غياب دور المثقف المطلوب في كوردستان
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6291 - #15-07-2019# - 13:39
المحور: المجتمع المدني
كان و لازال الدور المؤثر للمثقف في نتاجاته و مواقفه له تاثيره القوي المباشر على مسار حياة الناس و مراكز السلطة التي لها الدور في التغيير المطلوب نحو الافضل في كافة المجالات و منها الثقافية و الحياتية و الامور المستقبلية قبل حاضر الشعب، و هي الثقافة التي تهم الشباب اكثر من غيرهم. الحياة العامة و النظام الساري و طبيعة المجتمع و سمات الناس و تعامل السلطة و جهودها لهم الدور الاكبر في تحديد دور المثقف الايجابي سواء لتقييم و تطوير الواقع و تصحيح المسار ام تقويمه من خلال الانتقاد البناء و بيان و تحديد البديل لكل سيء او مضر.
العقلية المثقفة تعيش لتفيد الناس و لا يمكن ان تهمل صاحبها و انما تكون منصفة معها ايضا مواكبا لما يمهم من حياة الناس و مصيرهم، المثقف الحقيقي صاحب الجوهر السليم يكون بعيدا عن الفساد و ما يمكن ان يصيب السياسي او المهني اينما كان فهو لابد ان يكون بعيدا عنه قبل غيره، و ان اصيب المثقف بداء اجتماعي او اقتصادي او سياسي قبل ثقافي او فرض عليه ما ليس له او دفعته الظروف الخاصة الى الخروج من مهامه الجوهري، فانه ينتقل مسلكيا من مرتبة المثقف الى مهنة ممكن التاثير على صاحبها بشكل ابسط و تظهر عليه اعراض ممكن ان تكون اخطر من ظهورها على غيره.
في كوردستان و نظرا لقلة التجربة و الخبرة و عدم وجود عمق ثقافي كبير للنقص الموجود و خراب البلد على يد المحتلين الداخليين و الخارجيين و فقدان الوسط الملائم لاستيعاب المثقف و الثقافة من جهة و ممكن التاثير عليه و ابتعاده عن اصالته و مهامه الصحيح من جهة اخرى، فانه من الصعب بقاءه على ماهو عليه دون نفاذ صلاحيته لمدة طويلة كما وصل اليه في الظرف الراهن الموجود فيه حاليا و كان نتيجة الركود الذي فرض نفسه عليه منذ اكثر من عقدين، و عليه نرى التغييرات الكبيرة المفاجئة غير المتوقعة في مواقف و مواقع المثقفين الكورد و انتقالهم بشكل سريع بين جبهة و اخرى و بين المعارضة و الانتقاد الى وصف السلطة و مدحها المبالغ فيه و على كل سيئاتها و الارتماء في حضنها في لحظة زمن، و به فانه يتعرض لمشاكل اكبر من مثيله في دولة او مكان اخر.
و ما نشاهده اليوم من غياب دور المثقف الحقيقي في التاثير على مسار الاحداث و توجه السلطة او النظام بشكل عام يرجع لعدة اسباب و منها و قبل غيرها هي اقتصادية بحته اجبرته ظروفه على التغيير غير المقتنع به لضمان حياته و عائلته و مصلحته. و من ثم يُطفا نوره بالتدريج منسيا في النهاية و تغلب السلطة على الامر و تستمر في اخطاءها دون اي ىمراقب و مقيّم و مقوّم. الفكر اصبح تحت امرة و سيطرة الظروف الخاصة، و عليه الاحداث لم تتاثر باي فكر نتيجة غيابه على الساحة الثقافية وتغيير من يملكه و هو بعيد عن الاحداث او الساحة بشكل كامل.
كانت الهوة واسعة بين المثقف الكوردستاني و البسطاء من الناس الا ان اليوم قد تقاربا كثيرا و ردمت الهوة بشكل كبير نتيجة المتغيرات و الوسائل الالكترونية الغفيرة و سيطرة الكسل على المثقف قبل المواطن البسيط في اداء مهامه و من ثم الظروف العامة المسيطرة.
اما كوردستان و ما موجود فيها، فانها حالة خاصة نظرا لظروفها السياسية الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بها، و الخلط الموجود المسيطر على نظامها العام و دور المستورد الاكبر المغطي على الاصيل في كافة المجالات و منها الثقافة و المثقفين و دورهم و كيفية اداء مهامهم، و عليه ترى عجب العجائب هنا قبل اي مكان اخر، و تجد من ليس له صلة بالثقافة و هو يتكلم باسمهم و يدعي الثقافة و ما يمتلكها عملة زائفة و لا صلة لها بالثقافة الكوردستانية الجوهرية الاصيلة و لم تصل حتى الى ما كانت عليه ابان العقود السابقة التي كانت تئن تحت نير السلطات المركزية العنيفة و العاملة على انهاء و نفي ثقافتها الاصيلة بكل السبل.
اما اليوم السلطة الذاتية بنفسها و نظرا لتخلفها و انتشار الفساد فيها و عدم قدرتها على مسايرة العصر من كافة النواحي و الثقافة في مقمدتها بشكل ملائم، فاصبحت الثقافة كلام عام و فعل و مهنة تحت طلب السياسيين ليس الا. فان المثقف الذي اصبح تابعا للسياسي مهما كان مستواه الثقافي او العلمي، المثقف الذي اصبح تابعا و متنازلا من اجل فتات يسد بها رمقه وما تحتاجه عائلته، لابد ان يتعرض ما يملك للضغوطات و تصل لحال تنمسح كليا ما يمكلها في نهاية الامر و يصبح هو مهنيا مؤجرا بحتا فارغا في عتبة باب المسؤول . رغم الانين الموجود حاليا و بصوت خافت جدا لدى من تحمّل الصعاب و قاوم الاغراءات و التهديدات، فانه ايضا قد تاثر نتيجة التحولات و التغييرات الكبيرة للاوساط التي كانت محل امله على ان يكونوا مستوعبين له و مقدرين له على ان يكون في طليعة المضحين و ما يجب تثمين و تقدير دوره و تضحياته على ما قدم و يقدم و ما تحمل من الظروف الصعبة، فلم يحصل على ما يشجعه و عليه فانه اخفق او اجبر على التراجع نتيجة الظروف السياسية كانت ام الاقتصادية او الاجتماعية خاصة به ايضا و اجبرته في نهاية الامر على رفع راية الاستسلام.
و علي، يمكننا ان نقيم الحال الموجودة فيها كوردستان ان نصرح بعظمة لساننا اننا في فراغ ثقافي و انعدام الثقافة و المثقف الحقيقي الى حد كبير جدا و القليلة القليلة فقدت تاثيراتها على الوضع العام للمجتمع، فاننا نصل الى اعتقاد بعدم وجود دور المثقف النهائي في مسار العام لحياة الناس في كوردستان في هذه المرحلة.[1]