أخلاق الثورة وثورة الأخلاق
لايزال البعض من أصحاب العقول الضحلة، يظنون حتى اﻵن أن الثورة لا تحتاج إلى رأسمال إنساني وأخلاقي أو فكري ولا إلى فلاسفة ومنظرين وعقلاء لضبط إيقاعها الثوري وللمحافظة على عمقها الإنساني . و إن جل ما تحتاجه هو فقط رأسمال نفطي لشراء السلاح والعبوات الناسفة و الذمم ، بالإضافة الى ما يثبط العقل وينشط الغريزة . ليتحولوا بعدها إلى ثوار مفترضين لثورة مفترضة لعالم جل ما إستطاع تقديمه نفخهم لهكذا معارضة وإقناعهم أنهم ثوريوا العصر ليس فقط في سورية بل المنطقة برمتها ، وهم يدركون جيداً أنهم تحولوا إلى مجرد آلة لقتل وتدمير البشر والحجر تقودهم غريزة مجردة من كل شئ له علاقة بفكر” أو أخلاق” أو عقل. عند التطرق للحديث عن ما يسمى بين قوسين ( الثورة السورية ) بشكل عام ,وثورة روج آفا بشكل خاص . سنجد النظرية وعكسها في نفس اللحظة السياسية ، وعلى نفس الأرض التاريخية لنمطين و شكلين من الثورة . ومنهما نستنبط نموذج الثورة الأخلاقية و الأخرى العدمية والخارجة عن كل عقال وأخلاق. فثورات ما سمي بالربيع العربي والتي إتخذتها المعارضة السورية سبيلاً والتي تم تمويلها من الخارج وﻷجندات خارجية لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل ، والتي عملت على دمار وتخريب سوريا وتصدير الإرهاب والجهل ، وتنصيب أشباه المعارضين و الذين يتسمون بشوفينية عروبية لا تقل عن شوفينية البعث بل تزيده في الشعر بيتاً . لم يكن الرأسمال الفكري والأخلاقي للثورة يوماً من أولويات وإهتمامات هؤلاء ، ولم يحاولو قيد أنملة مقاربة هذه اﻷنواع من رؤوس الأموال وأقصد الفكرية والأخلاقية ، أما شهادات البروفيسورات ، والدالات التي تسبق أسماءهم فهي لم تكن إلا ذر الرماد في العيون ومن اللحظة الأولى من الأزمة السورية ، وكل ما حاولوا تكديسه من بضاعة كاسدة و مراكمته من أرصدة فكرية عفنة لا يتجاوز في مفهوم الثورات رصيد إبليس في الجنة . عرف الثورة عند هؤلاء توقف عند حدود الدولارات في بنوك الخيانة المدفوعة الأجر سعودياً وقطرياً وتركياً ، والثقافة السياسية فكرا وممارسة لم تتعدى عندهم حدود الدول الداعمة للإهاب . وقف جان بول ساتر ضد فرنسا – مع كونه فرنسياُ – و إلى جانب الشعب الجزائري في ثورتهم عندما راْى أن فرنسا تجاوزت كل حدود القتل والتنكيل والإجرام بحق الشعب الجزائري . في حين ﻻ تزال ما تسمى بالمعارضة السورية – وبدون أي مقاربة مع جان بول سارتر فليس هناك أي وجه من وجوه المقارنة – ما زالت تقف الى جانب الجهات االتكفيرية . عند أول كردي يصادفونه سائراً نحو الحرية ، وكل الإرهاب الذي يمارس على شعبنا السوري عموماً من قبل الإرهاب الإسلاموي و الذي يظهر بأبشع أنواعه وصوره وبأدهى أدوات الإجرام بحق الشعب السوري من جز” للرقاب و بتر” للأيادي و تمثيل بالجثث ودمار لكل سورية أرضاً وشعباً ، ليس إلا حقيقة صغيرة لما هم عليه وأقصد هكذا معارضة هدامة . إن ممارسة كل هذا الإجرام تحت يافطة ما يسمى ( الثورة ) من جهة والنظام القاتل من جهة أخرى دليل دامغ آخر على مدى الجهل والتبعية وعبادة المال والسلطة الخلبية التي يتمتع بها كل من هذا النظام وهذه المعارضة التي لا تقل إجراماً . كل الثورات العظيمة في العالم تميزت بتفوقها اﻷخلاقي على اﻷنظمة التي ثارت ضدها ، ناهيك عن تفوقها الفكري واﻷيديولوجي ، و لذلك جعلت اﻹنسان وحياته وكرامته هي الغاية الأهم و الهدف الأسمى لمسيرتها ، وعلى النقيض من كل ما سبق جاءت التجربة الكردية في روج آفا كنموذج راق للثورات العظيمة بفكرها وأخلاقها سلوكاً وممارسة على الأرض وليس في الفضاء الإعلامي وتحت نجوم الفنادق وفي دهاليز السياسات الإقليمية وأجنداتها المشبوهة . روج آفا وأبطالها من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المراة وكل الفصائل التي تم تأسيسها من المكون العربي والسرياني والذين يخدمون في مناطق الادارة الذاتية الديمقراطية ويضحون بأنفسهم وأرواحهم لأجل إنقاذ النساء والأطفال لجينبوا اﻷبرياء من ويلات الإرهاب وجرائم النظام والتضحية بارواحهم . ما هي إلا نتاج لثورة حقيقية يقودها الكرد في مناطقهم وخلاصة القول إن أي ثورة تفتقر في أساسها للأخلاق و القيم التي تصون كرامة الإنسان ، ﻻ يمكن أن يكتب لها النجاح ، أو أن تجد لنفسها موطئ قدم في أرض هي مهد الإنسانية و المولد الرئيس لكل القيم و المبادئ الإخلاقية التي تحترم جوهر الإنسان فكرا” و ممارسة”[1]