الحلول الترقيعية باسم التسوية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5424 - #06-02-2017# - 01:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لو يسمع اي كوردي ما يُطرح هذه الايام من مشروع التسوية من قبل السيد عمار الحكيم ويتطلع على مضمونه، يتذكر محاولات الحلول التي طرحت لتصالح القوى الكوردستانية في العقد التسعيني من القرن السابق بعد معانات كبيرة من الحرب الداخلية، حيث لم يتم انهاء ما كان فيه اقليم كوردستان الا بمساعدة قوى خارجية و بالاخص تدخلات اميركا وابرام اتفاقية واشنطن بين القوتين الرئيستين في كوردستان في حينه، و من ثم التقارب و ماجاء بعده من الاتفاقية الستراتيجية بين الاتحاد الوطني الكوردستاني و الحزب الديموقرطي الكوردستاني و حل السلام رغم الخلافات الكبيرة المتراكمة بين الجهتين . و لم تؤد الحلول الترقيعية التي طرحت داخليا من هذا الجانب او ذلك قبل تلك الاتفاقية الى اية نتيجة تُذكر .
يمكن ان نسأل، هل الوثيقة او ما سموه بمشروع التسوية مجرد محاولة داخلية كانت او بدفع او تحريض خارجي لابطاء و تاخير من الاندفاع الموجود نحو ما يمكن ان يفرضه الواقع على الجميع و هو لكل صاحب حق حقه فيما بعد حرب داعش او العكس هو امتداد للحروب الداخلية المتواصلة لاسباب مابعد انهاء داعش، او يمكن ان نسميه وثيقة منع الكيانات من الحصول على الاستحقاق الطبيعي ان كنا متشائمين، اي ما هو موجود اصلا لدى المكونات و لم ينالوه وهو حق تفرضه الخصوصيات الموجودة لدى كل طرف، وهو اما مثبطا و مجمد او مغطاة بشكل و اخر و مرفوض لفظا باسباب و ادعاءات ايديولوجية فكرية مصطنعة غير نابعة من الارضية او اساس الفكر الحقيقي لمخلصي العراق، او من غير الاقتناع جوهريا بما يطرح اصلا، او غير مستند على ما يمكن ان نسميه الهدف العام لكل فئة، و يجب ان يكون لكل صاحب حق في اداراة ذاته او يتمتع بسلطة مستحقة بذاته، و يُمنع من ان يمتلك ما يحق له ان يتمتع به . و ربما يفهمه البعض بالتقسيم بينما الاخر باستحقاق الدولة للمكونات الثلاث، و يمكن ان يكون الكورد من ضمنهم و الذي يعتقد بانه مسلوب الارادة منذ انبثاق الدولة العراقية، و يمكن ان يطرح ما يهم اي جانب من ان لكل حسب خصوصياته او ما يملك من الطريقة المتاحة لفرض السلم و الامان بما يفرضه العقل و الايمان بما هو المعقول و ليس مفروضا من اي كان، بحيث يضمن ذلك عدم سكب قطرة دم من انف احد، و يمكن ان يحصل تغييرا ايجابيا بما يعود بالمنفعة على الجميع دون استثناء .
ان ما تتضمنه الوثيقة من الاهداف المثالية المرحلية القصيرة الامد التي لا يمكن ان نعتقد بانه يحل او يربط كثيرا او يكون حلا جذريا نهائيا و انه يضمن السلام الدائم و القناعة الكلية لدى الجميع على حد سواء . سمعنا كثيرا من ان المشروع يضمن في طياته من رفض الحكم الدكتاتوري والتفرد والالتزام بمحاربة الارهاب و ادانة سياسات البعث و الابادة الجماعية و الاعدامات و الاغتيالات سواء لعلماء الدين او النخب الوطنية، و لم نجد آلية واقعية مناسبة لتحقيق ولو جزء نسبي من اي مشروع تسوية مطروحة باي اسم كان وفق ما يقبله الواقع . عاش الكورد اكثر من 35 سنة تحت رحمة الدكتاتورية و لم يجد وسيلة الا وامتلكتها الدكتاتورية و استعملتها ضده، و لم يجد الكورد تلك الثقة المتبادلة مع السلطة العراقية و القوى الموجوة في المركز فيما بعد السقوط ايضا، و منذ اكثر من عقد و نيف و يتكلم بصوت عالي و يدعي بانه ضد الدكتاتورية و التفرد و لا يريد تكرار تجربته المؤلمة جدا، و على العكس تلقى التفرد و اشباه الدكتاتورية ايضا على ارض الواقع في بغداد، و هذا ما يثبت لنا ان تلك الصفات متجذرة في عقل هذه القوى بعد ان انكروا الكثير من حقوقه علنا و ما ساروا عليه لم يكن بختلف عن ما سبقهم في ذلك الى حدما .
