كوردستان و المراوحة في العملية السياسية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6273 - #27-06-2019# - 13:12
المحور: القضية الكردية
الجمود المفروض على حركة العمل السياسي السائر بخطى غير مقبولة و مراوحة العملية السياسية في كوردستان تفرض على المتمعن ان يتشائم اكثر يوما بعد اخر. عملية تشكيل الحكومة تاخرت لمدة زادت عن حدها المعقول رغم اعتقاد الاكثرية بان الواقع لم يتغيرسواء تشكلت ام بقت على ماهي عليه طالما السلطة باقية كماهي بيد عائلة او عوائل متنفذة و في دائرة محصورة بمقتضيات مصالح ضيقة و لم يبق امام الاحزاب الا النظر الى الكرسي و الكعكة اكثر من اي شيء اخر رغم الادعاءات المزيفة حول ذلك التي يعرفها الشعب الكوردستاني بشكل واضح و جلي.
من يقيّم الواقع في هذه اللحظات و يقارنها مع حتى الماضي القريب، يتبين لديه الكثير من الامور و منها مستوى اخلاص السلطة الكوردستانية للقضية الكورد الاكبر في تحقيق الاهداف التي سالت انهار من الدماء من اجل تحقيقها و من ثم التباين في الوضع المعيشي للناس الذي اثر بشكل كبير و مطلق على تفكيرهم و اعتقاداتهم و مبادئهم و افول ايمان الكثير من الاهداف العامة و بما آمن به بالامس نتيجة ما يراه اليوم على الارض من التناقضات و السلبيات الناتجة عن افرازات تخلف العقلية الحاكمة و ما تؤثر بشكل كبير على تحقيق امنيات الشعب قبل حياته الخاصة، لانه هو اهل التضحية و يضع كل ما يملكه على ما يؤمن به و ان كان له ردود فعل آنية ازاء ما يراه من ما تقترفه السلطة الكوردستانية الغاشمة من الافعال المشينة الضارة بمستقبل اجياله و الصراع المرير على الجاه و المال قبل اي تفكير ولو قليل بما يتطلبه مستقبل هذه الامة المظلومة في تاريخه لاسباب موضوعية و ذاتية معلومة لدى الجميع, و هو وقود المعركة و العملية قبل هؤلاء اهل السلطة و الاحزاب.
من يقارن الحال بين اليوم و الامس القريب من كافة النواحي السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في كافة القطاعات و التخلف المسيطر عليها يعلم ان الاسباب لا يكمن الا في كيان الكورد عقليتهم و ادارة امورهم بذاتهم قبل احداخر و بعد ان يقيّم ما سار عليه خلال العقدين الماضيين و الفرص الضائعة التي هدرها المسيطرون على زمام الامور دون وجه حق فانه لم يعد كما كان. من يرى كل هذه المراوحة في سير العملية السياسية على ايدي السلطة دون ان تابه بما يفرضه الهدف الذي يحلم به الشعب لا يمكن ان يفكر الا و يقول ان مستوى عقلية ادارة العملية السياسية و الصراعات و المنافسة و الخلافات على نقطة صغيرة توضح مدى اهتمام هذه القادة بما هو اكبر، و عدم اهتمامهم بشكل جلي ما يدعم التوجه العام نحو الاهم، فانه محق ان يتشائم و يبتعد عما كان يهمه و يضحي من اجله بالامس. ما هو الواضح لديه الان ان جل تفكير هؤلاء المتنفذين باي شكل كان لا يخرج من دائرة تامين مستقبل و مصلحة اشخاص و احزاب على حساب الاهم و ما يهم الشعب، و هذا هو لب المشكلة التي تسيطر على تفكير الناس و يجعلهم اكثر تشاؤما في تحقيق اهدافها من اي وقت مضى في تاريخه رغم انتظار العكس.
ان الصراعت التي كانت بداية حزبية و محصورة في مساحة يمكن ان الخروج منها عند المراجعة و التفكير فيما ناضل الشعب من اجله و كانت حتى الوقت القريب ممكنة و بقت فرص للمراجعة و العودة الى الصواب، الا ان اليوم ضاقت المساحة و اصبحت السلطة بين ايدي العوائل و الاحزاب التي تدار من العوائل من جهة و المصالح الضيقة التي تدار بعمليات فساد كبرى من قبل هؤلاء و التي يمكن ان نقول بانها وصلت لعمليات مافيوية لا يمكن ان يخرج منها الشعب بسلام في وقت محدد طالما بقت السلطة كما هي و بيد هذه العقلية الضيقة الافق المسيطرة و المطبقة على الساحة بشكل مطلق دون وجود فسحة للمخلصين في توفير ارضية للولوج في سعيهم لموازنة الامر. و الامرّ ان لا يعلموا و هم سبب الازمات بانهم في هكذا حال و هو مصيبة و طامة كبرى. هل من المعقول ان تضحي بالقضية الاهم من اجل هدف حزبي ضيق و منصب هنا و هناك و مصلحة شخص او عائلة و انت في مرحلة حساسة تعتمد الامور المصيرية التي تفرض نفسها داخليا و خارجيا على مدى استعدادك للمتغيرات المنتظرة و كيفية التعامل معها.
