هل تُدشن حقبة عثمانية ام اوردغانية جديدة ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5245 - #05-08-2016# - 07:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الجميع على دراية بالحقبة العثمانية و كيف امتدت و سيطرت طوال حوالي خمس مئة عام على هذه المناطق الشاسعة في العالم، و حكمت باريحية تامة بعد السيطرة عليها اعتمادا على الديانة والمذهب و فرض الولاة، و تمكنها من ضمان تبعيتهم رغم بعض الارتدادات و الفوضى هنا و هناك طوال تلك القرون من سلطتهم السلطانية . و النقطة الاكثر اهمية لبيان عوامل نجاحهم هو ظروف الحياة العامة للناس ومستوى ادراكهم و تخلف واقع المناطق التي اجتاحوها و كسبواعطف شعوبها بادعائاتهم الدينية المذهبية، من اجل تحقيق اهدافهم الخاصة . الجميع على دراية على ظروفهم و كيف استمدوا من خيرات تلك المناطق بعقلانية و مهارة و حيل و اتبعوا بعضا من اللامركزية عند تاكدهم من السيطرة التامة، الا ان الرجل الاول في كل ولاية اي الوالي كان من شان المركز و كانت صلاحياته دائما فوق الجميع . الوضع الاقتصادي لتلك الرقع الشاسعة لم يكن بحال يمكن ان تكون هناك بينها و بين المناطق المجاورة روابط او تلاقي حتى، عدا التجارة التي كانت في وضع تبادل السلع و ليس بالتعقيد المشهود له اليوم الذي تفرض التداخل بين كافة دول العالم و ما تفرضه الايدي العاملة و اختلاف في اجورهم، و التقدم الحاصل لجوانب كثيرة من حقوق المواطن و العمال بشكل خاص التي لا يمكن هضمها و التراجع عن ما حصل عليه طوال هذه السنين من نضالاته . الجانب الثقافي و العقلية و الروابط و المباديء التي تعتمد عليها الشعوب في مسيرتهم الحياتية لا يمكن ان تتشابه اليوم بما كانت عليه ابان الحقبة العثمانية، اي التغييرات الجذرية الحاصلة في كافة جوانب حياة الناس بما فيهم الشعوب في تركيا بلد الام للعثمانيين، لا تدع فرصسانحة و متوفرة اليوم امام اردوغان كي يعيد تجربة العثمانية نصا بالشكل الذي يعتقد انه قادر عليه .
ان ما يستند عليه اردوغان من النواحي الفكرية الفلسفية و اقتحامه الجانب الديني كاحد اهم الوسائل التي يمكن ان يسيطر به على زمام الامور داخليا في بلاده، لانه استغل الفوضى و التقاطع الذي حصل في بنية الشعب التركي الفكري الفلسفي نتيجة فرض العلمانية طوال هذه المدة عليه فوقيا، دون التطور التدريجي السلمي المقنع، اي بالقوة العسكرية، مما حدا بالمواطن ان يعيش في دوارة معتقداته العلمانية و الدينينة دون ان يحسم امره بين الاثنين، اي العلمانية التركية من حيث المظهر دون التعمق و الوصول الى عمق العلمانية بمضمونها غير القابل للتراجع، فوجدت الفرصة لعودة اللاعلمانية بشكلها الحالي و فرض التراجع، و هي مستمرة لحين الوصول الى المربع الاول و من ثم تبدا الخطوة الصحيحة الاولى في التحولات والبدء في المرور عبر مرحلة سادها التشويش الى اخرى بشكل طبيعي، و لم نجد التحولات الطبيعية الناجمة جراء التطور الطبيعي على الارض الذي يفرض بذاته التغييرات المرحلية . اي لازالت تركيا في مرحلة لاعلمانية و علمانية مشوشة مفروضة فوقيا بقوة السلاح غير متواكبة مع التطور اللازم في العقلية و الخلفية الفكرية التي يجب ان تصاحب عقلية بناء الشعب التركي . و عليه تمكن اردوغان و قبله اربكان و معهم غولن و غيرهم من استغلال الواقع لاهداف سياسية . اي عدم نضج المرحلة و فرض الخطوة الاجبارية ادى الى ردود افعال استغلهاهؤلاء بشكل عقلاني و من خلال تقيم الواقع ومتطلباته مستغلين فجوة عدم التكامل و عدم النضوج .
