أعياد بيلندا (الميلاد) في الديانة الايزيدية والديانات الآرية
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7847 - #05-01-2024# - 00:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اعياد بيلندا (الميلاد) في الديانة الايزيدية والديانات الآرية
بيلندة (بيلندا) (هلدا) هي كلمة كوردية تعني ظهور الشمس بعد تحررها, وايضا إن كلمة (يلدا) او (يلذلة) ارامية سريانية تعني الولادة , وقد إقتبسوها لِولادة السيد المسيح, وهي في الحقيقة والاصل ميلاد مُهرا (الشمس)(شيشم)(ميترا)، وتعني خودا (خودان) الشمس.
كانت الشمس تعرف بأسماء مختلفة لدى الشعوب والأقوام القديمة, فعند السومريين والبابليين والميترائيين والاكديين والفراعنة وفي روما وفي ميزوبوتاميا والزرادشتية ولدى الكثير من الشعوب تعرف بهذه الاسماء (شمش)(خور)(اوتو )(رع)(مُهرا)( ميثرا ).
مصطلح بيلندا فلكياً تعني وصول كوكب الارض خلال دورانه السنوي حول الشمس االى اسفل نقطة في الأفق الجنوبي الشرقي، والتي تعرف بنقطة الحضيض، مما يؤدي إلى قصر النهار وزيادة في الليل وظلمتها في بداية فصل الشتاء، وهي إحدى المناسبات والأعياد التاريخية القديمة التي يحتفل بها الايرانيون والأكراد والزرادشتيون والميترائيين، منذ القدم يحيونها في احتفالات وطقوس بالضوء والنور يعتبرون الشمس رمزاً للمحبة في احتفالاتهم وطقوسهم الدينية.
في ايران والشعوب التي لها ثقافات مشتركة معها تسمى هذه الليلة بليلة بدء الشتاء أو(شب يلدا) أو (ليلة الأربعينية) وتصادف ليلة الانقلاب الشتوي، ونظراً لمدى دقة الجدول الزمني والتقويم الميترائي وتطابقه الكامل مع التقويم البروج الفلكي الطبيعي.
من فصل بداية الصيف تأخذ الشمس بالشروق من مكان أدنى قليلاً عن مكانها في اليوم السابق عند أفق البزوغ، وتستمر هذه الحالة حتى تصل الشمس الى نقطة الاعتدال في 23/9 ايلول، والى بداية الشتاء(الانقلاب الشتوي) الى ادنى مستوىً لها، وانطلاقاً من هذا اليوم وما بعده، تتبع نقاط شروق الشمس حركة عكسية، حيث تتجه مجدداً الى الأعلى وتعود مرة ثانية الى الانقلاب الصيفي مروراً بالاعتدال الربيعي، وهي في الحقيقة حركة كوكب الارض والانتقال الى الحركة التراجعية له, بعد نهاية انخفاضها الطويل، والخروج الى الحركة العكسية في مدارها حول الشمس لإكمال دورتها السنوية الجديدة.
أعياد بيلندا في الديانة الايزيدية
بيلندة هي عيد ميلاد الشمس هو ميلاد ميترا او خودا(خودان) الشمس, ويقع في يوم (22-25/12) من كانون الأول حسب التقويم الشمسي(الشرقي) ويصادف في(6) من كانون الثاني حسب التقويم الميلادي، أي بفارق (13) يوما بين التقويمين الشمسي والميلادي. قد يتأخر او يتقدم بأسبوع او اكثر عن موعدها, بسبب الاختلاف بين التقويمين, وارتباط يوم عيد بيلندا بيوم الجمعة عيد ميلاد متيرا(مهرا)(خودان). وربما البعض يقولون في هذا العيد ولد الشيخ آدي الهكاري أو ظهر كرامته فيها, ولا أظن إنها تعني عيد ميلاده, لانها قدسيتها قديمة لدى الايزيدية وقبل ظهور وميلاد الشيخ الجليل فيها.
هناك ايضا بيلندا بيرا قبل بيلندا الايزيدية العام بأسبوع واحد فقط, وهو عيد خاص تقوم بإحيائه عوائل من طبقة البيارة, وهي تشير خودان (بيرافات) له علاقة بالإمطار والبرد والفيضانات. وتقام في عيد البيلندا مراسيم وطقوس عديدة منها طقوس (كوركا كا) وهي كلمة مركبة تعني النار والثور, باعتبار( النار) هو رمز الشمس و(كا) رمز الارض والخصوبة , في الولادة الجديدة التي ترمز الى مُهرا(ميترا) ملاك (خودان)الشمس.
واشعال نيران كوركا كاي (gorka gay) امام البيوت دلالة الى الشمس وحركتها وتغيرها, وبدء صفحة جديدة من الحياة, وكان في السابق يتم تمرير الثيران والحيوانات المستخدمة في الحراثة فوق نار الكوركا كا، دلالة على قرب نهاية موسم الزراعة و تقوم النساء برمي الحلوى مع قليل حبوب القمح والشعير, للأطفال والشباب والحاضرين، وبسبب ما تعرض له الايزدية من ابادات جماعية واعتداءات, جاء التغيير والانحراف في تاريخ هذه الاعياد والطقوس الايزيدية, ادى الى الانحراف عن تواريخها والاختلاف في تسمياتها.
