوهر موضوعنا، الذي يدور حول سرقة الكفتان الكوردي، والمسرحية الهزلية والسخيفة وأبطالها بعض الدجالين والكذابين الجزائريين والمغاربة، وإدعاء كل طرف منهم بأن الخفتان (الكفتان) هو جزء من تراثهم!!!
1
هؤلاء السراق والحرامية من العربان الذين يحكمون البلدين عنوة وكونهم محتلين أوباش، لم يقولوا لنا هؤلاء من مزوري التاريخ، عندما إحتل الغزاة العرب شمال أفريقيا “بلاد الأمازيغ” هل كانوا يرتدون الخفتان (الكفتان) أو سمعوا به حتى؟؟ الحقيقة أن الغزاة العرب عندما غزوا بلاد الكورد والأمازيغ كانوا يرتدون لباسآ قذرآ ولا يمت للحضارة بشيئ.
فكيف إذا بات الخفتان لباسآ عروبيآ؟ ولماذا لم يشرحوا معنى إسم الكفتان وأصله ومن أين أتت التسمية؟؟ البعض من هؤلاء اللصوص تجنبوا الخوض في ذلك، والبعض الأخر أرجع أصله إلى الترك أو الفرس، وكل هذا عارٍ عن الصحة نهائيآ. وبالأصل الكفتان لباس رجالي، وفي المئة العام الأخيرة أو أكثر أخذت النساء أيضآ يرتدن الكفتان، ولكن بحلة مختلفة عن شكل الكفتان الرجالي. والصورة المنشورة في مقدمة هذا المقال يعطي صورة عن أصل الكفتان الأصلي. بالطبع إنتشار لباس الكفتان في بلدان مختلفة، وأخذ كل شعب يطيعه لثقافته ويضيف إليه شيئآ من ثقافته المحلية.
الخفتان (الكفتان):
Xeftan (Keftan)
الخفتان الكوردي الأصلي هو ثوب معركة مصنوع من القماش الثقيل بسمك مزدوج، ومفتوح من الأمام ومخيط من الداخل بخيوط من الحرير بشكل مكثف، والهدف منه كان حماية جسد مرتديه من أي ضربة خنجر من معتدي أو خصم. وكان الكورد يرتدون تحته لبس يمسمونه “زراه”. والخفتان مؤلف من عدة قطع توصل ببعضها البعض ويشبه إلى حدٍ ما رداء الغلالة الذي كان يرتديها العديد من الشعوب ومن ضمنهم اليونانيين ومال زال بعض الشعوب ترتديه لليوم.
الخفتان غالباً ما يرتدى مع معطف وأحيانآ يتم إرتدائه مع وشاح، وطوله يلامس كاحلي القدمين، ويمتاز بالأكمام الطويلة وياقة صلبة ومزركشة. وعادة ما كان يصنع الكفتان من الصوف والحرير، الحرير لمنع إختراق السيوف أجساد الجنود في أرض المعركة، ولاحقآ أخذ الصناع يصنعونه من القطن. كما قلنا كان في الأصل لباس رجالي خالص، ولكن مع مرور ألاف السنين، أخذت الحرفيين يفصلون نوع خاص بالنساء، وكان يرتديه في العادة الطبقة المخملية في المجتمعات الكوردية القادرة على دفع تكاليف هذا اللباس الجميل والأنيق. وسماكة الخفتان له علاقة مباشرة بمدى برودة الطقس في المكان المعين. ففي الأماكن الأقل برودة يكون سماكته أقل، والعكس صحيح أيضآ، حيث لليوم تجد في المناطق الباردة في #كوردستان# مثل ديرسم، پالو، أمد، وان، قارص، بايزيد سماكته أكبر، والهدف حماية الجسم من لسعات البرد القارس أثناء إرتدائه.
وفي (100) المئة عام، شهد الخفتان (الكفتان) رواجآ كبيرآ وخاصة بعد صنع نموذج نسائي منه، ومع الوقت أضيف له الكثير من التحديثات مثل قطع المجوهرات والرسومات والحلي والزينة، وإختراع موديلات جديدة غير كلاسيكية، والحزام (القشاط)، وتنويع الألوان وخلط الأقمشة. عمومآ يتميز الخفتان بعدة خصائص منها:
الطول، الوسع، أكمام مفتوحة وطويلة، سماكة القماش، ياقة عالية وثمية ومزركشة، وفي الوقت الراهن الخفتان (النسائي) يصنع بدون ياقة. وألوانة في الماضي كانت في أغلبها داكنة، وسبب ذلك كونه كان لباسآ رجاليآ فقط، ولكن في السنوات الأخيرة، تجد الكفتان يُصنع بألوان عديدة وفاتحة وبهيجة وخاصة الكفتان النسائي سواء في كوردستان أو خارجها.
