معركة الديمقراطية في سوريا
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1499 - #24-03-2006# - 11:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثمة تبدل نوعي قد حدث في سلم أولويات (المعارضة السورية) في السنوات الأخيرة، حيث قفزت (المسألة الديمقراطية) الى واجهة الاهتمامات والأولويات، بعد أن أثبتت، الحقبة السورية والعربية الماضية المليئة بالهزائم العسكرية والسياسية والثقافية، بأن الشعب المقموع والمسكون بالرعب والمنهوب اقتصادياً لا يمكن له أن يقاوم ويحرر أرضاً أو أن يبني وطناًً سليماً مزدهراً.إذ أن الاستبداد ينزع السياسية عن (المجتمع المدني) ويلغي دوره ويشل حركته وفعاليته،كما ومن شأن القمع أن يحول المواطن الى انسان مهزوم هروبي، يقوي لديه نزعة الخلاص الفردي ويضعف فيه الروح الجماعية وبالتالي يجر الى الانحطاط والظلامية و الهزيمة الوطنية الشاملة.هذه الحقيقة التي أدركتها قوى المعارضة السورية، الى جانب ظروف الاستبداد، دفعتها لتوحد صفوفها والانضواء تحت شعار (( من أجل التغيير الديمقراطي)) ضمن اتلاف سياسي سمي ب (اعلان دمشق)، ضم أطراف عربية وكردية وآشورية وشخصيات وطنية مستقلة- مثلما فرضت، في الماضي، ظروف (الاحتلال الأجنبي) على تيارات وفصائل الحركة الوطنية السورية الانضواء والعمل معاً في معركة التحرير تحت شعار ((الاستقلال الوطني))- التزاماً بنهج التغيير وفي طار (معركة الديمقراطية) نفذت قوى (اعلان دمشق) يوم التاسع من آذار الحالي اعتصاماً سلمياً حضارياً أمام (القصر العدلي) بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعون لتطبيق قانون الطوارئ في البلاد، وقد شاهد العالم شرقاً وغرباً كيف جندت سلطات الأمن السورية المئات من الطلبة البعثيين، شباباً وشابات، بعد أن ضللتهم بشعارات معينة وسلحتهم بالعصي وبثقافة التخوين لقمع الاعتصام وتفريق المعتصمين وبطريقة همجية غريبة عن التقاليد الوطنية السورية وعلى مرأى من كبار الموظفين في وزارة العدل، حيث قام هؤلاء الطلبة بضرب المعتصمين والبطش بهم، أغمي على الروائية (سمر يزبك)،ونعتهم بالخونة والعمالة لأمريكا واسرائيل، لمجرد احتجاجهم على استمرار حالة الطوارئ ومطالبتهم بشكل سلمي وحضاري بإنهاء الاستبداد والعودة بسوريا الى دولة القانون والدستور والحق والعدالة. هذا (المشهد المأساوي) أمام (القصر العدلي) يعكس من جهة، مدى خشية النظام من (المعارضة السورية) بالرغم من ضعفها وانحسارها،الخشية من أن تتحول هذه الاعتصامات الرمزية، إذا ما استمرت وتواصلت،الى(كرة الثلج) السياسية تدحرج معها الشارع السوري وتجر خلفها (المعارضة الشعبية) الصامتة الواسعة التي تتكون من الفئات المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقة في الإصلاح والتغيير الديمقراطي، ومن جهة أخرى يدلل هذا المشهد المرعب الذي يحمل في طياته تهديداً ل (السلم الأهلي)، على أن الخوف الحقيقي في سوريا لم يعد على مستقبل الديمقراطية والحياة السياسية فحسب،إذ لا ديمقراطية ولا حياة سياسية يخشى عليهما،وإنما على (الوطن) ذاته، ليس من خطر خارجي، وإن كان احتمال هذا الخطر قائماً،وإنما من (غزو داخلي)، من العقلية الأمنية المتحكمة بالبلاد والعباد صانعة الاستبداد والتي قادت الى هذا المشهد المأساوي أمام (القصر العدلي)، الخطر من هذا الإصرار على التماثل بين أمن (الوطن) وأمن النظام والنظر الى مصالح الشعب والوطن بدلالات النظام وحده لا شريك له.
على ضوء موازين القوى الحالية على الأرض، تبدو معادلة (التغيير الديمقراطي) في سوريا صعبة وربما شبه مستحيلة الى حين، إنها معركة قاسية و طويلة وقد تكون مكلفة، حيث (معارضة ضعيفة) عاجزة على (تغيير النظام) أو حتى إجباره على التحول نحو الديمقراطية الحقيقة ، يقابلها نظام قوي يرفض، حتى الآن، تداول السلطة .حيال هذه الحالة السورية المعقدة من المهم جداً أن تتنبه قوى المعارضة السورية لخطورة الوضع ودقة المرحلة وتعيد حساباتها قبل كل خطوة تتخذها و أن تقييم نتائج هذه الاعتصامات الرمزية الهزيلة والبحث عن آليات عمل جديدة وجدية أكثر فعالة ومناسبة للحالة السورية تمكنها من تحريك المعارضة الصامتة بشكل سلمي وهادئ لتجنيب الوطن مخاطر الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه.وعدم الانخداع بتحليلات وقراءات البعض هنا وهناك، خاصة تلك التي صرح بها المراقب العام لجماعة (الإخوان المسلمين) علي صدر الدين البيانوني في بروكسيل((نعتقد أن هذا النظام استوفى الآن جميع أسباب الانهيار)) أو قول خدام، المنشق عن النظام، (( سوريا على أبواب ثورة شعبية تطيح بنظام بشار الأسد))، هذه التصريحات جاءت في أعقاب اجتماعاتهم مع بعض فصائل المعارضة المقيمة في الخارج وإعلانهم قيام((جبهة الخلاص الوطني من أجل تغيير النظام السوري)).ف (النظام السوري)، وكما يبدو، مازال قوياً ومتماسكاً بالرغم من كل الهزات والضغوطات التي تعرض ويتعرض لها، ومن المؤكد أنه لن يرضخ للابتزازات، الداخلية أو الخارجية، وبالتالي لن يقدم سوريا هدية لأية جهة أو قوى تريد انتزاع السلطة منه.أن الخروج من هذا المأزق أو بالأحرى من النفق الذي أدخلنا فيه الاستبداد وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الى الفوضى وتكرار المشهد العراقي الأليم في سوريا، هي مسؤولية كل من النظام والمعارضة معاً. لا شك،أنها مسؤولية النظام بالدرجة الأولى لأنه يملك مفاتيح الحل، إذا ما توفرت لديه ارادة ورغبة حقيقة في الإصلاح، تترجم بقرارات جريئة وخطوات عملية وسريعة يتخذها، في مقدمتها الغاء (المادة الثامنة) من الدستور وتحديد ولاية الرئيس بدورتين وتقصير مدتها لخمس سنوات، واجراء انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية ووضع قانون انتخابات جديد وديمقراطي لمجلس الشعب يضمن تكافؤ الفرص والتمثيل العادل للجميع.
[1]