الصراع وجدلية الفكر(الروح) والمادة
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7665 - #07-07-2023# - 22:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يستمر الجدل الفلسفي بشأن من هو الأصل ومن له الأسبقية في نشأة وتطور الكون هل هو المادة أم الوعي(الروح)؟. إن الفلسفة المثالية للأديان هي السباقة في إعطاء الاولوية الازلية الى الوعي، وكذلك الفلسفة الالمانية ورائدها الفيلسوف الالماني هيكل الذي جذبته وسحرته أعمال الفيلسوف إسبينوزا.
يعتبر فلسفة هيغل أن الوعي سابق للمادة وأعطى الارجحية لعقل الانسان، وإن هناك حقائق مطلقة في هذا الكون يعمل العقل البشري بكل من المادة والوعي ضمن علاقة مركبة بينهما على اكتشاف تلك الحقائق له الريادة في التطور الإنساني والتقدم التكنولوجي والنهوض الذي تشهده الدول والمجتمعات في عالمنا.
بينما تؤكد النظرية الماركسية على اعتبار أن المادة سابقة للوعي، وإن المادة هي من تحدد مدارك الوعي وبالتالي يتطور الفكر والوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان. وان الفكر من وجهة نظر ماركس هو انعكاس لتطور المادية الجدلية الديالكتيكية، أي المادة هي من لها الغلبة في هذا التطور، ولولاها لما شهدت البشرية كل هذا الصراع والجدل، أي أن التغير المادي هو الأكثر تأثيرا وإن التطور الفكري هو نتيجة حتمية لما وصلت اليه المادة من انتقالات تطورية، حتى وصلت الى مراحل الحضارة.
هذا الجدل بين أولوية الفكر أم المادة ربما يعيدنا بعض الشيء الى الفلسفة البيزنطية (البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة) ، بالرغم من ان الأصل كما يفترض بالمخلوقات انها كانت على هيئتها ، وان (الدجاجة) هي (الأصل) والبيضة منها، لكن آخرين يؤكدون انه لو لم تكن البيضة لما كانت الدجاجة، وهكذا بقي الصراع يحتدم، لكنه وان تم حله، فهو يمثل احد اوجه الصراع، الذي كان الطابع الذي فرض نفسه لسنوات على التحليلي الفلسفي في الاشياء وحتى في الكون نفسه.
وفي نظر فلسفة الديانة الايزيدية، إن الدور الريادي هو للفكر(الروح) المتقدم على المادة، كما يتبين بشكل واضح من النصوص الدينية للديانة والميثولوجيا الايزيدية كما النص الديني (الكون والخليقة)(زةبوونىَ مةكسور) افصح عنها الكثير، يأكد أن الخالق خالق الكون وكل ما فيها، الدرة من الهي، اضطربت الدرة من الهيبة، فلم تتحمل طاقة الدرة، لم تعد للدرة طاقة التحمل، فأزادانت وتوهجت الدرة بالالون احمرت وابيضت واصفرت.... ومن ثم انفجرت وتكونت منها الكون.
إن الأنبياء والعلماء والفلاسفة الذين أسهمت رؤاهم وفلسفتهم الى أن تصل البشرية الى كل هذا التطور، أنه لتأكيد إن الذات الانسانية (الروح)والقيم هي الأساس للتطور الانساني والمعرفي، من دون تهميش الجانب المادي ومدى إسهامه في التطور البشري، وما زال الصراع يحتدم حتى وقتنا الحاضر، وان خف كثيرا، بعد إن طغت الاعتبارات المادية على كل شيء وأصبح التطور المادي التقني التكنولوجي هو الأساس وربما يتفوق على التطور الفكري، حتى أضحى الأخير هو المرجح والسابق حتى الآن لدى التوجهات المادية
وقد نجد إن التطور التقني التكنولوجي المادي تكون لها الارجحية في السيطرة على مقدرات العقل البشري وليس على مصادرة قيمه الروحية والفلسفية ومنظومته القيمية والفكرية ورؤاه للمستقبل، حتى تراجع الصراع الفكري كثيرا لصالح الطابع المادي والتفوق العسكري المادي التقني، وأصبحت المادة للأسف الشديد هي المحرك الرئيس لكل القوى والسياسات والفلسفات والنظم.
نعم هذا توصل اليه عقل وتطور الانسان وعلومه، ولكن إن الانسان سيمر في مراحل عديدة وعندما يصل عقل الانسان الى ربط العلاقة بين الدين والعلم وبين المثالية والمنطق، عندئذ يدرك إن الوعي هي الروح الرائدة في علاقتها مع المادة، ويبقى الفكر والقيّم الروحية للإنسان له الدور الريادي والأساسي في التطور البشري.
قاسم مرزا الجندي
[1]