الخطر الاكبر هو فقدان الدولة الكوردستانية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5618 - #23-08-2017# - 15:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
نقرا و نسمع عن تاسيس الدولة الكوردستانية من وجهات نظر مختلفة و بخلفيات فكرية عقيدية متنوعة وكل من جانبه يقيم الوضع لاغراض و اهداف متعددة، و لكن الاكثر تحفيزا لما يهم الكورد و يثير حفيظته هو ما يُعتبر حقا للاخر في عبور مراحل بناء كيانه و تحريمه هو من ولادة طبيعية لاطار ما يحافظ عليه كانسان و يمنع اذابته و فناءه على ايدي القوميات السائدة التي لا ترحم بل يحملون من التعصب الاعمى البعيد عن اية سمة انسانية و مستقوين بدولة مركزية و احيانا يدعون الديموقراطية زيفا من اجل السيطرة .
اننا لا نتكلم عن النخبة المثقفة النموذجية من القلة القليلة ضمن شعوب منطقتنا و التي تنظر الى الحياة بعيون انسانية و لها خلفيات فكرية بنيت على اسس لا يمكن ان تضر باي كائن على العكس من الاخرين اصحاب الدوافع التعصبية التي استوردت تلك الخصائص خلال مراحل التاريخ و منبع الاول و الاكبر لها هي الجزيرة العربية، و وصلت عبر الفتوحات و الاحتلالات الغادرة للمنطقة التي ابيد سكانها الاصليين و افرغ منهم، و لم يعلم حتى من بقي من سلالات الاصليين انهم ليسوا من ابناء هذه الثقافة و ما استبدلوا به عقلياتهم و تفكيرهم ليسوا هم من يحملوه و لا يمكن ان يكونوا منهم ابدا .
نعم نتكلم عن العقل الجمعي و عصارة الفكر المسيطر على الدول التي انقسم عليها الكورد في لحظة من الزمن دون ارادته، نتكلم و كلنا حصرة على ان المنطقة مشحونة بافكار و عقائد لا تعطي مجالا للتعايش السلمي و الاخوي بين القوميات و الكيانات نتيحة سيطرة فكرة القومية السائدة و المسيودة و ما تتسم في عقلية المتنفذين من كانوا و ما ادعوا من الفكر و العقيدة و الثقافة لا تشي الينا باننا نتحررمنها عن قريب . نتكلم بهذا الشكل و كلنا تمنيا ان كنا في دولة سائده فيها مفهوم المواطنة و العدالة و المساواة التي لا تحتاج في هذه الحال الى اية دولة اخرى لاي مكون كان، نتلكم و كلنا قهر و الم على ان نقبل بما سارت عليه هذه الدول القومية الصرفة في العقود الماضية و نحن ما تفرض علينا الدولة الجديدة ان نعيد تاريخهم (تاريخنا) بالمحتوى المعلوم و بالاشكال و الالوان المختلفة مرة اخرى و لوحدنا .
لماذا الدولة مطلب ضروري للكورد، و لا يمكن ان يتحاشاها اي عاقل واقعي، و نعلم هناك قلة قليلة ترفضها و هي لا تؤمن بما تقول اصلا في قرارة نفسها، و اما هي تجبر حالها لاسباب كثيرة على ادعاء ما لا تؤمن به و يعتبره الاخرون بانها فوق فكر القومي او الاعتزاز بالدولة التي هي مؤسسة مهمة و ضرورية في مرحلة ما. و هؤلاء المدعون برفضهم للدولة شكلا فقط اما دوافعهم سياسية صرفة و هم يخوضون غمار الصراع المحتدم بين الاحزاب, و هم مسببوا الخلافات الخطيرة و هشاشة الوضع السياسي و الاقتصادي العام بما الحّوا عليه من الخصام و الصراع مع السلطة و افعالها المشينة اصلا و لم يدعوها ان تسيرالى ما تصل الى حافة الامر الذي تقع فيه الى ان تعود الى رشدها بشكل طبيعي . او من يعتمدون الافكار النظرية البعيدة عن الواقع و لم يحللوا الاهم و الاولوية التي يجب ان ينظر اليها و العمل من اجل تحقيقها و و اولى الاولويات هي بناء دولة محافظة على الكيان و مانعة لتدخل الجوار و مسالمة و نموذجية لبيان ماهي المقومات التي بنيت عليها و يجب ان تقدم درسا لمن شاخت و لم تصل الى المباديء التي يمكن ان تتسم بها الدولة الجديدة .
