فوبيا التغيير في سوريا
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1233 - #19-06-2005# - 05:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يموج المجتمع السوري، بحراك سياسي لم يشهده منذ عقود طويلة، حيث لا يكاد يمر يوماً ،إلا وهناك ندوة أو ملتقى للحوار أو بيان أو تصريح أو عريضة صادرة عن التيارات والمجموعات السياسية السورية المعارضة، من عربية وآشورية وكردية، أو من لجان ومنظمات المجتمع المدني والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، على امتداد الوطن السوري وخارجه، تطالب النظام بضرورة الإسراع في الإصلاحات السياسية وتحذر من مخاطر استمرار النظام في الاستجابة للضغوطات الخارجية وتجاهل نداءات المعارضة الوطنية ومطالب الشعب السوري المتمحورة حول، الديمقراطية والحريات السياسية وتداول السلطة ومكافحة الفساد المالي والإداري وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب السوري، الذي لم يعد ينشغل بالحديث عن أهمية وضرورات التغير في سوريا، وإنما ما يبحث عنه ويناقشه في هذه الأيام هو آليات التغير وطرائق تحقيقه سلمياً، ومن غير أن تتعرض البلاد لمكروه. وفي اروقة (المعارضة السورية)، في الداخل والخارج، يدور جدالاً حامياً حول أهمية دور (العنصر الخارجي) في إحداث التغييرات والإصلاحات التي تطمح بها وتعمل لأجلها. لا شك، أنها تؤكد باستمرار رفضها لكل أشكال الاستقواء بالخارج والتمويل الخارجي لها، بالرغم من يأسها من النظام ومن ضعفها وعجزها عن تحريك الرأي العام السوري باتجاه مطالبها، لكنني لا أعتقد بان (المعارضة السورية) ستبقى على ثبات موقفها من مسالة، علاقة الداخل بالخارج، إذا ما استمر النظام في محاصرتها والتضييق عليها، واليوم هناك شبه اجماع لدى المعارضة السورية، في الداخل والخارج، على ضرورة الاستفادة من هذا المناخ الإقليمي والدولي المناسب والضاغط على المنطقة باتجاه التحول نحو الديمقراطية.
من يقرأ ويتتبع ما تكتبه الصحافة الغربية، وما تتناقله بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية، حول الشأن السياسي السوري وتحرك الإدارة الأمريكية باتجاه( تغيير النظام) في سوريا- بدءاً من قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنان، وما كتبه الفرنسي( جون بول ماري) في 22ابريل الماضي في جريدة(لونوفيل أوبسرفاتور) الفرنسية تحت عنوان( سقوط إمبراطورية الأسد)، و قبل اسابيع صدر في أمريكا كتاب بعنوان ( وراثة سوريا: دفع بشار الى خط النار) ل( فلينت ليفريت)... وقرار الإدارة الأمريكية الأخير بتمويل المعارضة السورية- تبدو له سوريا وكأنها على أبواب مرحلة سياسية جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات، تبدأ بسقوط نظامها السياسي. لكن من يذهب للعاصمة السورية(دمشق) ويسمع المسئولين السورين والإعلام السوري الرسمي، خاصة فترة وبعد انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم الذي مدد ولاية البعث في الحكم حتى إشعار آخر، يبدو له وببساطة شديدة أن (النظام السوري)، غير معني مطلقاً، بكل هذه المعمعة والجعجعة السياسية التي تثار حول امكانية استمراره وبقائه بعد العاصفة التي أثارتها جريمة اغتيال الحريري والانسحاب القسري للجيش السوري من لبنان الذي أفقد سوريا أخر أوراقها الإقليمية. فهل هذا التجاهل من قبل النظام لما يشاع عنه، هو دليل قوة وثقة بقدرته على الصمود في وجه العاصفة...أم أن هذا التجاهل، يعكس عجز النظام عن تدارك مصيره وقراءته الخاطئة لما هو جديد في الإستراتيجية الأمريكية و في توجهات السياسة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وأحداث أيلول 2001 ؟؟؟.
