كل الزوايا مرئيّة بسقوط اردوغان
سيهانوك ديبو
كانت نهاية الدكتور فاوست رهيبة حينما وجدوه مُقطَّعاً بعد فترة عاش فيها كمجنون، وبعدما شَهُرتْ حاله وذاع صيته كأكبر ساحر في زمن حجر الفلسفة الذي أنتظر الأهالي منهم تحويل الحجر إلى ذهب، وجنون فاوست جاء بعد ابرامه عقداً مع الشيطان؛ أن يصبح ساحراً خارقاً مقابل طاعته العمياء للشيطان، أي باع نفسه للشيطان مقابل استبداده وتحكمه بالناس على مختلف طبقاتهم، وفاوست كما الفاوستيين الجدد تختلط عليهم الأمور ويترائى لهم الأمر بأنهم مثل كرة الثلج كلما تدحرجوا إلى الأمام كلما ازدادت أحجامهم وبَعُدت حقيقتهم متحولين إلى الأسطورة، من المؤكد -هنا- بأن مكائد السرد هي التي تحول الحكايا إلى أسطورة؛ لكن يشتهي البشر السلاحف التشبث بالأساطير.
شخصية الدكتور فاوست تكاد تنطبق على كل المستبدين الذين ظهروا في حركات الربيع وفي جوانبها؛ منهم أردوغان الذي أوهم الناس بأنه السياسي الذي طوى صفحة العلمانيين الذئاب في تركيا، وهو الذي طوى صفحة لواء اسكندرون ونزعها بمعية المستبد السوري حتى من كتب الجغرافية السورية، وهو الذي أحدث وثبة في الاقتصاد، وهو الذي أوهم بأن سلاماً داخلياً في تركيا بينه وبين الكرد سيؤَسَسْ، وهو الذي أوهم من خلال سفينة (نوح) بأنه مُخَلِّص الفلسطينين، وهو الذي أوهم الشعب السوري بأنه منقذهم؛ أما آخر انقاذاته السورية بأن ما يُعرف بحكومة الائتلاف قدّم رئيسها اللجوء إلى أوربا على شاكلة بعض مؤتلفيه الكرد. وإذا كان أردوغان هو فاوست، فمن هو شيطانه؟ أو من هم شياطينه؟ إنهم كُثُرْ وربما لن يكترث أحد من هم بالأساس؛ فمحنة وترنح أردوغان هي المدعاة للوقوف حول مصائر المستبدين المتشابهة، والأهم من ذلك أن جميع الزوايا المرئية والمخفية أو العَتِمة تؤكد على النهاية نفسها مثل نهاية فاوست. ومن هذه الزوايا:
– تهديد التنظيم الإرهابي المسمى داعش لأردوغان؛ إذا كان صحيحاً؛ بسبب انقلاب أو نصف انقلاب أردوغان على التنظيم الذي أمَنّ له ولزمرته النفط السوري والعراقي بالإضافة لآثار العراق وسوريا وبأبخس الأسعار، وأمور كثيرة أخرى مقابل تمددهم في شمال سوريا وشرقي العراق بمساعدة رهطه؛ بدءً من قنصله في الموصل وانتهاءً بأردوغان وعائلته.
– شهر العسل الأمريكي الأردوغاني تبخر بعد عشر أيام من افتضاح أمره وبيان نواياه بشكل كبير ( أكثر من خمسمائة طلعة جوية ضد الكرد مقابل ثلاثة عمياء ضد داعش).
– تركيا ليست فقط أمام استحالة أن يكون لها دور مؤثر في سوريا المستقبل بعدما جاهدت – مثل غيرها- أن تُحوِّلها إلى مركز تصفية حسابات؛ إنما سيكون هام همومها اليوم أن لا تتحول إلى سوريا أخرى محطمة سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً.
– علاقاتها في سيء الحالة مع روسيا بسبب خلاف الغاز (القديم) ودعم التنظيمات المتطرفة في سوريا(المستجد).
– المناكفة التاريخية مع إيران والتي وصلت أعلى مستوياتها بعد اتفاق النووي مع الدول الست.
– التزاحم لقطع الطريق على القوات الكردية والكردستانية؛ ومن أجل ألا يكون لهم أي دور حقيقي كشركاء للتحالف الدولي العربي بقيادة أمريكا ضد الإرهاب؛ وأرعبته انتصاراتهم وربما كانت أحد أكثر الأسباب وراء (تَذَكُّر) تركيا المفاجئ بأن داعش ارهابية والسماح لمقاتلات الحلف الجوية استعمال أنجرليك.
– داخلياً: كان لأردوغان أن يمنح المعارضة التي حصدت 60% من الأصوات؛ فرصة أن تُشِّكل حكومة ائتلافية، ولكنه مثل أي استبدادي لم يوفر أي جهد وأي دم ويرتكب المزيد من الدمار كي يبقى. أما الأول من تشرين الثاني فهو تاريخ سقوطه المدوي الذي اختاره بنفسه، خاصة إذا ما سارت العملية الانتخابية بأصولها فأنه من المؤكد بأن فاوست/ أردوغان سيخسر فوق خسارته في تموز بِ 10% أخرى ويكون مجموع ناخبيه الثلث في أحسن الأحوال.
الكرد في تركيا ممثلين بحركة الحرية الكردستانية والأخيرة وحدها من تمثلهم وتمثل غيرهم وستمثل غيرهم أيضاً؛ هم الناجحون، والعملية الانتخابية المقبلة كإحدى المعايير الديمقراطية سيحققون حوالي ال 150 كرسياً في البرلمان وهذا أضعف الأيمان. لا أود تكرار ما كتبت قبل فترة؛ لكنه ترنح أردوغان الأخير، وسيكون فاوست آخر قد ذهب؛ لكنّ مصفوفاته ونُسَخه كثيرة تنتظر الرحيل.[1]