من يروج لفكر محظور في سوريا
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 1223 - #09-06-2005# - 13:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بتهمة(الترويج لأفكار جماعة الاخوان المسلمين المحظورة، خلافاً للأنظمة والقوانين المعمول بها في سوريا) اعتقلت سلطات الأمن السورية فجر يوم#24-05-2005# جميع أعضاء مجلس ادارة (منتدى الاتاسي للحوار الديمقراطي، أفرج عنهم بعد ايام،)-وهو المنبر العلني الوحيد الذي غضت السلطة النظر عنه وبقي من منتديات ربيع دمشق الموءود- على خلفية قراءة كلمة الأخوان المسلمين في ندوة أقامها المنتدى بتاريخ #07-05-2005# وحضرتها مختلف تيارات الطيف السياسي السوري المعارض، عربية آشورية كردية، وعضو مجلس الشعب(عبيد الناصر) ممثلاً لحزب البعث الحاكم، وقبلها اعتقل الناشط والكاتب(علي العبدالله) الذي قرأ كلمة الأخوان بالنيابة عن صدر الدين البيانوني، المرشد العام للاخوان المسلمين السوريين والمقيم في منفاه في لندن.
لا شك، أننا ندرك حساسية النظام في سوريا، تجاه (حركة الأخوان المسلمين ) التي قاتلت النظام وقامت باعمال عنف وقتل ومارست الإرهاب في سوريا، في بداية الثمانينات من القرن الماضي، لكن القضية وكما أعتقد، هي ليست مجرد (الترويج لأفكار جماعة محظورة ). إذ هناك اليوم في سوريا أكثر من نشاط ومساحة ودائرة وبؤرة، اجتماعية وسياسية وثقافية واعلامية ودينية، وبعضها تشرف عليها وتديرها مؤسسات وجهات حكومية ورسمية، تروج، (لفكر الأخوان المسلمين) ولخاطبهم الإسلامي الأصولي،بقصد أو من غير قصد، بدءاً من الدستور السوري مروراً بمناهج التعليم المدرسي والجامعي والدروس الدينية في التلفزيون (دراسات قرآنية) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ومعاهد( تحفيظ القرآن) وخطب بعض أأمة المساجد.وقد نشرت جريدة (ايلاف) الإلكترونية، قبل أيام، نتائج مسح احصائي اجري في سوريا مؤخراً- ويقال أنه تم بناء على طلب الرئيس بشار الاسد- تختص بالحزب الحاكم( البعث) في اطار عملية مسح تقويمي، تركزت بيانات المسح على مسائل مهمة تتعلق بانتماءات عناصر الحزب الدينية والطائفية، وما إذا كانوا يؤدون الصلاة في بيوتهم أم أنهم يذهبون الى المساجد، جاءت النتيجة 77% من البعثيين يؤدون الصوم والصلاة، و53% يذهبون الى المساجد بشكل منتظم.هذه النتائج، تشير الى مدى تعشعش الفكر الإسلامي الأصولي، ليس في قاع المجتمع الإسلامي السوري، وإنما في اعشاء حزب البعث ذاته، الذي يسترشد بالماركسية ويدعي العلمانية والتحرر من التدين ومن كل العصبيات الأخرى،بعد ستون عاماً من التأسيس وأكثر من أربعون عاماً في الحكم، فمن المسؤول، عن انتشار وتعميم الفكر الإسلامي الأصولي الذي يشكل الحاضنة الأساسية للإرهاب والتطرف الإسلامي، و عن هذه النتيجة المخيفة والخطرة على المستقبل السياسي لسوريا؟ وهي ليست مفاجئة لنا بالطبع؟ ومن المسؤول عن انحسار الثقافية الديمقراطية وتراجع مفاهيم وقيم المجتمع المدني، ونمو العصبيات والانتماءات البدائية ، من قبلية وطائفية وإثنية ومذهبية وغيرها، في المجتمع السوري؟.أليست كل هذه المنابر والبؤر والمؤسسات الإسلامية التي وفرها النظام وحزب البعث وسياسة إقصاء الأخر وانتزاع السياسة عن المجتمع، و إغلاق جميع المنتديات والمنابر الثقافية والسياسية الحرة في البلاد التي تدعو للحريات واحترام حقوق الإنسان ونشر ثقافة الديمقراطية، بهدف احتواء المؤسسات الدينية واستقطاب الرموز الدينية من أجل توليد خطاب ديني اسلامي رسمي يبقي السلطة في دائرة المشروعية الدينية، طبعاً، من غير أن تهمها المشروعية الديمقراطية، لكن انقلب السحر على الساحر، وجرت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ بات اليوم،البعث والنظام والمجتمع السوري جميعاً، محاصرون بفكر (أخواني أصولي إسلامي) متطرف نائم ينتظر الفرصة المناسبة ليخرج من قمقمه.