لازال الواقع يقول لنا باننا جميعا نفكر بدلا من الشعب و لم ندعهم يقولون ما يؤمنون، لا بل اصبحنا المتكلمين بلسانهم دون ان نسنح لهم الفرصة لبيان ما يعتقدون بشكل مباشر . ما شوه العقلية التي يملكه العراقيين بكافة مكوناتهم و تركيباتهم الفسيفسائية المختلطة المتعددة الاشكال و الالوان هو الايديولوجية التي فرضت عليهم بطريقة معلبة و اجبروا على لصقها في اذهانهم دون ان يعلمموا و يتعلموا ما يريدون هم و ما يؤمنون به في قرارة انفسهم هم و ليس نحن المفكرين بدلا عنهم .
هذا هو العراقي سنيا كان ام شيعيا، كرديا كان ام عربيا، مسيحيا كان ام مسلما، هذه هي ثقافته و عقليته و وعيه و هذا هو توجهه و علاقاته الاجتماعية و مسيرة حياته، هذه هي الاختلافات الكبيرة الواضحة بين مكوناته، بينما نحن نريد ان نذر الرماد في الاعين و ننكر الموجود و الانكى من ذلك اننا ندعي بانهم موحدون و متعاونون و يحملون الراي و الموقف الواحد من دون ان نتكلم بصراحة تامة عما يحملون حقا م يحملون فيداخلهم و في جوهر ما يؤمنون به او ما يفكرون به .
هذا من جانب، اما لو قيمنا نص المشروع الذي يطرحه الحكيم و الذي يمكننا ان نقول انه يتضمن توجهات عدم التسوية مع نسبة كبيرة ممن اصلا هم السبب بشكل و اخر فيما وصل اليه العراق، من الانغماس في وحل التحارب و الكثير من الانتهاكات الانسانية التي تحصل يوميا، و هم سواء كانوا من البعثيين او ما يعرفون بالخونة و المتآمرين و الارهابيين والذين تلطخت ايديهم بالدم العراقي، و فيه يفرض المشروع مسبقا عدم الحوار مع مجموعة كبيرة ممن فرض الواقع عليهم الانتماء الى مجموعات خلقها الواقع و المراحل المتعاقبة من الخلافات سواء كرد فعل او تعنتا او حرصا على ميزة او ما يسمونها نخوة او لاية حالة اجتماعية كانت، و انتمى لاحد هذه التنظيمات من اجل الانتقام و الثار الاجتماعي او المذهبي او الايديولوجي . وان اردنا ان نقول ان متاكدون بانه ستتم التسوية ستكون بهذه النقاط التي يضمنها المشروع انني اعتقد اننا نعيش في حال من النشوة و هذا ليس الا ضرب من الخيال . ان تاتي انت و تصنف احدا بما لا يتصف به و تطرح ابعاده قسرا من مجال التصالح و التوسية و هو جزء كبير من المجتمع العراقي، و يمكن ان تتهم بريئا، بادعاء احد تلك الشروط المسبقة و هذا ما يبعدنا عن ان نعتقد بانه مشروع يؤدي الى التسوية النهائية بشكل عادل . التسوية و التصالح و العيش السليم يمكن ان ياتي من التطبيق العملي لتوجه العقل السليم المتسامح لشعار عفا الله عما سلف، و لكن هذا ايضا لا يمكن ان يؤمن به الشعب و قبل الجميع من تاذى، اي هذا ايضا غير ممكن ان لم يكن مستحيلا نتيجة التعقيد الحاصل في العملية .
اذن اقرب و افضل اختيار واقعي بعد معرفة كل تلك التعقيدات التي تمنع التقارب هو اجراء التسوية بين الفئة الواحدة او المكون الواحد الذي يمكن ان يحكم نفسه قبل ان تلطخ ايديهم بدماء ابناءهم بانفسهم، اي ابناء الفئة و ضمن المكون الواحد بنفسه بشكل عام و الذي لم يحصل هذا من قبل ( لا اتكلم عن حدث فردي هنا و هناك ) .
اما احدى المشاكل الرئيسية الاخرى التي تواجه التسوية هي تدخل الدول الاقليمية في فحوى و مضمون مشروع التسوية و كيفية تطبيقه على الارض انتقائيا، و ما يمكن دراسته من قبلهم وفق مصالحهم الاقليمية لابداء مواقفهم و رايهم حوله، و هو المعرقل الاول في كافة المحاولات السابقة التي باءت جميعها بالفشل .
