الحركة الكردية السورية بين السلطة والمعارضة
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 891 - #11-07-2004# - 08:37
المحور: القضية الكردية
تضم اليوم(الحركة الكردية السورية)- التي بدأت بحزباً واحداً قبل حوالي نصف قرن هو (الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا- البارتي)، كان ذلك في 14 حزيران من عام 1957م ومن أبرز مؤ سيسه السيد (عبد الحميد حاج درويش)، وهو اليوم السكرتير العام لحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا- أكثر من عشرة فصيل كردي، وهو يفوق عدد الاحزاب الموجودة في أكبر الدول الأوربية وأكثرها ديمقراطية، مع هذا فهي لا تشكل أكثر من 10% من الأكراد السوريين، كما صرح بذلك أحد قادة اقدم هذه الأحزاب. بطبيعة الحال أن هذه التعددية،التنظيمية والسياسية، المفرطة على الساحة الكردية هي ظاهرة غير صحية،إذ هي وليدة انقسامات انشطارية متتالية في الحركة الكردية، تعكس مدى هيمنة الذهنية العشائرية على العقل السياسي الكردي وغياب الثقافة الديمقراطية داخل الاحزاب الكردية.
باعتراف العديد من قادة ومسئولي الأحزاب الكردية والآشورية السورية: ان عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، اتسم بالانفراج النسبي في حياة القوميات الغير عربية. طبعا هذا الانفراج لم يأت في سياق حدوث تحول نوعي باتجاه الحريات السياسية والديمقراطية وحقوق القوميات في سوريا، وإنما كانت الغاية منه ابعاد احزاب الأقليات، عن قوى المعارضة السورية، خاصة لا طموح سياسي لدى أحزاب الأقليات في السلطة، ففي الوقت الذي كانت الدولة تغض النظر عن نشاط الاحزاب الكردية والآشورية، كان الناشطين في احزاب المعارضة عرضاً للملاحقة والاعتقال.
من المهم أن نشير هنا الى أن موقف (المعارضة العربية) في سوريا، حتى قبل سنوات قليلة، لم يكن يختلف كثيراً عن موقف السلطة وحزب البعث الحاكم، من قضية القوميات، فمعظم الأحزاب العربية(جبهة ومعارضة)- مع بعض الاستثناءات- كانت ترى في طرح وإثارة (مسألة الأقليات) وحقوقها في سوريا، موضوعاً خطيراً يرتبط بجهات خارجية، من شأنه زعزعة الاستقرار وتهديد وحدة البلاد.لكن بعد فشل حركة (الإخوان المسلمين) في الثمانينات من القرن الماضي، وتحت ضغط التطورات السياسية والفكرية التي حصلت في المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة،وتراجع المشروع القومي العربي وانحسار قوى المعارضة السورية وعجزها عن التأثير على النظام، بدأت هي الأخرى(قوى المعارضة) تنهج نهج السلطة ذاتها حيال أحزاب القوميات الغير عربية، بغية احداث تغيير ما في المعادلة السياسية الداخلية لصالحها، ولأجل هذا تبنت احزاب المعارضة، بتياراتها القومية واليسارية والإسلامية، بعض مطالب الأقليات، وباشرت بفتح قنوات للحوار مع الأحزاب ال( الكردية والآشورية)، للبحث عن صيغ مناسبة للتحالف والعمل المشترك معها، خاصة مع (الحركة الكردية) الأكثر تنظيماً وجماهيرية. وقد شكل ظهور أحزاب كردية راديكالية- خرجت بموضة الاعتصامات- حافزاً اضافياً للمعارضة لتطوير علاقتها مع الحركة الكردية، حتى ارتقت الى مستوى اصدار بيانات وتنظيم اعتصامات سلمية مشتركة، وعقد حوارات وطاولات مستديرة حول المسالة الكردية في سوريا،ومن الطبيعي ان لا ترتاح السلطة لهذا التقارب بين أحزاب الحركة الكردية والمعارضة السورية.
لقد جاءت أحداث آذار، لتسلط الضوء على واقع الأقليات في سوريا بشكل عام، وعلى الواقع الكردي بشكل خاص، لكن بالمقابل كان لهذه الأحداث أثار وتداعيات سلبية على صعيد علاقة (الحركة الكردية) مع جميع القوى الوطنية والأحزاب السياسية في سوريا،( سلطة وجبهة ومعارضة)، بسبب ما رافق هذه الأحداث من اعمال تخريب وممارسات سياسية خاطئة، أساءت للوطن، من قبل جمهور كردي متطرف غاضب.لقد وجدت (الحركة الكردية) نفسها فجأة، بين مطرقة السلطة وسندان الشارع الكردي الذي زاد تطرفاً بعد الأحداث،مما خلق لديها حالة من الارتباك والتخبط السياسي، دفعت ببعض القيادات الكردية للبحث عن اقنية توصلها الى الرئيس (بشار الاسد) لشرح موقفها مما جرى، وقد توجت المساعي الكردية باللقاء مع وزير الدفاع مصطفى طلاس- قبل تقاعده- الذي وعدهم بنقل طلبهم للرئيس واكد لهم بان ملف المحرومين من الجنسية هو على نار حامية، وخرج الوفد الكردي بانطباع جيد من هذه اللقاء واعتبروه مؤشراً ايجابياً على بدء تحسن العلاقة مع السلطة.وجاء حديث الرئيس بشار الاسد، الايجابي عن الأكراد السوريين، لفضائية الجزيرة، ليعزز هذا الشعور الكردي ويدفع ببعض التيارات الكردية لطرح من جديد خيار العلاقة مع السلطة القوية، والابتعاد عن المعارضة الضعيفة،لكن سرعان ما تبخر التفاؤل الكردي وانقلبت الحسابات، بعد أن ابلغت السلطات السورية في نهاية شهر أيار الماضي، الاحزاب الكردية بحظر نشاطها السياسي والحزبي في سوريا،بموجب قرار اتخذته (القيادة القطرية) لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.
