متى نصل الى نقطة نعمل فيها بقدر ما نتتقد؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6068 - #29-11-2018# - 15:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
عندما كنت في خضم نقاش حاد و صارم مع مجموعة من الاصدقاء و كان الموضوع ذاته نظريا و عمليا, اي كنا نناقش و الموضوع هو كيف يمكن ان ننتقد بشكل بناء دون ان نكون سلبيين و على حال لم تبق لدينا اي مهام سوى الانتقاد العام و الخاص، لجميع المؤسسات و الشخصيات دون ان نميز بينهم, و كان من بيننا من كان في نقاشه احر من الجمر و بالاخص حول ما يعمله هؤلاء المسؤلين من نشر الفساد و لهم اليد العليا في الفوضى العارمة في البلد و بالاخص في كوردستان, واستعمت اليهم حتى انتهوا من كلامهم . و قلت بداية, يجب ان لا نعمم و من الواجب على اي كان منا و مهما كان مسؤليته ان يعيد النظر في نفسه و يبدا بتقييم ذاته و ما يتسم به قبل ان نشير الى هذا و ذاك، فاحمر وجه احدهم دون ان اعلم بما كان يحمل و كان يعتقد بانني لي معلومات خاصة عنه, و عندما شاهدته بهذا الموقف سالته؛ اليس كذلك يا اخي، لم يستجب بل قال لي ما قصدك, قلت اليس انتقاد الذات قبل الاخر اهم لتحديد و تعديل المسار العام في اي بلد كان و هذا ما تعلمناه في زمن الخير. و قال الاخر نعم وهو كذلك, و ان كان احدنا مجبرا على فعل امور دون ان يحسب له حساب فهو كلام اخر, قلت لم افتهم, قال ان بعض الافعال تتم في ظرف معين و لا يمكن ان تحسبه على فكر و ايمان ما قام به المضطر, قلت لم افهم بعد, فقال يا اخي اننا فهمنا قصدك فيما اشرت اليه في انتقاد الذات, فنحن كوادر حزب و انت تقصد ما لدينا من الحراس و هم يعملون لحسابهم دون ان يمارسوا حراستنا، اي هم فضائيين و نحن في موقع ليس عالي حزبيا, فتعجبت و لم يكن لي علم بما هم عليه، فاستفسرت عن كلامهم تيقنت بانهم لديهم حراس، و هم من الكوادر الوسطية في الحزب المتنفذ الفلاني دون ان يرى احد حارسا معهم, و الاخ الذي كان يصرخ باعلى صوته و يهرول عندما يناقش من اجل بيان صحة رايه, و نتيجة بكلام عفوي غير مقصود بدر مني دون ان تكون لدي معلومات عنهم, اعترف بانه فاسد قبل من ينتقدهم منذ ساعات. ثم قطعت النقاش و تاملت في الحياة في منطقتنا و كيف هي حالنا من التناقضات التي نحن فيه.
فان اي منا له الامكانية ان يتكلم و يصرخ و يصيح و ينتقد دون ان يقيّم نفسه و ما يسير عليه و له القدرة الهائلة على الكلام حتى حد السفسطة، و لكن يعلم في قرارة نفسه بانه لم يختلف عن من ينتقدهم. فبحثت عن الاسباب فوجدتها كثيرة منها اجتماعية وتاريخية و ثقافية و تربوية.
فمعظمنا من ذات التربية من حيث الاسرة و الشارع و المجتمع وما فيه, لم نجد وسطا يصدق فيه الفرد مع نفسه قبل الاخر, بل نترعرع على الكذب سواء كان مقصودا ام عفويا من قبل الاسرة و المدرسة و الزقاق و من حيث نستيقظ صباحا الى وقت الاسترخاء ليلا. نكذب مع انفسنا قبل الاخر, نضلل الاخر فيما اذا كانت المصلحة الذاتية تفرض ذلك و بالاخص في الامور المصيرية لحياتنا. انعدام الامان النفسي و القلق الدائم على مستقبلنا و التفكير المستمر على كيفية ضمان المستقبل من كافة النواحي دون ان نجد الامان و الضمان الى اواخر العمر. و عليه يمكن ان يكون القلق دافعا الى النقاش على امور و الانتقاد للاخر و لكنه في اللاشعور ينتقد اي منا نفسه من خلال انتقاده للاخر لامشابه, و ما يمنعه ان يعترف هذا هو عزة النفس و الكبرياء، و الا لماذا يصرخ الاخ بان من لديه الفضائيات هو فاسد و هو يمتلك ثلاثة حراس فضائيين منذ استلامه المنصب او الدرجة الحزبية البسيطة التي لا تحتاج الى حتى حرس واحد و الا لماذا لم يرافقه حرس واحد طوال عمره, و انهم من اخوانه و اقرباءه.
الاسباب السياسية العامة التي تجعل الفاسد اكثر كلاما من اجل الدفاع عن النفس قبل ان يحرجه الاخر, و من ثم العوامل العقيدية الكثيرة و منها اعتقاد البعض بان الاضرار بالحكومة هو الاهم مهما كان العمل من حال ذلك يدخل في خانة الفساد و الاضرار بالذات. و لا يمكن استثناء اي حركة او حزب صاحب عقيدة و المبدا و في مقدمتهم الاسلاميين الذين يعتبرون انفسهم انزه الخلق على الارض و يخافون الله, الا انهم اكثر فسادا بحجج حتى لا يعترف بها ايمانهم و عقيدتهم, اي التربية الاجتماعية و الاسرية تفرض نفسها على اي عقيدة او فلسفة يكتسبها هؤلاء من انتماءاتهم الحزبية و العقيدية.
فكيف الحل؟ ناقشت هذا الموضوع مع الجماعة ذاتها و بنفس التركيبة, فقالوا القانون الصارم و الاصلاحات و تامين الحياة الاقتصادية للجميع، مع توفر الاحتياجات العامة و الخاصة, و قبلهم النظام السياسي العام الذي يضع حدا لاي مخالفة لاي كان و مهما كان موقعه حزبيا و تنفيذيا. و لم يشر احد منهم الى الثقافة الذاتية من الناحية القانونية و التزام الفرد بها، و لم يقترب اي منهم من البدء من الذات و حث الاخر على النزاهة بتقديمه هو كمثال من قبل الذات. فهذا حال كوردستان و العراق حتما, و لا اعلم كم نحتاج كي نصل الى ان يكون كل منا رقيبا على ذاته و يبدا بالالتزام بالقانون بدءا من نفسه قبل ان ينتقد باعلى صوته كي يعذب نفسه و ما هو عليه من خلال ما يطرحه من انتقاد الاخر، حسبما يقوله علم النفس عن اللاشعور. و به نصل الى حد نقول الاصلاح المتعدد الاوجه من النواحي كافة و وضع خطط وبرامج مناسبة بعلمية لمجتمعاتنا و ما يتسمون به ثقافيا هو الخطوة الاولى للتغيير و الا تستديم الحال كما هي . و الاهم في تقديري هو الوصول الى نقطة و هي ان نكون على حال نعمل بقدر ما ننتقد على الاقل و ليس ان نعيش على الانتقاد فقط, فاننا قد وصلنا الى بداية الطريق السليم.[1]