ماهو الهدف الاستراتيجي المشترك للقوى الكوردستانية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5420 - #02-02-2017# - 22:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
منذ انبثاق جمهورية مهابات و لم نلمس هدفا استراتيجا واضحا و مباشرا يعبر عن امنية الشعب الكوردستاني لدى الكورد و ثوراتهم، الشعارات المرحلية لم تصل الى الاستقلال بحيث يمكن ان تحمله القوى السياسية المؤثرة بعيدا عن الحسابات السياسية المرحلية او بعيدا عن الظروف الموضوعية التي فرضت نفسها على افكار و عقول الجميع، اضافة الى الاحساس بالنقص نتيجة ما مروا به تاريخيا دون ان يحسوا بالمواطنة و الانتماء الى كيان خاص بهم . فاننا عشنا في مراحل كانت القوى تحمل شعارات وفق ما كانت تطلبه مرحلته و ظروفه بحيث بدانا من اللامركزية الى الحكم الذاتي و من ثم حق التقرير المصير الى مابعد السقوط و الفدرالية التي فرضت نفسها على الجميع على الرغم من عدم ايمان الاكثرية الشعبية و الحزبية بهذه ايضا و اعتبرتها هدف مرحلي فقط . غيروا اخيرا ما كانوا يحملونه منذ مدة طويلة من شعار الديموقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكوردستان، و هناك من حمل حق تقرير المصير مع التاويلات المختلفة لهذا الشعار، بحيث كان الادعاء في احيان على انه يعني ما يؤمن و يقتنع به الشعب من الحكم الذاتي و غيره ايضا، على الرغم من ان المحتوى القانوني له لم يحمل الا الاستقلال، اي اتخاذ الفدرالية بدلا عنه يعتبر تنازلا عن الشعار بذاته و تراجعا عما يعني جوهره و تاويلا خاطئا لما يضمنه جوهر الشعار .
اي، ان الحسابات الفوقية السياسية و الاعتبار للوضع العام للبلدان التي توزع عليها الكورد كان المقياس الاساسي لحمل الشعارات و ليس ما كان الجميع يؤمن به في قناعة ذاته و ما تحمله عليه مبادئه و عقليته و تاريخه . اي، انه كانت دائما هناك من المسافات الطويلة و البعد الشاسع بين فكر و عقلية القيادة مع ما كان يؤمن به الشعب منذ انبثاق الدولة العراقية لحد يومنا هذا . و لذلك لم ينجحوا في اية مفاوضات على الرغم من االادعاءات العدية التي اطلقوها بعد كل فشل، بانهم حملوا مشاريع او برامج سياسية للحل مع مركز الدولة، وان التفاوض في اكثره كان انفراديا لقوة و اخرى و لم تتفق على اي منها القوى الكوردستانية مجتمعا، اي تصرفواوفق ما يمليه عليهم حزبهم في كل شوط من تلك المفاوضات، و حتى ضمن الحزب الواحد لم يخرجوا براي مشترك اثناء تلك الفترات من العملية، و خالفوا على ما كانوا يريدون التفاوض حوله و كان حتى تحديد وقت التفاوض محل الخلاف بين القيادات و الكتل و من ثم الحزب و من ثم بين الاحزاب، و الامرّ من كل ذلك، ان التفاوض اصبح عاملا بيد الجهات السياسية من اجل فرض سيطرتها و صراعها مع الاخر الكوردي او الاستعانة بالمركز من اجل مسح و نفي الاخر، و كما شاهدنا حتى وصلت العلاقات بين اربيل و بغداد الى استقدام القوة العسكرية للنيل من الحزب المنافس ابان الحرب الداخلية . و هناك كلام كثير عن كيفية ومدى و طرق مساومات القوى لهذه الدول التي تنقسم عليها كوردستان باشكال و الوان و تنازلات مختلفة، و كانت كل علاقة على حساب الحزب الاخر من جهة و الشعب بشكل عام من جهة اخرى، و لا يمكن نسيان ما افرزت من السلبيات اثناء تلك المفاوضت او بعدها .
دعنا من التاريخ الحديث، فلنتكلم على المرحلة الانية التي نحن فيه . و بعدما وصلنا الى وضع مغاير نتيجة الظروف الموضوعية التي اثرت على المنطقة بشكل كلي، منذ الانتفاضة التي حدثت جراء احتلال السلطة العراقية للكويت و بعد تحريرها من قبل التحالف العالمي، مما هيء الوضع المستجد في حينه ارضية ما حصل و اصبحت المتغيرات من العوامل الرئيسية التي ادت الى تغيير حال الكورد بشكل كبير .