ان الحال التي ان كنا نقدرها و نقيذمها بشكل واقعي و بعقلية معتدلة و نقول في احسن الاحوال انها مراوحة في الوحل و ليس تخلفا كليا، و نا كنا نريد ان نلتفت و نريد ان نرضي نفسنا و نقول بانها نتيجة الفوضى العارمة التي تسيطر على المنطقة بشكل كامل و الظروف الموضوعية التي تساعد على بقاء تلك المراوحة و ليس بداية الفناء نهاءيا، فاننا ربما نخدع انفسنا قبل اي احد اخر .
و ان كان احد يفكر بالحلول لم يجد امامه اي طريق يمكن ان يسلكه و ان كان مخلصا لقضية شعبه الا انتظار ما يحصل دون ان يتمكن اي كان ان يعمل محاولا على تصحيح المسار. فلسنا متشائمين شخصيا لاي سبب كان عدا ما نراه و نلمسه و نعايشه يوميا و نراه من امور و اافعال لا يمكن ان نتصورها و نتوقعها على ايدي الكورد انفسهم، و يكونوا هم اكبر الاسباب لسقوطهم و تراجعهم الملحوظ الان نتيجة تلك العقلية التي تدير و الافعال التي لا تفرز غير ترسيخ ارضية الانهيار النهائي في اخر الامر.
في الوقت التي شكلت حكومة اقليم كوردستان قبل عقدين في مدة يسيرة فقط و كانت ابسط الامور مقارنة بما يهم مستقبل الامة، فان عملية تشكيل الحكومة الحالية تتراوح منذ اشهر طويلة. الوضع الاقتصادي في ركود دائم رغم تحسن تعامل بغداد و ارساله لما يقع عليها من الحقوق شهريا، الوضع الاجتماعي في فوضى عارمة و تفرز يوميا ماهو الشاذ نتيجة عدم التخطيط و الفوضى في الحال، انتشار حالات لا يمكن تصورها في واقع يحتاج فيه الكورد لاكثر ضبط و ربط من اي شعب اخر في المنطقة. الابواب مشرعة لتدخلات و التجارب التي يقدم عليها من اراد ان يجعل من الساحة الكوردستانية حقل تجارب و ان اثرت افرازاتها على الشعب الكوردستاني المظلوم، الثقافة في مازق و تراجع لاسباب اكثرها داخلية و سياسية مسيطرة على ركائز الحياة، و حتى الرياضة و الفن يعانيان من الحالة التي اوصلتها السلطة السياسية الى ما هي عليه اليومو عزلتها بشكل تدريجي بعيدا عن ساحتها و ارضها.
و هنا يمكن لاي متابع ان يسال، و ان وصلنا لهنا و بما نحن فيه من هذه الفوضى من كافة النواحي، فهل من حل؟ انه عصي على حتى العقل المتفوق الباهر ان يخرج بمنفذ سهل، لو لم يحصل شيء يؤثر بشكل جذري على الموجود باي شكل و طريقة كانت، و هذا ايضا غير مضمونة النتيجة لانه سيكون عشوائي و ربما تحدث ما لا يمكن توقعه من كارثة و تراجع الى مستوى الصفر بعد كل تلك التضحيات الجسام من قبل الشعب لعقود طويلة. ماذا تفعل مع من لم ير الا حدود مصالح شخصيته و عائلته و حزبه، و ماذا تفعل مع هذا القدر من المستوى الثقافي العام التي تسند و تدعم الفوضى و تثبت اركان اصحاب الفوضى و الفساد و التخلف. هل ننتظر و نرى ام انه ربما احيانا ستحدث مفاجئات لا يمكن انتظارها او توقعها، و هذه ما تحتاجها كوردستان في هذه المرحلة و الا اننا نعتقد بانها تتهاوى في النهاية قريبة كانت ام بعيدة ان بقت على ما هي عليه.[1]