نظراً لطبيعة وخصوصية (النظام السياسي) السوري المنغلق على نفسه والمركزية المطلقة في ادارة البلاد واتخاذ القرارات السياسية، من الصعب جداً على أي محلل أو مراقب ومهتم بالشأن السوري،الإجابة على مثل هذه الأسئلة الكبيرة. لكن ما من شك، بأن (النظام السوري) قد ضعف في السنوات الأخيرة وهو لم يعد قوياً كما كان في أيام الرئيس الراحل(حافظ الأسد) مؤسس هذا النظام، ولما كان يمثله من شخصية كاريزمية الى حد ما، فبرحيل الأسد، الأب، خسر النظام السوري أحد أهم أسباب قوته، خاصة وان رحيل الأسد أتى في ظل نظام عالمي جديد ومغاير في توجهاته و في شروط وظروف تأسيسه. ومهما حاول النظام تجاهل حجم المخاطر المحدقة بسوريا والظهور بمظهر القوي الذي لا ينحني للعاصفة، لا يستطيع أن يخفي مشاعر القلق والإحباط التي تسيطر على الشارع السوري هذه الأيام، بفعل الخطر الذي يتحسسونه ويهدد وطنهم، أنه خوف مركب أو مزدوج، مصدره الأول: الخارج القوي الضاغط ، خاصة من الثور الأمريكي الهائج المجروح في العراق، والثاني: الداخل الضعيف والهش، نظاماً ومجتمعاً، إذ لا يمكن أن يتواجد نظام سياسي قوي من غير بنية سياسية وفكرية و اجتماعية متكاملة ومتماسكة ومن غير قاعدة اقتصادية قوية. فلم يعد خافياً على أحد، بأن المجتمع السوري، لم يعد، كما كان، محصناً متماسكاً، حيث تعمقت فيه الانقسامات العمودية واختلت المعايير والولاءات الوطنية لصالح الانتماءات الطائفية والفئوية والجيهوية والقبلية والإثنية، التي نمت في ظل مناخات سياسية واجتماعية وثقافية واخلاقية غير صحية ولا ديمقراطية عاشها المجتمع السوري طيلة الحقبة الماضية. وقد بدا واضحاً أن حالة الاستقرار والهدوء التي اتصف بها المجتمع السوري طيلة العقود الماضية، لم تكن سوى حالة ركود وكساد قسرية، بسبب الخوف من النظام الشمولي القابض على كل مفاصل الحياة السورية، وقد جاءت الظروف والتطورات الإقليمية والدولية الأخيرة، لتحرك المياه الآسنة في المجتمع السوري، الذي شهد في السنوات الأخيرة حوادث عنف واضطرابات، تشير الى حصول تراجع خطير ومخيف في مسار الحياة الوطنية السورية، كما هناك خشية حقيقة من حصول اسطفافات واستقطابات على اسس أثنية وطائفية مذهبية وجهوية- هذا إذا لم تكن قد بدأت فعلاً- ومن أن تصبح هذه التكوينات المحرك الأساسي للحياة السياسية والاجتماعية في سوريا، وتتحول الى كيانات سياسية معزولة في المجتمع السوري، يصعب حينها تجاوزها والقفز فوقها، كما هو حال المجتمع اللبناني وكما هو حاصل اليوم في المجتمع العراقي، الذي لا يختلف كثيراً، في بنيته وتركيبته، عن المجتمع السوري.
في خضم هذه الأوضاع،المحلية والإقليمية والدولية،الضاغطة والتي تفرض جملة من التحديات والاستحقاقات على سوريا ونظامها السياسي، يأتي انعقد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم، لكن بكل أسف ما خرج به المؤتمر من نتائج وتوصيات وقرارات لم تكن بمستوى مواجهة التحديات والتصدي للمخاطر الجسيمة المحدقة بالوطن ولم تزيل أو تخفف من مخاوف(فوبيا) السوريين من التغيير القادم، ولم تبعث الأمل والطمأنينة في نفوسهم..؟.
فهي لن تكون أكثر من اجراءات وتغيرات شكلية في مجال الإدارة والاقتصاد وتوصيات باصلاحات محدودة، لا تمس جوهر النظام وسلطة البعث، فقد بقيت معظم قرارات وتوجهات مؤتمر البعث، اسيرة عقدة استمرار النظام وبقاء البعث في الحكم،قائداً للدولة والمجتمع. طبعاً من غير الوارد قطعاً، أن يقوم نظام البعث بانقلاب على نفسه، خاصة في غياب تيار ديمقراطي اصلاحي حقيقي فاعل داخل البعث يؤمن بالديمقراطية ويعمل لأجلها، كخيار سياسي وآلية لتداول السلطة، فوجود مثل هذا التيار الديمقراطي البعثي، أجده شرطاً ضرورياً ولازماً، لحدوث أي تحول ديمقراطي حقيقي سلمي وهادئ في سوريا في هذه المرحلة.
لا شك، أن القوى الرافضة للتغير والمستفيدة من الوضع القائم في سوريا، تعمل على تغذية مخاوف(فوبيا) السوريين من التغيير، مخاوف السلطة والشعب معاً، من خلال الترويج لمقولات: (غياب البديل المناسب، استيقاظ القوى الاسلامية النائمة في المجتمع، ضعف قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية المدنية، هناك مؤامرة تستهدف وحدة البلاد وأمنها واستقرارها).
سليمان يوسف يوسف
كاتب سوري آشوري...
عضو مكتب سياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية..سوريا
[1]