بدايات التغيير، و من خلال سيطرة الجبهة الكوردستانية على السلطة الكوردستانية، لم نجد من يقرا المرحلة بشكل علمي و من خلفية محايدة حزبيا او شخصيا، بحيث لم نجد شعارا استراتيجيا رئيسيا موحدا لدى القوى، و الايمان به و اعتباره خط احمر، بحيث يحرموا تجاوزه، بل الخلافات الكبيرة ابعدت حتى النقاط الثانوية المتفقة عليها من قبل، كل ذلك من اجل مصالح حزبية ضيقة وليس ايمانا بما يهم الشعب . ان الاخطاء التي ارتكبت من قبل هذه القادة التي يتلسط بعض منهم على رقاب الشعب لحد اليوم تعتبر كفرا عظيما و خطيئة لا يمكن ان تغتفر، و لم يعتبروا بما حدث في تاريخ الكورد الغابر و الحديث ولو بخطوة واحدة من توجهاتهم .
في المقابل من خلال التاريخ الطويل التي التصقت بها كوردستان قسرا و دون ارادة لهم بهذه الدول لم تبق حيل و مؤآمرات و مخططات جهنمية لم تنفذها مراكز هذه الدول ضد الكورد في كافة المراحل التي مروا بها سلما كانت ام حربا بينهم .
فلنتكلم عن التاريخ الحديث و ما بعد سقوط الدكتاتورية . فان التغييرات الجذرية التي حصلت اغلقت الطريق كثيرا اما السلطة المركزية في العراق ان تمارس ما مورست من الاعتدائات العسكرية من قبل ضد الكورد، الا انها لم تقصر في كثير من الجوانب من الوقوف ضد امال الشعب الكوردي و ما تصارعه اقتصاديا و سياسيا بحيث لم تعتبر من الاحداث التاريخية و ما جرى بين الكورد و المركز العراقي، . فان لم تكن الظروف الدولية من جهة و الضعف القدرة العسكرية للمركز و الحروب الداخلية في العراق من جهة اخرى لما كنا حقا الان في سلم و امان في كوردستان و العراق ايضا . لان السلوك و التوجهات و الافعال التي شهدتها المراحل السياسية المتعاقبة فيما بعد السقوط و الصراعات و افعال القادة العراقيين الجدد ازاء الكورد لم يكن بافضل كثيرا بحيث يمحي ما واجه الكورد من السلطات الماضية من الظلم والجور بل اعاد الى الاذهان ما واجهه الكورد في تاريخه دون نقص .
اما من جانبنا نحن الكورد في هذه المرحلة و ما نسير عليه داخليا، لسنا بافضل حال لاي مرحلة مررنا بها من قبل . ليس لدينا هدف استراتيجي محدد عليه اجماع شعبي و حزبي لحد هذه الساعة، لا بل هناك خلافات كبرى حتى على اصغر شعار و لم يعلم الفرد الكوردستاني ماذا يريد هؤلاء و ما هو هدفهم و لماذا لم يعتبروا من التاريخ و ما هو المصير الذي يمكن ان نصل اليه و كيف يمكن ايجاد الحل للمشاكل الداخلية الكبيرة التي تورطنا بها مما فرض عدم توحيد الرؤية و الهدف و عدم الانسجام و الاختلاف و الخلاف الذي ادى الى اختلاف القوى حول التعامل مع المركز حتى باصغر توجه، و لم يحملوا ما يؤمن به الشعب ، لا بل يساومون على اكبر هدف نتيجة الصراعات و الخلافات الحزبية، و هذا ليس فقط مع مركز العراق بل ان العلاقات المتشعبة مع عواصم الدول التي انقسم عليها الكورد جميعا تشهد على ذلك ايضا .
المؤلم حقا، ان الهدف السامي الكبير و هو استقلال كوردستان الذي ضحى الشباب الكوردستاني بكثير من اجله، اصبح لعبة بيد القوى، فمنهم من يحمله تضليلا او تغطية لمشكلة او مزايدة سياسية من اجل كسب ود الجماهير او من اجل عبور مرحلة وانقاذ النفس من فشل في امور السياسة و السلطة التي اوصلوا انفسهم اليه، و من هم لا يؤمنون به اصلا، بل يساومون عليه لاصغر مكسب مع مراكز هذه الدول، و منهم من تورط بين التوجهين و بين ما يريده الاخرون على الساحة و لم يحدد اهدافه بشكل قطعي لحد اليوم .
