حلم المنطقة الآمنة
بات الشرق الأوسط يعيش الحرب العالميّة الثالثة، وبات بإمكاننا استشفاف بعض الحلول المتوقّعة على الساحة الكرديّة عموماً والساحة السوريّة بالمحصّلة؛ هذه الساحة السوريّة التي فقدت آليات الحلّ فيها وأثبتت عقمها من خلال عدم سيطرة أي من التيارين لا القوميّ ولا الإسلاميّ بكلّ أنواعه للقضاء على النظام الاستبداديّ، وباتت الأنظار تتوجّه إلى القضيّة التي مفادها: “لا حل لقضايا الشرق الأوسط إلّا بحلّ القضيّة الكرديّة” القضية الكرديّة التي أصبحت حديث الساعة، سواء بقمع الكرد والقضاء عليهم، والهجمات الصريحة من مثقّفي العرب الذين دأبوا إلى بثّ روح التفرقة والعنصريّة، وصدور الكلمات النابية من أولئك المتثاقفين الذين أوهمونا أنّهم أخلاقيون وحضاريّون في بداية الثورة، وسواء بحلول طرف آخر يستخدم العقل والمنطق ويلجأ إلى الأخلاق ويرى أنّ الحلّ يكمن في حلّ القضيّة الكرديّة، والنظر إلى أنّ الحلّ الإقصائي والإباديّ على أنّه لا جدوى منه، وخاصّة بعد أن أثبتت وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب قدرتها على استلام زمام الأمور، وتحرير المناطق من العدوّ الذي لا يستطيع أحد أن ينكر من المحلّلين والوطنيين والإنسانيين والعالم بأسره على أنّ داعش عدوّ الشعوب لا محالة، ما أدّى إلى فقدان أعداء الإنسانيّة توازنهم بعد انتصارات هذه الوحدات وخاصّة في تل أبيض – #كرى سبي# وصولاً إلى #الحسكة# فصرين.
إنّ النفس العدائي “العربي الكردي” و”الكرديّ الكرديّ” يخدم بالضرورة عشّاق الحرب بعد أن فقدوا كلّ أوراقهم، فالخاسرون في هذه الحلول السلميّة المطروحة على الساحة السوريّة هم تجّار الحروب والأزمات والمتمثّلون في قيادة حزب العدالة والتنمية وأتباعهم، بعد فقدانهم كلّ أوراق التحكّم بالأزمة، عقب تحرير المعابر الحيوية من قبل وحدات حماية الشعب والتطلّع إلى تحرير جرابلس ووصل كوباني بعفرين، الأمر الذي سيودي بحياة تجّار الحروب الذين راهنوا على احتلال سوريا من قبل العقليّة التي ترى في تصفية الكرد وفتح ممرّ لأنبوب الغاز بين قطر وتركيا، وانتهاز الفرصة للسيطرة على القضيّة الكرديّة واسترداد حلم الإمبراطوريّة العثمانيّة، وحلم الولاة العرب الجدد الذين باتوا يحلمون بالتبعية التركيّة واستعادة أمجادهم في تقديس السلاطين.
إنّ حلم المنطقة الآمنة الذي كان يمتدّ على طول الحدود التركيّة السوريّة في عقلية السلطان العثمانيّ بات يتقلّص يوماً بعد يوم، حتى وصل الحلم إلى 80 كم فقط، وكأنّه يقول: “طلبت كلّ الحدود فلم توافقوا أتستكثرون عليّ 80 كم فقط، إذاً عليّ وعلى أعدائيّ” وكأنّه تاجر مفلس فقد كلّ ما يمتلكه وبات يتخبّط وقد جنّ جنونه للتمسك بعقار بسيط من ضمن أحلام العقارات الكبيرة التي رسمت في مخيّلته، ما يحيّرني في هذا الأمر أولئك التابعون وتابعوهم إلى يوم الدين الذين لا يفوتون مناسبة لتقديم فروض الطاعة والولاء إلى هذا المتجبّر.
لقد أثبت التاريخ نهاية أمثال أولئك المتعنتين الذين هدّمت تماثيلهم وزعزعت عروشهم بعد وصولهم إلى العناد التاريخيّ المهلك، وما كلّ هذه الفواتير التي دفعها التحالف للقضاء على الإرهاب الداعشيّ لإرضاء السلطان، فالقوى الرأسماليّة العالميّة قد وصلت إلى حلّ مفاده أنّ أيديولوجيّ القومية تنتج حلولاً عقيمة لمصالحها، وكذلك الأيديولوجيات الإسلاميّة لا تنتج سوى الإرهاب الذي يهدّد أمن مصالحهم، وبالإمكان توظيف ورقة الإرهاب الإسلامي في أيّ مكان لخلط الأوراق وتأديب الحكومات التي لم تستطع أن تجد توافقاً بين دكتاتورياتها وهيمناتها وبين فتح السوق أمام المصالح الليبراليّة، وقد وجدوا أنّ التيارات الليبراليّة لا تمتلك قوّة على الأرض ولا تستطيع الصمود أمام أيّة هزّة بسيطة، ولا تستطيع أن تفسح المجال لتمرير مصالحها الرأسماليّة.
من ضمن كلّ هذه التيارات عقيمة الحلّ كان لجوء الرأسمال العالمي بالتفكير جدّيّاً بالحلّ الديمقراطيّ الاجتماعيّ الذي طرحه السيّد أوجلان في مرافعاته داخل معتقله، والذي تجسّد عملياً في انتصارات وحدات حماية الشعب عسكرياً والقدرة على التوافق الاجتماعيّ ضمن المكونات القومية والأثنية في هذه الجغرافية المعقّدة التي بثّ فيها الفكر العروبي سمومه مدّة خمسة عقود وأكثر، فما كان إلا أن ينظر في هذه المعادلة، وهذه الفلسفة التي لا ترفض التوافق والبحث عن الحلول، وتنتج التضامن لا العقم.
إنّ كثافة الأحداث وتداخلها في هذه الفترة الحرجة من عمر ثورة الشعوب في الشرق الأوسط، والمواضيع الكثيرة والمتشعّبة والمصيريّة وهي تلقي بظلالها على الساحة تكشف لنا قرب الوصول إلى الحلول، فمن موضوع المنطقة الآمنة وطرح الخيار العسكريّ من جهة حكومة حزب العدالة والتنمية على جبال قنديل، وصولاً إلى أزمة الرئاسة في إقليم كردستان (جنوبيّ كردستان) وحلّها من خلال الوسيط الإيراني، وصولاً إلى التقارب بين حزب الشعوب الديمقراطيّة وحزب الشعب الجمهوريّ في نقاط عدّة.
إنّ حلم الإسلام السياسيّ قد تلاشى بعد القضاء على مرسي في مصر، وقد طويت صفحة التأمّل في هذا الحلّ، وما “اتفاقيّة الهاتف” بين أوباما وأردوغان إلا تكتيكاً آنيّاً، ففي الوقت الذي تتفق فيه أميركا مع إيران علنياً أمام كلّ أنظار العالم، يتّفق مع أردوغان على الهاتف وكأنّها مسرحيّة رسائل مكماهون والشريف حسين.[1]