جلة (يلدا)(بيلندا) في الديانة الزرادشتية
تسمى بيلندا في الزرادشتية (شوي يلدا) (شوي چله)، ذكر في المصادر التاريخية أن هذا الاسم يرجع الى أكثر من ثمانية آلاف عام، وأنّ ليلة (چله) هي ليلة ميلاد (ميترا) يطلَق على يوم (ولادة الشمس( والزرادشتية ديانة من ذوي الأصول الآرية تحتفل بليلة جلة(يلدا) بالغناء التراثي والأشعار الدينية، وتلك الليلة لها عبارة تهنئة خاصة حيث يقال يلدا مبارك.
كان النور والنهار والشمس تظهر من تجليات الخالق، في حين كان الليل والبرد يرمزان إلى ( إله الشر) في الديانة الزردشتية. وقد دفع استمرار تعاقب الليل والنهار, وربما الاعتقاد بوجود حرب دائمة بين النور والظلمة، فكانت الأيام الطويلة وفق هذا المعتقد، تمثّل أيام نصر للنور والضياء، في حين كانت الأيام القصيرة ترمز إلى غلبة الظلمة والعتمة, أنّ الأساطير الكُردية تقول بأن القمر والشمس عشقا بعضهما ويلتقيان في تلك الليلة، وهي اشارة واضحة الى الاقتران الفلكي.
وعندما إنتشرت الديانة المسيحية في القرن الرابع الميلادي، قاموا بتغيير إسم (چله) الى (يلدا)،وأنّ يلدا كلمة سريانية تعني الولادة, وإقتبسوها لِولادة السيد المسيح ولكن في الحقيقة هي ميلاد (ميترا)او (مهرا).
وفي سنة 2018 اعلنت اللجنة العليا من شخصيات السليمانية وممثلي الديانة الزردشتية ل (شوي يلدا) (اطول ليلة في السنة) في السليمانية، وتم تغيير اسم ( يول, يلدا) الى ( جلة) عن مراسيم ميلاد خودا الشمس (ميترا(في مراسيم وفعاليات خاصة في ليلة (جلة ) ليلة الانقلاب الشتوي، ويوم ولادة الشمس في الديانة الارية الزرادشتية.
بالأصل كان يوم ميلاد مُهرا (الشمس) وبداية الجلة لأنه اليوم الذي يبدأ فيه الجلة (الاربعينية)، لكن بوجود الآشوريين في نفس الوطن هم سموه (يلذلة ) أي الميلاد, ومنع أي تسمية زرادشتية إيرانية بعد الغزو الإٍسلامي, فأصبح ميلاداً للسيد المسيح.
والمؤرخ المسيحي الأب دانيال من قناة الحياة المسيحية نفى نفياً قاطعاً أي علاقة للسيد المسيح بعيد الميلاد وأكد أنه يوم ميلاد إله الشمس بالحرف الواحد الواضح الصريح.
يلدا (بيلندا) في الديانة اليارسانية
يعتبر ليلة 20 على 21 من كانون الأول هي أطول ليلة في السنة، تصادف أول يوم صيام عند اليارسانيين والذي يستمر لمدة (3) ثلاثة أيام، حيث أن مجدّد الدين اليارسانية (سان سهاك) هرب مع عددٍ من مريديه الى كهفٍ وإعتكفوا فيه، بعد أن حاول أقاربه وأفراد عشيرته قتله بسبب دعوته الدينية.
مجدّد الدين اليارساني بقي هو وأصحابه في الكهف بدون غذاء وماء لمدة (3) أيام ولذلك يصوم اليارسانيون (3) أيام في السنة في منتصف الشتاء الذي بالكوردية هو (چلەی زستان). اعتكاف (سان سهاك) في كهف هو إمتداد لاعتكاف واسطورة (ميثرا) في كهف وميلاده وأنّ الآريين الذين إنسلخوا من الديانة الميثرائية واعتنقوا المسيحية، جعلوا من يوم ميلاد (ميترا) يوماً لميلاد السيد المسيح, وأن التاريخ الحقيقي لميلاد المسيح هو على الأرجح 28 آذار أي بين شهري (نهاية اذار وبداية نيسان).
في الحقيقة أنّ الاحتفال بِميلاد ميترا في هذا التاريخ هو إمتداد للاحتفالات التي كان أسلاف الكورد السومريون يُقيمونها قبل أكثر من (8000) ثمانية آلاف سنة، وإبتداءاً من يوم 21 كانون الأول/ ديسمبر، تبدأ زيادة طول النهار، حيث الضياء والشمس والدفء ويقل طول الليل، حيث الظلام والبرودة، ولذلك كان السومريون يحتفلون بِبدء زيادة طول النهار ونقصان طول الليل.
ينبغي الرجوع الى اصل تاريخ حسابها واقترانات الفلكية والمناخية لاعياد بيلندا وتصحيح كل ما ترافقها من تجاوزات وانحرافات أحدثتها الظروف القاهرة على الديانة الايزيدية. وإعادة ترتيب أعيادها في اقتراناتها الفلكية, وحسب التقويم الشمسي الايزيدي الجديد, مستندا ومعتمدا على التطور والتقدم العلمي في الحسابات الفلكية حول مواقع الأرض والنجوم والكواكب .
[1]