الاسباب الموجبة لبناء دولة كوردستانية لا يمكن ردها فكريا و عقيديا و سياسيا و اقتصاديا و انسانيا من اي كان و بحجج دامغة مقنعة للجميع، و كل من يتكلم عن الاستفتاء و الاستقلال الان لم يدّع انه امر مجحف او غير محق او ليس للكورد الحق في بناء كيانه او عدم وجود مقومات بناء الدولة الكوردستانية، بل كل الادعاءات لرفض العملية المزمع اجراءها هي سياسية قحة و مصلحية تمس دول المنطقة و الكبرى من جانبهم، و ليس فيه اي شيء بما يمكن ان يقنع الكورد بانه ليس على الحق، او ما يطلبه ليس واجبا عليه، او متطلباته يغدر بالاخر، او انه عمل ضد الديموقرطاية وحقوق الانسان و العدالة و التعايش السلمي . انهم يفكرون و يدعون وفق معادلاتهم هم و وفق مصالحهم هم و ما يهم شعبهم هم دون ان يفكروا ولو للحظة باحقية الاخر فيما يدعيه . اننا نسال الم يصب الكورد من الالام و المعاناة و الغدر و الخيانة ما لم يصب به احد في المنطقة و حتى في العالم باكمله . فهل وصلت هذه الدول التي الحق بها الكورد الى حال التي تتمع به من الصفات يمكن ان تؤمّن حياة الكوردي و تضمن حقوقه البسيطة المشروعة، فان الجواب لدى المحق و العادل و الناظر الى الامور بانسانية هو النفي بكل ما فيه . اذن ما السبب في الرفض ؟ الاجوبة مختلفة و نابعة من ظروف مرحلية و من دوافع لا صلة لها بحق الكوردي و الكوردستاني في اخذ حقوقه. فمن الاجوبة المضحكة؛ فالوقت غير مناسب، و المنطقة في فوران، و هناك حرب ضد داعش، و ستؤدي الدولة الجديدة الى تغيير المعادلات، و منهم من يقول بانها كارثة، طبعا كارثة لاهدافهم الخاصة و نظرتهم و مخططاتهم و ما يهم شعوبهم و مصالحها فقط دون النظر الى الجانب الكوردي لما يريد و ما يحق له . و كل تلك الادعاءات ليست الا حجج واهية لان السبب الرئيسي التي لا يمكن ان ينطقوه هو عدم التقاء مصالحهم البعيدة و القصيرة المدى مع بناء دولة كوردستان في هذا الوقت، و لهم الامرالاهم و الاكبر من هذه القضية و يريدون ان يضحي الكورد من اجلهم و كانه لم يضحّ منذ عصور غابرة بحقوقه و لم يضحّ من جانب اخر من اجل نيل حقوقه .
الجميع يعلم بان هناك فجوة كبيرة و مختلفة المحتوى بين الكورد و بقية العراقيين، و انها نعم بنيت جراء ما حصل لهم على مدار التاريخ، و لكنه نعلم منذ متى و يدعي الخيرين ردمها و لم يحصل و لن يحصل لان المسببات باقية و لا يمكن ازالتها في القريب العاجل . ان العصبيات القومية هي هي على حالها و لم تزح او تدفع جانبا بفعل العصبيات الدينية و الطائفية او المذهبية التي استجدت او بالاحرى طافت في العراق، و شاهدنا خلال السنين مابعد سقوط النظام في بغداد، كيف يمكن لاي كان ان يرفع مستوى التصويت له اي لمن يريد ان ينال منصب او مرتبة معينة، و تلمسنا فمن ضرب على ايقاع التعصب القومي اجتمع حوله الاخرون على الرغم من خلافهم الديني و المذهبي و الطائفي . اليس هذا دليل على ان التعصب القومي لازال جذوة تحت الرماد و سوف توقد متى ما انتهت صلاحية التعصبات الاخرى او غطيت بالقوة .
