التخاذل العربي بعد الغزو العثمانيّ الأخير
صلاح الدين مسلم
في العاشر من هذا الشهر فرشت جبهة النصرة الأرضَ زهوراً أمام كتائب السلطان العثمانيّ، عبر أضحوكة كتائب (السلطان مراد) و(كتائب السلطان عبد الحميد) وكأنّهم المهاجرون العائدون من مكّة إلى المدينة المنورة في وضح النهار، وهي تجتاز بمدرّعاتها معبر السلامة بكل أمن وسلامة، وتحتلّ سوريا بهدوء وأريحيّة، وتحت غطاء سياسيّ من الائتلاف الذي أصبح يتفرّد بتمثيل المعارضة السوريّة، الذي شرعن لهذا الاحتلال، وكأنّها اشتاقت إلى وحشيّة السلاطين العثمانيين الذين غابت مظالمهم عن بال مدّعيي الوطنيّة، فعيد الشهداء مازال ماثلاً كلّ سنة أمام ذاكرة أولئك الهاربين من شبح الذاكرة.
إنّ نتائج تسليم ستّة مدنيين كرد إلى جبهة النصرة التي مازالت تصنّف ضمن لائحة الإرهاب قد بانت، ومازالت تركيا تتبجج أنّها تحارب الإرهاب، فيأتي أولئك الإرهابيون الأتراك ويعلنون المنطقة اللاآمنة، وستظلّ لا آمنة مادام الكرديّ موجوداً.
فالعربيّ الذي يشرعن للاحتلال العثمانيّ -لا محالة- أنّه مصاب بداء الاشتياق إلى خوازيق السلطان عبد الحميد الثاني (ذاك الاختراع العثماني التركيّ الصرف) الذي استخدمه الوالي جمال باشا السفّاح لمعاقبة مثقّفي النهضة العربيّة إثر خسارته في حرب الترعة قبيل اندلاع الثورة العربيّة الكبرى بقيادة الشريف حسين، ومازالت ذكرى الشهداء الثلاثة والعشرين من روّاد اليقظة العربيّة ماثلة في ذاكرة الشعب العربيّ، ومازال يستحضر قرون الجهل والتخلّف في ظلّ الإمبراطوريّة العثمانيّة التي وأدت نور الثقافة والوعي في الوطن العربيّ بل في الشرق الأوسط برمّته، وظلّ الكتّاب العرب يصفون مآسي الشعوب من طغيانهم حتى قبيل اندلاع ثورات الشعوب وربيعهم في المنطقة، لكن سرعان ما تناسى أحفاد عبد الغني العريسيّ ذاكرتهم، وتحالفوا مع قاتليه ضدّ وطنهم الذي باتوا يقسّمونه بيد قاتلِي أبناء جلدته، فهاهم مثقّفو اليقظة العربية الجدد متسلّقي الثورات يحملون راية الخنوع والعبودية في حانات السلطان.
أيّها الوطنيّون الافتراضيّون! لكَم أنتم متورطون في هذا التخاذل المخزي أمام هذا الخرق السافر للحدود المقدّسة، أيّها المتلوّنون بألف لون ولون، فمن المضحك المبكي أنّكم لم تعارضوا هذا الاحتلال، ولم يقف أحد منكم عائقاً أمام دخولهم من معبر السلامة.
لم يكن موقف النظام السوريّ بأفضل من مواقف معارضيه، وهو يتفرّج بصمت أمام هذه المهزلة التاريخيّة، كما تفرّج سابقاً أمام حرب كوباني، بل باتت مغازلة النظام السوري لتركيا واضحة عبر بعض الأشخاص المرضى، فالفوبيا الكردية خرجت إلى الساحة مرّة أخرى، والكلّ كشف عن قناعه، فهذه الخطوات التكتيكية هي أقذر الخطوات على حساب الشعوب، فهم يضعون خلافاتهم جانباً مادام الأمر يتعلّق بالكرد، لكن الواقع يشهد أنّهم مرعوبون من هذه التجربة الديمقراطيّة التي ستنسف بكلّ الديكتاتوريّات، فكارثتهم الحقيقيّة تكمن في المشروع الديمقراطيّ في #غربيّ كردستان# الذي يعتبر العدو الرئيس لهم، فهو القلق الوحيد لهم، لا كُتّاب الفيسبوك العرب الذين نظّموا دواوين من النحيب والبكاء على الأطلال والأوابد.
إنّ الصمت يتسرّب في مسامات الوطن العربيّ أجمع، فالبيان المصري كان خجولاً جدّاً، ومواقف قطر والسعودية واضحة منذ بداية الثورة، لكن الآن تتداعى الحدود العربيّة، والشعار العربيّ بدأ يتهاوى، وهم يجترّون صمتهم أمام هذا الاختراق الصريح لمنظومتهم الشمّاعة التي كانت تلك الأنظمة العربيّة تعلّق عليها خطاياها، فكما مزّق داعش الحدود السوريّة العراقيّة فتركيا أيضاً تقوم بهذا الدور، فلتتخلّوا عن شعار العروبة ولنتحاور على هذا الأساس، ولتعيدوا ترتيب عجزكم أمام عواصف التغيير الحدودي، فلا يحقّ لكم من الآن فصاعداً لوم الكرد إذا مزّقوا الحدود التي جزّأت كردستان إلى أربعة أقسام، فالكرد من أكثر شعوب المنطقة معاناة من مخلّفات الحدود القذرة التي مزّقتها.
أين الروس من وعيدهم الترك: (إنّ الأتراك سُيلاقون الجنود الروس أمامهم إن اجتازوا الحدود؟!) أين أميركا؟! عندما بدأت ترجّح خيار تفتيت المنطقة بوساطة الكيانات التركمانيّة الاصطناعية التي لا تعكس ديموغرافية المنطقة، حيث نوّهت بريطانية إلى خطر الصمت الأميركيّ؛ حين عنونت كبريات صحفها بالخطّ العريض (إنّ تنازل أميركا للمشروع التركيّ يعدّ السقطة التاريخية الكبرى بعد عام 2000).
إنّ حزب العدالة والتنمية التركية يمارس صلاحياته فوق القانون وفوق الدستور وفوق شرعية الانتخابات، عبر الكلاديو والعصاباتية والمافياويّة وبدأت ترجّح عقلية الإبادة والصهر على خطّة السلام الوهميّة التي خدّرت بها الشعوب، ومازالت تتبجّج وتنادي بأعلى صوتها (التركمان فقط التركمان) ضمن التأييد المافياوي الائتلافي.
إنّ عمليّة ضرب جرابلس هي الخطوة التي يجب أن تتّخذ فوراً لنسف هذا المشروع الاستيطاني التركي، فمازال مكمن الخطر على كوباني من جهة الغرب “جرابلس”، وهو رد دفاعيّ مشروع ضدّ الخطر القادم على كوباني من جهة الغرب هذه المرّة.
إنّ أميركا تزيل الحدود عبر القوى التي كانت ومازالت تقدّس الحدود، دون أن تدري تلك القوى أنّها تقع في فخّ إزالة الحدود عن بكرة أبيها، فنقّعوا حدودكم المقدّسة بماء الحقد وفوبيا الكرد، واشربوا من سمّه لعلكم تستيقظون على أمم وشعوب ديمقراطية لا تعرف معنى الحدود، فالكرد قد رفعوا راية توحيد الشعوب ضد الأنظمة القومويّة والإسلامويّة.[1]