هذا داخليا، اما على صعيد المنطقة و الاقليم و العالم الاسلامي، فان القوى الاسلامية التركية تريد استغلال الدين و المذهب كما تفعل ايران منذ مدة طويلة من اجل وقوف صدامنيعا اماها، و تكون هي الرائدة و المشرفة على ما يمكن ان تكون الكتلة التي تفكر بها لتكون بمثابة رقعة عثمانية جديدة بمضمون و شكل مختلف يلائم العصر و ما فيه، لتصبح هي المستفدة مرة اخرى من ما تملكه المنطقة . غير انها لم تقيم الواقع الجديد جيدا و هي لم تحسب لما تتلقاه من مجابهة مع مثيلاتها الكثيرات في هذا الامر، و هم ايضا متربصون في تحقيق الهدف ذاته بطريقة و شكل اخر، بعد ان اكتشف النفط و برزت قوى جديدة في مساحة ارض العثمانية القديمة و تكونت دول ذات شان لا يقل عن تركيا العثمانية في حينها، و هي الان تنافس تركيا في جميع الجوانب، و ليس من مصلحتها ان تترك الساحة لتلعب تركيا لوحدها ابدا .
اذن، لم يبق امام اردوغان فرصة التفكير لاعادة امجاد آل عثمان في الوقت الذي برزت فيه العوائل الحاكمة من آل سعود و آل راشد و آل نهيان و آل حميدان و آل قابوس و ردد ما تريد من كل تلك الآلات التي تحكم و هي بمثابة بديل للعثمانية و آل سلطان في هذه البلدان . اي الواقع يفرض ان يسير اردوغان كاردوغان و بفكر و فلسفة اردوغانية خاصة لا يمكن ان يعبر بها عتبة الحدود التركية، و ان لم يسمها بالاردوغانية، و يمكنه ان يسيطر على تركيا داخليا و تبعدها عن اوربا بخطواتها و متاهاتها، و لا يمكن الا ان تكون تركيا الاردزغانية خلال ربما العقود القليلة القادمة، و هي مرحلة انتقالية ايضا لحين الوصول الى العلمانية الحقيقية، بعدما يكتشف الشعب زيف ارضية ما يبنيها اردوغان للتحكم بالبلاد دون ان يفكر في المستقبل البعيد لبلاده .
اننا على اعتقاد بان مرحلة فرض العلمانية العسكرية قد نفذت مدتها، و الان بدات الاردوغانية الخاصة التي لا مثيل لها و ربما تكون خليط بين الدينية العلمانية السلطانية التي تلائم تسميتها بالاردوغانية حقيقة، لا تمر اية دولة بما تمر به تركيا الان من حيث الحكم، اي انها سابقة تاريخية لنوع السلطة، و انها مرحلة ما بعد العلمانية التي من الممكن ان نسميها غير المتكاملة او المغشوشة و ما جلبت بعد اكثر من ثمانين عام من ما فرضت التوجهات الدينية نفسها و التي هزت عرشها، و الان تدخل في مرحلة الحكم المزيح لما قبله لتبدا مرحلة جديدة لا تمت بصلة بما قبلها، و لكنها لا يمكن ان تستمر و تكون هذه المرحلة نهاية التاريخ التركي بل ستكون نهايتها المرئية التي تصل الى ضفاف المرحلة و ما تبدا بعدها المرحلة الجديدة، و ان كانت بعيدة بعض الشيء . و به تُزاح المرحلتين و تبدا المرحلة الحقيقية بولادة طبيعية و ليس كما حدثتا قبلا بعمليات قيصرية و بولادة مشوهة ايضا.[1]