تاريخ ظهورة الخفتان ومهده:
Dîroka diyarbûna xeftên û dergûşa wî
الخفتان لباس كوردي أصيل ويعود تاريخه إلى أيام الدولة “الميدية” بمعنى هو لباس ميدي في الأصل، وظهر للوجود في مدينة “إكباتان” عاصمة الميديين أي مدينة (همذان) الحالية، وذلك في (600) القرن
2
السادس قبل الميلاد، ومن شرق كوردستان إنتشر لباس الخفتان إلى كافة مناطق كوردستان الشاسعة. لكن لا نملك وثائق تقطع الشك باليقين، ولقد ورد ذكر إسم الخفتان في كتاب “الشاهنامة” العائد للشاعر “أبو قاسم الفردوسي”.
أخذ الفرس والسلاجقة ومخلفاتهم من العثمانيين هذا اللباس عن الشعب الكوردي مع تسميته أيضآ، إرتداه السلاطين العثمانيين بدءً من (1400م) القرن الرابع عشر وحتى (1800) القرن الثامن عشر. ورجال البلاط بدورهم أخذوا يرتدونه وأجروا عليه بعض التعديلات في الحقبة العثمانية لإعطائة صبغة سلطانية عثمانية خاصة بالعائلة الحاكمة. وهكذا إنتشر الخفتان في كل أرجاء الدولة العثمانية، بما فيها دول شمال أفريقيا الحالية والتي كانت جزءً من الإمبراطورية العثمانية.
ولا ننسى العديد من ولات الدولة العثمانية وكبار موظفيها كانوا من الكورد الأثرياء والأغوات والأمراء، وهؤلاء نقلوا معهم ثقافتهم وإسلوب حياتهم معهم إلى المناطق والولايات التي كلفوا بحكمها، وأخذوا معهم إلى جانب اللباس الطعام والمئات من المفردات الكوردية، كون اللغة العثمانية أكثر من 50% منها، كانت مؤلفة من مفردات ومصطلحات كوردية وهذا الحال مستمر لليوم مع التركية الحالية. وهذا يعني أن تاريخ ظهور الخفتان يعود إلى أكثر من (2600) ألفين وستمئة عام، وليس كما إدعى ويدعي مزوري التاريخ من العربان في كل من المغرب والجزائر، ونسبوه إلى أنفسهم.
وصل الخفتان إلى المجتمعات الأوروبية، عن طريق السفراء الأوروبيون في إسطنبول خلال فترة الحكم العثماني بتلقي الخفتان كهدية منذ (1700) القرن السابع عشر، وكان الخفتان حينها جزءاً من الاستشراق الذي شهدته الدول الأوروبية مثل فرنسا، بريطانيا وألمانيا في ذلك الوقت. وذكرت الباحثة الأمريكية في قسم الأقمشة وفنون الموضة في متحف “إنديانابوليس” للفن بأمريكا السيدة “بايدار إن”: إن الإنكليز كانوا
3
يحبون أن يظهروا باللباس العثماني، بهدف كسب ود الناس والتقرب منهم، وأكدت أنه وجد لوحات مرسومة تظهر السفراء والمستشرقين وبعض الرجال الإنكليز بلباس الخفتان تعود إلى تلك الفترة.
ولاحقآ في (1800) القرن الثامن عشر، غير المصممين الأوروبيين كثيرآ من شكل الخفتان، أولآ جعلوه مفتوحاً من الأمام، وثانيآ أضافوا له بعض اللمسات الغربية وأطلقوا عليه تسمية “بانيان”. وفي (2000) القرن العشرين، ونتيجة إنفتاح الفنانيين الأوروبيين على ثقافة شمال أفريقيا، بسبب وجود جالية مغربية وجزائرية ضخمة في فرنسا وأسبانيا وبلجيكا وهولندا، إستوحى بعض المصممين الفرنسين مثل “بول
بويرت”، تصاميمهم من شكل الخفتان المستخدم في المغرب إضافة للجزائر، وصنعوا معاطف وفساتين للسهرة خاصة بالنساء الأوروبيات وتحديدآ الفرنسيات من الطبقة المخملية. ولليوم، يعتبر الخفتان أحد رموز الموضة في العالم بأسره، وهذا الرداء يناسب كل جسد وكل موسم وكل عصر برأي المختصين، لا سيما في كوردستان بلد المنشأ.
ولم يدخل الخفتان بصيحات الموضة في الغرب إلا في الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي بفضل جرأة المصصم “كريستيان ديور” و”بالنسياغا”، ومنح الخفتان لمسة فرنسية بحيث فصلوه على شكل ثوب مفتوح على بنطال للسهرة، ومن خلال هذه دخل الخفتان إلى خزانة الملابس الفرنسيات ومعهن نساء أوروبا الغربية. وخلال فترة قصيرة أصبح الخفتان مقصد كافة النساء وجميع الطبقات وخاصة النسوة اللواتي يبحثن عن لباس أنيق ومميز ويبرز جمالهن.
معنى وأصل تسمية الخفتان:
Wate û koka navê Xeftan
بعض المستشرقين الألمان ومنهم “جيرهارد دورفر” نتيجة إنغلاقهم على الدولة العثمانية بسبب العلاقة الوثيقة بين الدولة العثمانية وألمانيا، فتعرف على الخفتان من خلال الدولة العثمانية، فإعتقد أن الأتراك هم من إخترعوا هذا اللباس الأنيق، ولم يحاول البحث في تاريخ الخفتان ومعنى إسمه وأين ظهر تاريخيآ.
