الجيل الكوردستاني المغبون
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6296 - #20-07-2019# - 14:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السؤال هو اي جيل محظوظ و لماذا و ايهم هو المغبون و ما السبب في غبنه؟ هل الظروف الموضوعية هي التي تحدد ما يكون عليه اي جيل بعيدا عن الذاتية و طبيعة الفرد و خصوصياته و نظرته الى الحياة؟ هل التاريخ و الجغرافيا و ما يحويانها من مسارات سياسية و اقتصادية و ثقافية هي من اهم عوامل الوضع المعيشي لجيل معين ام لا علاقة لحياة الفرد اوالجيل بشكل كامل بما يتسم به الزمان الذي يولد و يترعرع فيه؟ هل القدر له الدور الاكبر سواء يولد في عائلة معينة بخصائصها و امكانياتها و طبيعتها و ظروفها و ما تحويه و تتسم به من طبيعة المعيشة التي تعتمدها، ام لكل زمان خصوصياته التي تحدد مسار كل جيل بعيدا عن اي مسبب عائلي؟
الطبيعة و الشكل و الثقافة العامة للشعب و من ثم وسطه الصغير العائلة و المدينة و الحي و الشارع لهم الدور الكبير في كيفية تمتع فرد باخلاق وسلوك معين يتاثر بما هو الموجود فيه من الوسط. هنا يمكن ان نذكر بانه لا يمكن ان يعيش جيل شرقي مشابها لاخر غربي مهما كانت عقليته غربية و العكس صحيح ايضا، و هذه حقيقة نلمسها بشكل واضح و جلي على الرغم من توفر مستلزمات تشضابه المعيشة.
لو مررنا بسرعة و تمعنا بظروف معيشة الاجيال سواء التي عايشناها او التي احتككنا بها خلال حياتنا في المنطقة بشكل عام و كوردستان بشكل خاص، اننا نستخلص الى ان الكورد و نتيجة لظروفهم الاكثر خصوصية و معقدة بشكل كبيرفيستوضح بانه متاثر سياسيا اكثر من العوامل الاخرى مقارنة مع الاخرين في منطقته من جهة و في مناطق و دول اخرى من جهة ثانية ايضا. الاحساس بالغبن و النقص لجيل كامل و بشكل عام له دور كبير في كيفية معيشة الجيل و طبيعته و علاقاته و مسيرته في الحياة. شاهدنا تضحيات والتزامات اخلاقية و فكرية وفلسفية خاصة بالكورد خلال الاجيال السابقة التي لا يمكن ان تكون لها مثيل في اية بقعة اخرى نتيجة مسار معيشة العائلة و ما تمتعت بها من الاخلاقيات و تاثرهم بالثقافة العامة و الظروف السياسية التي تاثرت بها اكثر العوائل و الافراد الكوردستانية بشكل مطلق و لم يكن بنسبة معينة و درجة يمكن ان نحدد مساحتها و ارتباطها بالتغييرات المختلفة التي شهدتها الحياة في كل مرحلة.
جيل الثورات التي لم يعيشوا لانفسهم و لكنهم ولدوا ليكونوا وقودا و ليس لهم حياة خاصة و اختلف مسار حياتهم من سنة لاخرى وليس لعقد او عقدين حتى، و هذا دون ارادتهم، فانهم كبروا في خضم الصراعات و الثورات والحروب المفروضة على موطنهم و شعبهم دون ارادتهم اوحريتهم ايضا، انهم التزموا و اعتنقوا مباديء و افكار وفلسفات نابعة من رحم وطنهم و ظروفه الخاصة( لا اتكلم عن الشواذ او من يخرج عن القاعدة هنا و هناك في البقعة ذاتها و يعيشوا بشكل مختلف عن الاخرين).
لو تكلمنا عن الاجيال الكوردية الاكثر غبنا لابد ان نتكلم عن جيل الخمسيانت والستينات و السبعينات و حتى الثمانينات بشكل عام في كوردستان الجنوبية بالذات، لانهم ترعرعوا سواء في فوضى الصراعات العامة او في قعر و خضم الثورات و من ثم اصبحوا وقودا لحروب فرضتها السلطات المتتالية لبلد ولدوا فيه من دون ارادتهم و بحكومة تحتل وطنهم و فيه عدم التناسب و التوافق و التعايش السليم من جهة، و من ثم اصبحوا في مركز الصراع للثورة الكوردستانية و مستجداتها و تطوراتها و عاشوا ويلاتها و تلاشت امنياتهم الشخصية و هم في قعر المآسي التي واكبوها من جهة اخرى . فهل يمكن ان نحدد من هو الاغبن ضمن تلك الاجيال ام كانوا متساوين في شكل و طبيعة معيشتهم و ما يخصهم في زمنهم؟ هذا امر صعب يراد تحديده دراسات طويلة.