ان المثقفين و النخبة يؤمنون بما يمكن ان يحصل للشعب بهذه العقول المتسلطة، و عليه يعتقدون بان الحلول الجذرية لا يمكن ان تاتي بترقيع هنا و هناك . و في الجانب الاخر، فان المثقفين الكورد يعلمون جيدا بان بناء الدولة لا يمكن ان ياتي على طبق من ذهب، و ان كانت تتسم بكل السمات الانسانية و التقدمية المنشودة منهم و ان تاكدوا بانها ستكون جارا مفيدا لهم . ان الشعب الكوردستاني يعقتد قبل الجميع بان النضال الانساني و العمل على ترسيخ التقدمية في العمل و التوجه يبدا ساعة اعلان الدولة الجديدة و يحتاج لجهود و تضحيات عبر الاجيال القادمة، و لكنه على علم ايضا بان بقاءه تحت سلطة الاخر السائد سيبقيه على حاله و لم يقرب له ساعة النضال الدائم من اجل العدالة الاجتماعية و المساواة، و به لا يمكن ان يذوب الفكر العرقي و القومي في خضم تلك الصراعات و المحاولات المستميتة الكثيرة من قبل الاخرون الكثر، والذين اثروا لحد معين على هذا الجانب بما قاموا به من الاستعراب و الاستتراك و الاستفراس للكورد كثيرا منذ مدة، و هذا سيستمر دون وضع حد له بوضع حدود الدولة الذاتية و هي الوسيلة الوحيدة و الدافع الاقوى و السلاح بيد الاخر الذي يستعمله ضد المكون الكوردي دون ان يفكر يوما بدولة المواطنة و المساواة و العدالة الاجتماعية .
فيما يخص الاستفتاء في كوردستان، اننا على يقين بان نعم هو الجواب المحتمل للاكثرية و ان هذا ايضا سيؤدي الى اطلاق يد من لم يكن ديموقراطيا في تاريخه، و هو من افسد السلطة و وضع الكورد تحت نير الازمات السياسية و الاقتصادية، وهو من لم يحترم حقوق الانسان و الديموقراطية و حرية التعبير و الراي، و هو من اسال دم اخيه الكوردي بيده، و هو من يؤمن بالعشائرية و القبلية كعقيدة لحكم الدولة، و هو من تسلط و بقي على كرسيه دون وجه قانوني او حق، و هو من مارس نوع من الدكتاتورية لحد اليوم، وهو لم يعترف بالتعددية و حق الاخر و الصراع و التنافس الحقيقي و النقد البناء، وهو من يريد بالاستقلال ليثبت بانه قائده الاوحد و يسجل مجدا تاريخيا اكثر من احقاق الحق للشعب . الا ان بناء الدولة سيتيح فرصة اكبر و اوسع للنضال الحقيقي لانه بذلك يزول الخوف من العدو الخارجي و الممكن ان يتدخل لجانب او اخر او يفسد ما يبنيه الشعب عن طريق النضال الحقيقي الطبقي الذي ننتظره في مرحلة اعلانها .
نحن اذن امام احتمالين، اما بناء الدولة و ما يمكن ان يستهل النضال الحقيقي الداخلي في وقته، او العودة الى المربع الاول و العيش قسرا مع المركز الذي لا يمكن ان ننتظر الافضل مما مر، و هو بنى الكيان العراقي الجديد وفق المحاصصات الطائفية و العقيدة الدينية المذهبية البعيدة عن المساواة و العدالة، و سنزيد الامر تعقيدا بالخلافات العرقية و التعصب القومي اكثر من الخلافات الاخرى و من الموجود حاليا . اي المستفيد الوحيد في بقاء العراق على حاله هو دول الجوار بعيدا عن كافة مكونات العراق و المصالح العالمية الامريكية التي تعتقد بان اعلان دولة كرودستان يضرب في وسط مصالحها البعيدة المدى .
انني ادرك جيدا ما يتبلور منذ بداية انبثاق الدولة الكوردستانية، و هو محاولة المتنفذين بالتحكم في السلطة بكل الطرق القانونية و السياسية و يثيرون حجج كثيرة و منها وجود الخطر الخارجي و يمكن مداهمتنا من قبل الاعداء و غير ذلك من الاعذار الحاضرة دائما . و في المقابل كما قلت لابد من النضال الداخلي الديموقراطي و الطبقي بشكل خاص من اجل التقدم نحو الافضل و منع هذه النوايا بطرق سلمية و ان احتاجت ستكون نضال عسكري لازاحة الدكتاتورية.[1]