مفهوم الوحدة الوطنية في الدولة المستقلة
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7343 - #17-08-2022# - 02:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الوحدة الوطنية هي تعبير عن الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومدى تطبيق القانون في البلد، وهي تعبّر عن توحيد وحدة الشعب بمختلف مكوناته على اهداف وغايات مشتركة دون النظر لاعتبارات اختلاف المكونات وتنوع أصولها، وخضوع جميع المواطنين على حد سواء للقانون والعدالة والمساواة بعيدًا عن التّمييز والعنصرية المعتمدة على الأعراق والدين والطائفية.
ان مفهوم الوحدة الوطنية هي الايمان بالمصلحة العامة من قبل الدولة والقضاء على التفرقة والخلافات والأحقاد والعنف والعنصرية ... ومحاربة الدولة واجهزتها لجميع الظواهر والحالات التي تسيء الى الوحدة الوطنية, لتسود أجواء المحبة والتسامح والتعايش بين المكونات, وتوفير فرص العمل لجميع المواطنين بصورة متساوية على اعتبارات الكفاءة والخبرة والدرجة العلمية, وليست على اعتبارات عشائرية وقبلية أو تجارية معاكسة للتطور والمهنية.
توزيع الثروات الوطنية في تنفيذ المشاريع العامة بصورة متساوية في جميع مدن و مناطق الدولة, لتعزيز فكرة المواطنة والمصلحة العامة على صعيد الفرد والمجتمع, وعندما يرى المواطن ان الدولة تعمل للشعب وتصون الدستور, يشعر الفرد بأن له حقوق مصانة في وطنه ويوجد قانون يحميه ويحمي حرياته وحقوقه, وانه يجد الاحترام المتبادل والتماسك والتعاون بين ابناء الاديان ومكونات هذا الوطن دون تفرقة, من هذا المنطلق يتحرك المواطن نحو العمل والإخلاص لوطنه والدفاع عنه متى ما استدعت الضرورة.
ان نظام الحكم والدولة يجب ان تقوم بتكريس رموز وأهداف الوحدة الوطنية في جميع مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والتربوية والتعليمية والإنتاجية والصناعية والخدمية والمهنية … وفي جميع مؤسساتها والمحافظة عليها، والتوجه نحو الدولة العلمانية المدنية المبنية على اساس الديمقراطية والمساواة في تنفيذ بنود واسس تلك الديمقراطية, ويجب على الدولة ان تتابع تطبيق القانون وحماية الوحدة الوطنية من التهديدات .
إن فرض سيادة القانون الى جانب مفاهيم المحبة والتعاون بين ابناء المجتمع ومكوناته, من الأمور التي تحقق اهداف الوحدة, هي تنفيذ السياسات والقرارات المتخذة من قبل الدولة وفي الدستور من أهم الأمور التي تحقق الوحدة الوطنية، فحينما يتضمن دستور الدولة نصوصًا واضحة على الوحدة الوطنية والتأكيد على معايير النزاهة والمساواة بين المواطنين، ومساءلة من يعرض الوحدة الوطنيّة للخطر بالقول و الفعل، ان تنفيذ تلك السياسات على أرض الواقع يضمن بلا شك تحقيق الوحدة الوطنية في البلد.
على هذه الاعتبارات تولد لدى الشخص والمواطن شعوراً صادقاً نحو الانتماء الحقيقي لوطنه وأبناء شعبه، وتدفعه لأن يخلص لعمله ووطنه بصورة عادلة، نحو الغاية المثلى الوحدة الوطنية.
الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال هي من البلدان التي تنوعت فيه الأصول والأعراق المختلفة, حيث اندمجت فيها الكثير من الأعراق المتنوعة فيه, وانصهرت في بوتقة واحدة لتكون تلك الدولة القوية ، ومنذ تأسيس الولايات المتحدة وأغلب سكانها جاءوا من بلدان مختلفة ومن اصول مختلفة, ومن اعراق يمتلكون عادات وتقاليد متباينة من أوروبا وإفريقيا وأسيا ومن مختلف دول العالم، وحينما وضع الدستور الأمريكي لم يميّزوا بين أصول الأمريكيين حرصًا على الوحدة الوطنيّة بين مكوناته، وقد استطاع الدولة الامريكية وساساتها أن يرسخوا مبادىء الوحدة الوطنية الامريكية حقيقة على أرض الواقع، رغم بعض التجاوزات والخروقات التي تحدث بين فترة واخرى في بعض الولايات الامريكية.
وليس مثل ما نشاهده في واقع الشرق الاوسط عامة نسمع الكثير من عبارات الوحدة الوطنية تتردد على ألسنة السياسيين, وخاصة في دولة العراق, دون ان نجد لها تطبيقا في الواقع , ان مثل هذه الامور في التفرقة بين مختلف مكونات الشعب العراقي يهدد الوحدة الوطنية في البلد, وربما تؤدي ثانية الى تفعيل الفتن والمشاكل بين مكونات المجتمع والشعوب في البلاد. ربما دوائر استخباراتية اقليمية ودولية تتبنى وتدير مثل هذا التوجهات في هذا البلد على جميع الاصعدة.
وفي هذا الصدد نجد ان الإعلام الطائفي والتحريضي يقوم بتحريض المواطن نحو تفعيل الفتن, له مخاطره الكبيرة على الصعيد السلمي والتعايشي والنفسي والثقافي والديني والاجتماعي والسياسي لمستقبل البلد، الإساءة إلى الانسان ورموزه الدينية ليست بالحالة الجديدة في مناطق العراق كافة, دائما إنها تصدر من أناس مندسين يبحثون عن الفتن واشتعال فتيل الصراعات المحلية, وتحريض المتطرفين والمأجورين لممارسة الارهاب والقتل على الهوية وضد المكونات بحجة الدفاع عن المقدسات.
لقد برز هذا التوجه بصورة كبيرة من خلال القنوات الطائفية التي تدعوا الى التوجه نحو التفرقة والخلافات والصراعات، مما ساهمت في شحن النفوس بالبغض والكراهية، وعززت حالة من الانقسامات في البلد والاستقطاب الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الاوسط.
ان عملية غرس واثارة الخلافات التاريخية القديمة، يؤدي الى الشحن الطائفي والديني، وسيادة لغة قوة وقانون الغاب تضرب الوحدة الوطنية في الصميم, وان غياب الدولة والنظام نتيجة وجود سياسات حكومية تقوم على التمييز والإقصاء والتهميش لبعض المكونات الدينية والقومية والاجتماعية, هي التي اوصلت الامور الى الهاوية نحو انهيار الوحدة الوطنية.
كل هذه الانحرافات بحاجة إلى رصد ومتابعة ومعالجة من قبل الدولة, ومعاقبة مرتكبيها ومفتعليها ومحرضيها, التي تهدد الوحدة الوطنية بالانهيار نحو الحروب الأهلية قبل فوات الاوان.[1]