وإذا كان المقصود بالمحظور من فكر (جماعة الأخوان) هو دعوتهم الى العنف الذي قاموا به ومارسوه في الثمانينات من القرن الماضي، كنت ممن حضروا الندوة واستمعوا لكلمة الأخوان فلم أجد فيها ما يدعو الى استخدام العنف والإرهاب المحظور والممنوع والمرفوض، وقد أكدت كلمة الاخوان على تبنيهم للخيار الديمقراطي السلمي في تحقيق برنامجهم السياسي وقبولهم بالآخر تحت سقف الوطن واحتكامهم لصناديق الانتخابات.
ونشير هنا الى مسالة هي في غاية الأهمية في هذه القضية ، وهي ان جميع المعتقلين على خلفية هذه التهمة هم من منبت يساري(قوميين عرب وشيوعيين) وخريجي المدرسة الماركسية، أشد أعداء الفكر الإسلامي المتطرف، وقد عبرت زوجة المعتقل،الأستاذ حسين العوادات، عن سخطها الشديد واستهجانها لاعتقال زوجها بهذه التهمة الباطلة والمفتعلة، فقد قالت، وهي تشير الى لباسها الصيفي المدني القصير - لمجموعة الضباط الذين أتوا الى مكان الاعتصام يطلبونا من المحتشدين الانسحاب والتفرق طيباً، قبل ان يجبروهم على ذلك كرهاً وبالقوة ، وهذا ما حصل فعلاً:(( أنظروا لي كيف لابسة وأنا في هذا السن... وأضافت: فصل زوجي من حزب البعث بسبب أفكاره اليسارية والعلمانية، فهل يعقل أن يكون من الأخوان المسلمين)).ثم دعونا نسأل: هل معتقلي ربيع دمشق، العشرة،الذين اعتقلوا في خريف 2001، ومازال ستة منهم في السجن، كانوا من مروجي لفكر جماعة أو حزب محظور ..؟. طبعاً الجواب هو لا..إذاً، القضية ليست كما قيل ( الترويج لفكر محظور)، بقدر ما هي كبح جديد للحراك السياسي وترهيب آخر لناشطي هذا الحراك الذي بدا ينمو وينبت ربيعاً سياسياً جديداً في سوريا.فقد جاءت حملة الاعتقالات هذه، وقبلها اعتقال محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عشية انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم والمقرر انعقاده في السادس من شهر حزيران القادم لتضليل الراي العام السوري وابعاده عن قضية الإصلاحات والتغييرات الديمقراطية المطلوبة والمنتظرة من هذا المؤتمر، مع اقتراب ساعة الحقيقة التي سيكتشف السوريين الإفلاس السياسي والفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم ، الذي قيل الكثير عن مؤتمره القادم، ومن أعلى المستويات القيادية، بانه سيكون تاريخي مفصلي ومنعطف كبير، بما يتمخض عنه من قفزة كبيرة ونتائج وقرارات هامة في مرحلة مصيرية من تاريخ سوريا السياسي، حتى أصيب(المؤتمر) بالتضخم و(الورم)السياسي والفكري من جراء هذه التضخيم والمبالغة.
كما أن هذه (الاعتقالات) تحمل أكثر من رسالة وإلى أكثر من جهة، داخلية وخارجية، ، رسالة رد على (النداء الوطني) الذي صدر عن الأخوان المسلمين في الخامس من شهر نيسان الماضي والذي طالبوا فيه النظام بعقد (مؤتمر وطني) شامل لإنقاذ البلاد وقد أمهلوه ثلاثة اشهر، كما أنها رسالة تحذير وترهيب الى جميع قوى المعارضة السورية، في الداخل، التي تطالب النظام بالغاء قانون 49 ،الذي يقضي بعقوبة الإعدام على كل من ينتمي لحركة الأخوان المسلمين في سوريا ، ورسالة الى كل من يحاول فتح أقنية حوار وتواصل وتعاون مع الأخوان المسلمين والمعارضة مع الخارج عامة، كما انها(الاعتقالات) رسالة الى الخارج الضاغط، بأنه (النظام) ما زال قوياً وثابتاً على مواقفه السياسية، وهو غير مهتم بالضغوط التي تمارس عليه وبما يقال ويروج عنه في الصحافة العربية والعالمية من أنه بات نظاماً هشاً وضعيفاً.
