آلان الكوردي..وسم الملايين
د.شمدين شمدين
ماذا أقول عن إبن بلدي ذاك الذي أصبح حديث الساعة .. طفل لم يعتد الغوص عميقاً في غياهب المجهول بعد .. طفل هجّره الغرباء عن مدينته الهاجعة وسط التلال الشمالية , طفل ذاق وجع الترحال ومآسي الطريق قبل أن تبتلعه مياه البحار لتقذفه وحيداً ,بعيداً عن دفء أمه وحنان والده .. آلان ابن الثالثة .. صرخة #كوباني# الصامدة .. كوباني التي صبغت وجه التاريخ ببيارق النصر والمقاومة ضد الغزاة .. تعيد اليوم رسم التاريخ وتهز بقوة ضمائر العالم لتخبرهم عن حفيد التراب الذي حلم ببرالآمان..وأعتقد لبرهة أن هناك مكان ما في العالم يمكن أن يعوضه عن عصافير قريته ..عن مروج قريته .. حيث يعيش هناك أناس لا يعرفون الكذب والخداع .. أناس لا يعرفون المتاجرة بأحلام الصغار, نعم حلم ابن التراب آلان الصغير قبل أن تطأ قدمه الصغيرة قاع القارب المطاطي .. حلم بملاعب خضراء تعدو فيها الغزلان , بأرض ليس فيها جنود يحملون بواريد الموت , بأرض لا يخشى فيها قدوم ليل مظلم بلا كهرباء وصيف محرق بلا مياه , حلم الطفل آلان بروضة جميلة فيها رفاق لطفاء ولأن والده بحث له كثيراً عن طريق لهذا الحلم ,ظل متمسكاً حتى اللحظة الأخيرة بذراع والده , الى أن سحبته أمواج الأنين , وسرقته لعنة الأقدار.
والد آلان كان يبحث لعائلته عن فرصة للعيش بأمان , ولكنه اصطدم دائماً بأسلاك وجدران أوربا المخزية وفلسفة دولها الشرقية الغارقة في ترهات التاريخ واضطرابات الهوية وفوبيا الآخر ,كما اصطدم من قبل بأسوار الأشقاء من تجار النفط وبائعي الشعارات التلفزيونية , يأس والد آلان من القربى والغربى , دفعه الى حضن البحر ظناً منه إن بإمكانه أن إنقاذ عائلته من جحيم الحرب والمخيمات , إتجه وحيداً يصحبه المجهول صوب المجهول وتاه في ظلمة الأقدار , في تلك الليلة المجنونة كان البحر جائعاً والموج لا يعرف الرحمة وآلان الصغير الذي كان بين ذراع والده انزلق سريعاً الى فم المصير , انزلق وحيداً , صارخاً , باكياً دموعه امتزجت بسرعة مع ملوحة البحر والنفس الذي صارع الموت بقوة إنطمر أخيراً بهدير الفجيعة وتفتت النداء بلا توقف بين طيات البحر الهائج , تاه جسد آلان كقطعة فناء في فناء الإنسانية , إنزلق آلان وإنزلقت معه كل حكايا الحلم والبقاء , وحيداً بعيداً عن دموع والده , لتلحقه أمه وأخوه الأكبر الصغير أيضاً في رسم أكبر مآسي هذا القرن, مأساة أناس أبرياء يبحثون عن مكان للنوم بأمان دون خوف من براميل متفجرة تسقط من السماء , وعصابات ظلامية تقطع الرؤوس وتنحر البشر كالخراف .
البحر الذي ابتلع في لحظة جنون , إبتسامة آلان , سرعان ماشعر بالذنب فحمل جسد الطفل الغريق ورماه على الشاطئ الذي جاء منه منكباً على وجهه , لتظهر لكل العالم صنيعة جرائم تجار البشر والسياسة وأحقادهم وآلاعيبهم , ولتفضح كل دول الغرب التي إكتفت ببيع الأحلام وصدّت كل السبل أمام الباحثين عن هذه الأحلام , نعم قالها آلان للغرب , أنتم يامن سكتُّم عن الطغاة وعن المجرمين وعن قطاع الطرق وعن التكفيرين ودعمتموهم بالسلاح والعتاة دون أن تكترثوا إن هناك أطفال يذبحون ونساء تغتصب ورجال يتم التنكيل بأجسادهم , من أجل مصالحكم تبنون الجدران والموانع وتضرمون النيران في وجه القادمين , أنتم من قتلتم آلان حين تأخرتم كثيراً عن الإستجابة لصراخ الآهالي عندما استباحت داعش ديارهم , وأنتم من تقتلون أمثال آلان كل يوم حين تصرحون علانية بإن اللاجئين سيدمرون مجتمعكم ويحطمون قيمكم , نعم أنتم وليس غيركم من دعم هؤلاء المتاجرين بمآسي السوريين من خلال إعلامهم في الوقت الذي يغلقون في وجههم الحدود , أولئك الجالسون على آرائك الحرير في قصور ألف ليلة وليلة .
آلان الكوردي حكاية لم تنتهي بعد , إنها حكاية يوميات كل العابرين فوق ضمائر الإنسانية المتحجرة في بنوك الدولار واليورو والريال ,آلان حكاية شعب أراد الحياة وظن إن القدر سيستجيب , لكنه اصطدم بعالم فقد الحياء ,عالم فقد شيئاً كان ينبض في جسد البشر ويهرع لألم البشر ويصل صراخه لعنان السماء حين يبكي طفل الثالثة من العمر , حقاً آلان مات ولكن ماتت قبله منذ زمن طويل ..الإنسانية .[1]