ان الفوضى السياسية العارمة التي تعيش فيها كوردستان من هذه الناحية، اي عدم حملهم لهدف عام واحد و ابتعادهم عن الاجماع حول ما يهدف اليه الشعب و ما يهمه من المصالح العليا، اصبحت عائقا كبيرا امام مسيرتهم اكثر من خطط و مؤآمرات و مصالح اعدائهم . انهم غير مجمعين على ما يمكن ان يتحدثوا به مع مركز العراق لحد هذه الساعة و امامهم قريبا زيارة لوفد منهم للتباحث مع بغداد . لا يعلم احد كيف و ماذا و باي شكل و اسلوب و طريقة يتكلمون و ما يهدفون، هل يتفاوضون على الاستقلال و دون ادنى منه، و كيف في وضع نعلم جميعا ما نحن فيه دون اية اعمدة رئيسية للنجاح في هذه المهمة الاستراتيجية المصيرية، ام هل تطبيق الدستور و الشراكة مع المركز و حل المشاكل السياسية العسكرية الاقتصادية هي الاولى لديهم للتفاوض عليها، و كما نعلم فان ما بين التوجهين فرق شاسع لا يمكن تصفيته الا بالاتفاق الداخلي و الاجماع قبل التوجه الى بغداد، و هذا غير ممكن في الظروف الحالية من الخلافات الكبيرة بين القوى المتنفذة المسيطرة على زمام الامور في كوردستان . ام ان شعار الاستقلال ليس الا ورقة ضغط امام المركز و جميع القوى تؤمن بالبقاء على الفدرالية كحد اعلى للمطالب و التفاوض يكون حول الامور الداخلية و المشكلات بين المركز و الاقليم من الناحية الاقتصادية فقط . و عدم وضوح الامر لدى حتى القوى التي يمكن ان تتشكل منها هيئة او لجنة التفاوض سيكون نقطة ضعف عند الوفد الكوردي في مجريات المفاوضات التي يريدون اجرائها في بغداد، و يذهب الوفد الكوردي حاملين و موفرين المجال لاهداء اكبر فرصة للساسة في بغداد للمناورة معهم في جميع المواضيع المطروحة . عدا الخلافات و هشاشة الوضع السياسي الاقتصادي الكوردستاني الذي يعلم المركز كافة ثناياه .
لذا، لا يمكن ان نعتقد بان حال الكورد كما هي عليه من كافة الجوانب يمكن ان تصلح بامور شكلية و خطوة صغيرة مرحلية هنا و هناك او بمماطلة لانتظار الفرصة او بالاعتماد على دول الجوار، ان الداء الفعال و الشافي لمرضنا هو التوحد و الاتفاق الداخلي حول جميع القضايا السياسية و تهيئة ارضية للتعاون و تحديد الخط الاحمر للجميع دون ان يتمكن احد تجاوزه و سد الثغرات التي يمكن للاخر نفاذها و ترسيخ المقومات الضرورية للوقوف في صف واحد و ككيان واحد للتفاوض مع المركز من موقع القوة حول اي شعار يمكن ان يتوحدوا و يتفقوا عليه، و خير شعار عندئذ هو ما يؤمن به الشعب و يحمله و يضحي من اجله الكثير و هو فوق كل الاعتبارات الحزبية و الشخصية و الايديولوجية، و هو استقلال كوردستان و بناء دولة مستقلة حرة تيعش فيها كل المكونات العرقية والاثنية بسلام و امان .
اذن السلطة الكوردستانية التي اوصلتنا الى هذه المرحلة امام ثلاث خيارات يجب ان يختار احدها و لكل منها سلبياته المرحلية، و ليس امامها الا العمل على توحيد الرؤى للخروج من عنق الزجاجة التي اوقعت نفسها فيها، كي تخطوا نحو الاستقرار و يطمان الشعب لمستقبله : اما يتفقوا داخليا على الرغم من الصعوبات و يقتنعوا بان الاستقلال هو الحل الوحيد و الفرصة سانحة لاعلانه، او يتفقوا على ان الفدرالية و تطبيق الدستور الحالي و ما فيه التراجع حتى لقوة السلطات التي تمارسها السلطة الكوردستانية كل هذه المدة التي سارت كل منذ سقوط النظام العراقي، و هي تعمل كشبه دولة مستقلة بعيدا عن الكثير من بنود الدستور العراقي و كما لم ينفذ المركز ايضا بنود كثيرة منه، او يبقى على حاله كما هي و السير على ما سارت عليه و دون ان تضمن مستقبل كوردستان و منتظرة ما يفرضه عليه قدره و ما نصل اليه بعد حرب داعش و المتغيرات التي تؤثر على وضع المنطقة ، و تبقى كوردستان على حالها المترجح وفق ما تفرضة المراحل المتغيرة الاتية و من ثم لم نحمل في تفكيرنا الا القلق من مصيرنا النهائي مستقبلا.[1]