لا جدال، على أن النظام في سوريا مازال قوياً ومتماسكاً، لكن هذه الاعتقالات، كغيرها من الاعتقالات السياسية الأخرى، تعكس،بشكل أو بأخر، حالة الارتباك التي يعيشها النظام، ومدى خشيته، من العمل السياسي والديمقراطي المعارض، أو بتعبير آخر، تعكس مخاوف( فوبيا) النظام من التغيير السياسي المحتمل في سوريا.ولا خلاف، على أن حجم المشاركة الجماهيرية في الاعتصامات التي تدعو اليها المعارضة ما زال محدوداً ومتواضعاً وهو يعكس ضعف المعارضة ومخاوف السوريين، وربما يأسهم، من العمل السياسي المعارض وعدم قدرتهم واستعدادهم لتحمل أعباءه الجسيمة، لكن حجم مشاركة السوريين في الاعتصامات مرشحة للتزايد والاتساع،كماً ونوعاً، مع تراجع عامل الخوف، وارتفاع أصوات المعارضين وازدياد عددهم على امتداد الوطن وباشكال وصور متعددة.فقد شاهدت أبناء وبنات ونساء المعتقلين العزل ومعهم الناشطين في مجال حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني،كيف يصرخون في وجه رجال الأمن والشرطة متحدين قمعهم وسلطتهم أثناء اعتصامهم في حديقة المدفع بدمشق أمام الجماهير المذهولة التي راقبت المشهد الدرامي من على الشرفات والأسطح..
لهذا، وكما اعتقد، أن السلطات السورية، أخطأت التقدير وقراءة المرحلة ومتطلباتها، واضافت خطأ جديدا في سلسلة أخطاء، سياستها الداخلية والخارجية، باقدامها على الاعتقالات التعسفية والغير قانونية، وانتهاك حرمة منازلهم، وحرمة غرف النوم لبعضهم، حيث دهمت ببيوتهم فجراً وهم نيام، وهذا ما صرحت به زيجات بعض المعتقلين، في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا، حيث عيون العالم متجهة الى الداخل السوري، وامريكا ذاهبة باتجاه التصعيد مع النظام، وأوربا تشترط تحسين وضع حقوق الإنسان والحريات السياسية والديمقراطية لتوقيع اتفاقية الشراكة الأوربية مع سوريا، ومن دون شك، ستزيد هذه الاعتقالات من حالة الاحتقان والتململ في الشارع السوري المحتقن والمتذمر أصلاً من الوضع السياسي والاقتصادي والفساد المستشري في البلاد. فكلما توسعت دائرة الاعتقالات اتسعت مساحة الاحتجاجات والاعتصامات في المجتمع ويزيد الشرخ والانفصام بين السلطة والمجتمع، وقد تضطر المعارضة في الداخل، تحت ضغط وتعنت السلطة، الى إجراء تغيير وتحول في مواقفها وشعاراتها السياسية وآليات عملها في المرحلة القادمة ، في وقت أحوج ما تكون سوريا اليه هو المصالحة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر المحدقة بسوريا، وهذا لن يتحقق ما لم تتجاوز السلطة في حساباتها وسياستها، مسالة استمرار النظام وبقاءه، والمبادرة الى فتح حوار مع جميع قوى المعارضة الوطنية، في الداخل والخارج، للتشاور معها والبحث عن سبل إخراج البلاد من محنتها، ورفع الغبن عن القوميات الغير عربية، من كردية وآشورية وغيرهم،والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من السجون والتعويض للمتضررين منهم، ورفع حالة الطوارئ واطلاق الحريات السياسية والإعلامية والفكرية في البلاد، ووضع دستور جديد ينهي احتكار حزب البعث والنظام للسلطة والثروة في البلاد.
[1]