وبسبب ما أثارته الشعارات الكردية المتطرفة من شكوك، حول النهج الوطني للحركة الكردية، بات موقفها محرجاً امام مختلف القوى الوطنية، التي طالبتها بمراجعة خطابها القومي، الذي بدا خطاباً قومياً(كردستانياً) الانتماء والهوية، ليكون أكثر شفافية ووضوحاً مع القضايا الوطنية، وتخليصه من نزعته الكردستانية.ولم تخف القوى الوطنية، تحفظها ورفضها لمقولة (كردستان سوريا)، التي تتعارض مع الحقائق الموضوعية والتاريخية لسوريا، وتنسف الثوابت الوطنية للشعب السوري ،فهي(المعارضة) تؤكد دوماً في بياناتها، على أن (المشكلة الكردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز)، مما يعني أنها ترفض القبول بها والتعامل معها على اساس( قومية كردستانية). وقد رفض بشدة وفد المنظمات الأهلية، الذي ضم شخصيات من المعارضة السورية، اضافة كلمة (قومية) الى جانب (القضية الكردية في سوريا) في البيان المشترك الذي صدر للرأي العام في ختام جولته الى الجزيرة في أعقاب أحداث آذار.وقد أكد الاستاذ (رياض الترك) أحد أهم أقطاب المعارضة السورية، في اكثر من مناسبة انه لا يريد أن يحاور كردياً يحمل معه خارطة كردستان. وفي لقاء مع السيد (يوسف فيصل) الأمين العام للحزب الشيوعي السوري، وهو أحد الأحزاب الرئيسية في (الجبهة الوطنية التقدمية) التي يقودها حزب البعث الحاكم قال: ((لا يوجد مشكلة قوميات، أو (مشكلة كردية) في سورية.... نرفض بشكل مطلق (شعار كردستان)سوريا، القضية بالنسبة لنا هي قضية حقوق ثقافية وحقوق مواطنة كاملة لجميع أبناء القوميات من اكراد وآشوريين/سريان, وأرمن وغيرهم... ومنح الجنسية السورية لكل من يستحقها)).
في لقاء تم في مكتب المحامي (حسن عبد العظيم) الناطق الرسمي باسم المعارضة السورية سألته: أين تضع الحركة الكردية،على الخريطة السياسية السورية؟ أجاب: ((بطبيعة الحال هي الى جانب المعارضة الوطنية لأن للأكراد حقوقاً خاصة بهم لم يحصلوا عليها بعد، فمن الطبيعي ان يقفوا الى جانب المعارضة والعمل معها من اجل الحصول على هذه الحقوق، وكذلك من اجل حقوق وطنية عامة تخص معظم الشعب السوري، على الجميع من عرب وأكراد وآشوريين وغيرهم، ان يعملوا معاً لتحقيها. لكن في ذات الوقت لا نجد مانعاً من أن يحاور الاكراد السلطة من اجل حل مشاكل راهنة يعانون منها، مثل التجنيس، والسلطة قادرة اذا رغبت على حل هذه المشاكل،فنحن لا نشترط على الأكراد، ولا على غيرهم أن يقاطعوا السلطة، لأننا نحن أيضاً كمعارضة وطنية نطالب النظام بفتح الحوار معنا)).
نظراً لطبيعة (الحركة الكردية)،التي تضم خليط قومي غير متجانس، ثقافياً وفكرياً وسياسياً- وهي سمة تتميز بها غالبية الحركات القومية- وتداخل هذه الخصوصية مع عوامل موضوعية أخرى، تتعلق بتركيبة وبنية كل من السلطة والمعارضة معاً، من الصعب جداً أن تحسم (الحركة الكردية) خياراتها السياسية، إذ ستبقى تتأرجح يميناً ويساراً، بين السلطة والمعارضة،عين على سلطة قوية ترفض وجود مشكلة كردية، وأخرى على معارضة تقر بهذه المشكلة لكنها أضعف من أن تقدم حلولاً لها.وحتى لا تندفع (المعارضة الكردية) كلياً باتجاه (المعارضة العربية) ولقطع الطريق أمام أي صيغة ممكنة للتحالف بينهما، من المستبعد جداً أن تقدم السلطات السورية، في هذا الظرف السياسي الإقليمي والدولي الصعب، على إلغاء الأحزاب الكردية أو فرض حظر كلي عليها، وستبقى خيارات السلطة، هي سياسة (الاحتواء المزدوج) لكل من الحركة الكردية والمعارضة المحظورة معاً.
سليمان يوسف يوسف..... كاتب آشوري سوري.... مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org
[1]