فان تكلمنا بصراحة و عمق، بناءا على ما نرى اساسا على الارض، فان اخطر الخلافات هو بين السنة و الشيعة المتداخلتين فيما بينهما، اما ما بين الكورد و العرب فانه يمكن اعتباره رمي الجمرات على البعض من البعد لاكونهم اثبتوا خصوصياتهم على الارض و يمكن ان يحتمي احدهما من الاخر بطريقة ما و ما يمتلكون من المقومات لذلك . فالتسوية الاساسية الجذرية يمكن ان تكون بناءا على استئصال الاسباب الرئيسية للخلافات و التوجه او السير بطريقة يمكن ان لا توفر احتمال العودة الى الصفر . اي وفق اهم المباديء الاساسية و هي:
1-الشعب اهم من الوطن و لا يجب ان يؤخذ احتماء الوطن و وحدته حجة لاستمرار الخلافات و سكب الدماء و ما يؤدي الى المآسي الكثيرة .
2 - الشعب اهم من اية عقيدة او دين او مذهب او اية ايديولوجيا، و لا يجب ان يُتخذ الوطن مبررا للابتعاد عن السلام .
3- الارتكان الى الحلول المحلية بشكل عام و الابتعاد عن نصائح القوى الخارجية مهما كانت، لانها اثبتت بانها ليس لديها الا اقوال و دوافعمصلحية لذاتهم، و ما يهم الشعب العراقي اخر ما يفكرون به .
4- العمل وفق اقتناع الفئات و المكونات بما يطرحون و اتخاذ القرارات بحرية بعيدا عن اي شروط مسبوقة .
5- اتخاذ الصراحة و الابتعاد عن الدبلوماسية المظهرية التي يمكن ان تطرح حلول مؤقتة او توافق مرحلي و يمكن ان تكون جمرة الخلافات موقدة من تحتها باستمرار، و لا يمكن ان يصل السلام عندئذ الا لاشهر فقط او يكون تحت طائلة الحكم بالقوة و بذلك لا يدوم و لا يكون مضمونا .
5- العمل وفق عقلية الفرد المنسلخ عن خلفيته الفكرية الايديولوجية و العقيدية من خلال نقاشات الطاولة المستديرة و ايجاد الحلول بعقلية متفهمة عصرية بعيدة عن السياسة و المزايدات .
6 – يجب ان يكون المشروع موثوقا سواء من حيث نصه او من يحمله، و عليه يجب ان تعلن القوى الوطنية العراقية و السلطة نداءا للجهات الاكاديمية و العقليات المستقلة الموثوقة بها لطرح افكارهم و مشاريعهم و الاجماع على اختيار مشروع هام من ضمن المشاريع التي تطرح على الشعب من اجل النقاش حوله و اقراره و امراره من اجل تثبيت اهم بنوده لفرضه او العمل وفقه على الارض .
اننا من جانبنا و من عقليتنا و امكانيتنا المتواضعة التي نقيّم بها الواقع العراقي و من خلفيتنا و اعتبارا من التاريخ و ما يعيش فيه العراق الان و ما نستند عليه نتيجة التراكمات الكبيرة التارخية التي تؤثر على مسير العملية السياسية من جانب و على عقلية المتسلطين من جانب اخر . فانني و منذ اكثر من عقد و حتى في ذروة انشغال القادة في بناء العراق الجديد وفق الديموقراطية و التوافق اعتقد بان الحل في حكم الذات بالذات، اي حرية اتخاذ القرار من قبل اية فئة تتسم بالنقاط المشتركة الكثيرة فيما بين ابنائها و تختلف اجتماعيا و سياسيا و فكريا و عقيديا و حتى تاريخيا و جغرافيا عن الاخر، و اعلنت هذا كثيرا على الملأ، و به يمكن ان نجد ثلاث مكونات رئيسية التي يمكن ان نقول انها تتميز عن بعضها في اكثر النواحي و من تلك الجوانب التي اعددناها من قبل . فاما عن طريق انبثاق الدول المستقلة الثلاث او الكونفدرالية فيما بعد الاستقلال وفق اتفاق مسبق او اللاحل النهائي الجذري، و المتضرر الاول و الاخيرفي هذه الحال الاخيرة هو ابناء هذه المكونات الثلاث التي تكّون الشعب العراقي . ان مشروع التسوية الجديد لا يكون سوى اضافة ورقة اخرى ذات بنود ترقيعية الى المشاريع المتجمعة على رفوف المشاريع السابقة دون اي يُتخذ وفقها اي حل على الارض . و هذا ما يعاني منه اقليم كوردستان في محاولات لحل ازماته الداخلية المعقدة التي سببتها القوى الكوردية الداخلية و المتسلطين على رقاب الشعب الكوردستاني، و هم يطرحون الحلول الترقيعية ايضا كما هو المطروح من قبل الحكيم للعراق.[1]