اننا يمكن ان نتكلم عن كوردستان و ما حدث فيها و القدر الذي جعل كل جيل يرى ما راه و لم يتمتع بما تتطلبه الحياة لكل فرد و الذي من حقه ان يعيش برفاه و سعادة و حرية لانه يعيش مرة واحدة و لا يتكرر و بالاخص للاجيال الذين كانوا يؤمنون بقوة بحياة الدنيا و لم يؤجلوا حياتهم الى الاخرة و الخيال الذي يريح النفس و يؤجل المعانات و المآسي و الويلات و الصعاب التي يمرون بها بآمال و امنيات و ملذات و اعتقادات خيالية في الغيب.
الادهى الموجود في هذا الامر و ما يمكن ان يحتاج لدراسة عميقة لبيان قداسة الخطوات التي اتخذتها مجموعة ابناء معينة ليست بكثيرة العدد من ضمن هذه الاجيال و ضحوا بحياتهم الخاصة و بوحدتها دون شبيه لا في الدنيا و لا في الاخرة التي لم يؤمنوا بها اصلا، و مع ذلك لم يعتقدوا بشيء يمكن ان يؤمنوا حقيقة بان يؤجلوا الاستمتاع بملذات حياتهم الى الغيب، ومع ذلك فهم ضحوا بدمائهم و انفسهم من اجل اهداف حياتية بحتة و من اجل ضمان حياة اجيالهم التالية، اي التضحية من اجل الاخر و ان كانت النتيجة فناء الذات و عدم التمتع الذاتي بالنتائج المرجوة، انه اكبر التضحيات و اعمقها قداسة و انظفها و لها قيمة لا يضاهيها اي شيء في الحياة جوهرا و سمة كاملة و حتى الايمان العقيدي الديني المقدس.
كان للكورد منذ بدايات بروز اهمية الدولة و العمل علي بناءها لضمان حياة الاجيال هدف سامي و امن به كثير من الاجيال المتتالية و كان هدفهم هو التحرر و العيش بسلام و امان في رقعة مستقلة و امنة لا دخل للغريب والدخيل فيها سموها وطن كوردستان العزيزة على نفسهم و ضحوا بحياتهم من اجلها، و لكن لا يمكن ذكر السبب بشكل عقلاني في حرمانهم سواء من جانبهم كان ام في من غدرهم و ما فرضته مصالحه على عرقلتهم غدرا و جشعا و انانية في تحقيق هدفهم السامي بعيدا عن الانسانية قبل اي هدف سياسي اقتصادي اخر حق و مقدس.
ربما تكون هناك اجيال محرومة من الثروات الحياتية الخاصة، وهناك من يعيش و قدره و صدفة ولادته فرضت عليه ان يولد في بقعة محرومة من الثروات المهمة التي هي سبب الرفاه و التقدم لدى الشعوب، و هناك من ولد في بقعة صادف فيها حكومات دتاتورية حرمتها من ملذات معيشته الخاصة و لم تكن لديه مشكلة عامة الا ما فرضته مصادفته لتلك الحكومات فقط و ما افرزته من العواقب امام حياته الخاصة و العامة، اما الكورد فلم تكن المشاكل التي عانوها و العقبات التي وضعت امامه من صنع يده او من سبقوه و انما ظهر الى الحياة و له قضية خاصة تهم الجيل بشكل عام و هو النقص الذي لا يمكن ملؤه او فجوة لا يمكن ردمه الا بنضال جماعي و عقل تقدمي و يحتاج لتضحيات على حساب المعيشة و رفاهية الفرد و المجتمع. انه حقا اغبن الاجيال على هذه البقعة في الشرق الاوسط المليء بالمآسي المختلفة عن ما يعانيه الكورد ايضا، فاغبنهم هم اجيال العقود الاربع المذكورة مسبقا نتيجة نضوجهم و نموهم في وسط تغيرت فيه العقول و اختصت و برزت به مشاعر لم تكن موجودة من قبل. و نحن هنا لا نتكلم عن النقص ربما الاكبر الذي عانى منه اجيال في بقاع العالم الفقيرة و مامرت اجيال تعاني حتى في اسلوب حياتها و لم تحصل على المتطلبات و الضروريات التي لا يمكن ان تتلذذ بدونها، و انما الكورد اختلفوا بنقصهم المعنوي في وسط غنى وطنهم و امتلاكهم لثروات محتكرة من قبل من ظلمهم في حياتهم و هذا ما زاد من الطين بلة و ازداد من القهر لهم و في عمق مشاكلهم النفسية قبل الجسدية.[1]