وفسر معناه على أنه يعني “تغطية الملابس” وهذا غير صحيح نهائيآ.
إن إسم هذا الرداء هو “خفتان” وليس قفطان، كون اللغة الكوردية لا يوجد فيها حرفي (ق، ط)، والأتراك والفرس إستبدلوا حرف (خ) الكوردي بالكاف. والأوروبيين كونهم أخذوا التسمية عن العثمانيين كتبوا الإسم بحرف (ك). أما العربان فإستبدلوا حرف (ك) بحرف (ق)، وحرف (ت) بحرف (ط) لتسهيل نطق الإسم، وهذا غير من معناه، وهذا لا يجوز. على الباحث الأمين دائمآ يذكر التسمية الأصلية إلى جانب التسمية المعدلة، وإلا يعتبر ذلك عملية تزوير في وضح النهار.
الخفتان تسمية كوردية ميدية قديمة ولليوم يستخدمها أبناء الشعب الكوردي في جميع أنحاء كوردستان، والتسمية مؤلفة من جزئين (خفت) وتعني حماية أو إخفاء وهنا المقصود به جسم الإنسان. والثانية (آن)
هي علامة الجمع في اللغة الكوردية.
Xeft: خفت (حماية أو إخفاء)
-an: علامة أو أداة الجمع
Xeft + an — xeftan: خفتان (كفتان/ قفطان)
Gul + an — gulan: ورود
Mîr + an — mîran: أمراء
Dar + an — daran: أشجار
Mal + an — malan: بيوت
Sêv + an — sêvan: تفاح
Jin + an — jinan: نساء
4
وهناك الكثير من الأسماء في اللغة نستخدمها بحالة الجمة، وهذا الأمر شائع في اللغة الكوردية:
Mîran: هو إسم كوردي رجالي ولكنه بصيغة الجمع وتعني الأمراء
Behdînan: إسم منطقة في جنوب كوردستان أيضآ بحالة الجمع
Soran: إسم منطقة في جنوب كوردستان أيضآ بحالة الجمع
Germiyan: إسم منطقة في شمال كوردستان أيضآ بحالة الجمع
الخلاصة:
Kotayî
هناك مثل عربي عامي يقول: “المال الداشر يعلم الناس السرق”. بقناعتي هذا المثل ينطبق حرفيآ على الشعب الكوردي الذي ترك ماله وتاريخ وأثاره وفنون ومصطلحاته اللغوية، فعلمنا العربان، الفرس، اليهود وأحفاد السلاجقة من عثمانيين وأتراك على السرقة، حتى وصل الأمر بهم أنهم سرقوا كل شيئ حتى اللباس والطعام والمقامات والألات الموسيقية والألعاب كالشطرنج والطاولة، إضافة لألاف الكلمات والمصطلحات الكوردية، لا بل سرق ديننا ومعتقداتنا وفي الأخير سرقوا وطننا كوردستان وقالوا: لا يوجد شعب كوردي ولا كوردستان!!!!
شخصيآ أحمل الباحثين والمؤرخين الكورد عن هذا التقصير وعدم الدفاع عن لباسنا وطعامنا وكل تراثنا
5
الثقافي والديني و الأدبي وكامل تاريخ أجدادنا. ولكن قبل ذلك أحمل المسؤولية للقوى السياسية الكوردية الزبالة وقادتها القرفين ولا أستثني طرفآ واحدآ منهم على الإطلاق، وذلك بسبب معادتهم للكتاب، الأدباء، الباحثين، المؤرخين الكورد الأحرار، وعدم تقديم أي نوع من المساعدة والدعم لهم. وثانيآ، بسبب عدم إهتمامهم بالتاريخ الكوردي.
المغاربة والجزائريين ليسوا الوحيدين الذين سرقوا لباسنا الكوردي الجميل، بل سبقهم عربان الجزيرة
بكثير، وفي هذا المجال كتبت مقالآ تحت عنوان: “صورة وتعليق”، في العام (2022) ردآ على أكاذيب
أحد كتاب جريدة الشرق الأوسط السعودية، التي تصدر من لندن. مقالي المذكور منشور في موقع “صوت كوردستان”، وستجدون في نهاية المقال رابط المقال، ورابط مقال الشرق الأوسط أيضآ. وبرأي الموضوع يستحق القراء وذلك لثلاثة أسباب هي:
1- لأهمية الموضوع من الناحية التاريخية.
2- لتكتشفوا بأنفسكم مدى كذب ودجل العربان والفرس والأتراك سراق التاريخ.
3- لمعرفة الحقيقة ولكي لا يخدعكم أحد بعد قراءة المقال نهائيآ.
وختامآ، على العربان والفرس وأحفاد السلاجقة الزعران أن يخجلوا من أنفسهم وهم يسرقون جهد الأخرين، وثانيآ ليعلموا لهذا التاريخ أهلٌ يدافعون عنه ويفضحون مزوري التاريخ وسراقه.[1]