اندثار الطبقة الاجتماعية الوسطى في كوردستان الجنوبية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 5238 - #30-07-2016# - 09:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من يقيّم الواقع الاجتماعي الكوردساني يجد بانه تغير كثيرا من حيث تركيب و شكل و حجم فئاته و طبقاته، و كيف تغيرت التوزيعات الطبقية التي اتسم بها في تاريخه و التي لم تحدث من قبل كما نلمسها اليوم .
اننا نعلم بان العشوائية الكبيرة في واقع المجتمع الكوردستاني منذ التغييرات الجذرية المفاجئة التي حصلت له، خاصة ما بعد عمليات الانفال و و تدمير اكثر من خمسة الاف قرية و تشريد و نزوح اهلهم سواء الى المدن او ما راحت نسبة كبيرة منهم ضحية تلك العمليات و هي اكثر من 180 الف شخص من الطبقات كافة و بالاخص الفلاحين و الطبقة الدنيا .
اليوم و مهما تمعنا و استخدمنا الوسائل العلمية، الا اننا لا يمكن ان ان ننجح في بحثنا ايجاد الكلام العلمي عن الطبقات، او يصعب تحديد الطبقات حقا نتيجة عشوائية الحراك الشعبي و الخلط الذي حدث جراء العمليات العسكرية و التغيير الديموغرافي على يد البعث، اضافة الى تغيير سمات المدينة و عدم ثبات معيشة العائلة على عمل معين، اي تغيير مصدر المعيشة بشكل متتالي من قبل كثرية العوائل نتيجة العوامل السياسية الاقتصادية المختلفة التي اثرت عليهم و التنقلات في محل معيشتهم و سكنهم . ان كانت هناك مقاييس معينة لتحديد و تعين مكونات الطبقات اوتركيباتها، فان الفوضى في معيشة الناس و عدم ثبات الحال و التداخل العجيب الذي حصل لم يدعاي باحث ان ينجح في بحثه و ايجاد نتائجه المرجوة، و ان كان يلتزم باشد الطرق العلمية التي تكون نسبة الاخطاء فيها محدودة للغاية .
ان كنا نريد تحديد مساحة الطبقة الوسطى الكوردستانية، فاننا نلاقي الصعوبة ايضا، فمن هم ضمن الطبقة الدنيا و من منهم ضمن العليا و من هيالطبقة العليا من حيث الجانب الاقتصادي، اما الجوانب الاخرى الثقافية السياسية للمجتمع فلا يمكن الخوض فيها لانها في حالة فوضى و تخبط كبير جدا، اما الحالة الاجتماعية فانها تداخلت الطبقات اجتماعيا بشكل كبير و لا يمكن تحديد الطبقات استنادا عليه بشكل دقيق ايضا .
كانت الطبقة الوسطى الكوردستانية تتضمن الموظفين و التدريسيين و بعض اصحاب الاعمال الحرة واصحاب القوة الاقتصادية الصغيرة، مع نسبة معينة من المزارعين و اصحاب الاراضي و شركاءهم .
عندما تغير الواقع القروي في كوردستان تداخلت المدينة اجتماعيا اي من حيث السكان و صفاتهم و سماتهم و مستواهم المعيشي و طبقاتهم مع القرية، و تمخضت عنها واقع اجتماعي خليط بحيث لا يمكن تعين طبقة كل عائلة استنادا على مصدر معيشتها و التثبيت على انتمائها ضمن حدود الطبقة الوسطى بالاخص . ترى في المدينة ذاتها و في الزقاق و الحي نفسه عوائل متجاورة مختلفة الطبقات من حيث الجانب الاقتصادي . اما الجوانب الاخرى يمكن ان تكون قريبة جدا من البعض و لا يمكن افرازهم بسهولة، و هذا يدل ايضا على ان الطبقات اصبحت ملزمة بالحالات او الجوانب تختلف اقتصاديا و تتشابه اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا مثلا فيما بينها .
سارت الامور بشكل طبيعي رغم هذا الخلط و التغييرات و لم نجد استياءا او عدم الانسجام بين العوائل ذات الطبقات المختلفة لحين الانتفاضة، نتيجة العوامل السياسية، واما مابعدها حيث تغييرت اوضاع الكثيرين ، الا ان ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق و خلال هذا العقد و النيف تقريبا تم الخبط و التراكم وبرزت جبلات مختلفة لنشوء ما يمكن ان نسميه طبقة ما خاصة لا يمكن تصنيفها بين الطبقات، اي لا يمكن تحديدها وسطى كانت ام ادنى او اعلى، نتيجة التغييرات المفاجئة في مصادر المعيشة و الايرادات المالية التي اغدقت على العديد من الناس و تاثر الاخرون بشكل سلبي في المقابل، اي الاحزاب و صراعاتهم و ما اصروا على ترغيب مواليهم بالمال و ما اغدقوهم به، غيّر واقع الحال المجتمع الكوردستاني و ادى الى تشرذمه و فرض عليه اندثار الطبقة الوسطى و تباعد بين الادنى والاعلى بشكل مخيف . ببروز الازمة الاقتصادية في اقليم كوردستان و عدم امكان حكومة الاقليم من حتى تسديد رواتب الموظفين ادت الحال المستجدة الى تفتيت الطبقة الوسطى اكثر من السابق، و تتوجه الحال الان نحو زوالهم بشكل كامل و اصبحوا ضمن الادنى بعدما ضاقت بهم المعيشة، و هذا ما ينبيء بمصير مجهول للمجتمع و ما يبرز منه، بحيث يمكن ان يحدث مفاجئات غير متوقعة فيه .
من المؤسف ان يكون مصير المجتمع الكوردستاني المالي و الاقتصادي بيد مجموعة سياسية معينة من جانب استحوذت على كل شيء و احتكر الاقتصاد مع اصحاب الرسمال المتفقين مع المتنفذين ممن بيدهم زمام السلطة و اسسوا لمافيا مالية مؤثرة بشكل خطير على حياة الناس من جانب اخر . و به اندثرت الطبقة الوسطى بشكل كامل في الاونة الاخيرة بعدما عجزت السلطة في اداء واجبها بشكل مقنع و قطعي . المجتمع الذي يزاح او تندثر الطبقة الوسطى فيه سيكون مصيره و وضعه الاجتماعي غير معلومين.[1]