هل الهجرة غير المبررة و الهروب هو جزاء التضحيات
كما كانت كل من “سوريا” و”روج آفا” حاضنة لهجرات الجوار، نتيجة للحروب او الثورات، كما في حالة الفلسطينيين بعد قرار التقسيم ونكسة حزيران، واللبنانيين اثناء الحرب الطائفية، والحروب الاخيرة مع اسرائيل، والعراقيين اثناء حرب الخليج الثانية وملحقاتها، اضافة الى كرد #جنوب كردستان# وشمالها وهجرتهم الى سوريا وروج آفا اثناء ثوراتهم المتلاحقة، فان سوريا نفسها قد تحولت اليوم، بعد عسكرة الثورة وسيطرة القوى الارهابية على الكثير من المناطق، إلى بلد مضطرب و مصدر للمهاجرين.
المعاناة الانسانية تفرض نفسها وخياراتها، ومنها رحلة البحث عن البديل الافضل. في ظل وضع سوري معقد، بدأت الهجرة السورية ورحلة السوريين صوب المجهول… رحلة تنتهي بأحد الأمرين، بالموت، او الوصول الى مدن الغرب…!!
الاثار السلبية للهجرة على بناء وتطور أي مجتمع ، وعلى وجه الخصوص في مستقبله، كبيرة جدا, الهجرة ليست وليدة اليوم، ولها اسبابها المتعددة، واهمها السياسية (الحروب…والقمع)، والاقتصادية ( المجاعة والفقر والحصار).
و في سياق ذلك الاسباب تأتي الموجة الاخيرة لهجرة السوريين، وبالذات بالنسبة لكرد روج آفا فضلً على:
1- فرض الحصار المتعدد الجوانب على كل من سوريا وروج آفا، كان له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الوطني، ودخول المواطنين، ومستوى معيشتهم، وبالتالي الى ازدياد حالة الفقر، و هو ما يمثل احد أهم اسباب الهجرة، وتمثل #عفرين# نموذجا حيا لهذه الحالة.
2- الهجمات الارهابية واستمرارها في مناطق سيطرة الارهابيين، او المناطق الرخوة امنيا، مما جعل المواطنين يعيشون حالة رعب جماعية، دفعتهم للهجرة، وقد تجسدت الحالة بشكل واضح في كوباني.
3- قناعة الغالبية المطلقة من السوريين بعدم عودة سوريا الى سابق عهدها في المدى المنظور، ناهيك عن سوريا الأفضل، التي كانوا يتأملونها ويحلمون بها، مما خلق حالة يأس لدى أغلبية السوريين، و هذا ما دفع بهم الى طرق أبواب الهجرة. إن موجة الهجرة الجماعية جعل من الذين لم يفكروا بطرق هذ الباب، بالتفكير به والعمل من اجله. ان عوامل تحفيز الهجرة، والمتمثلة بالدور السلبي التي تقوم بها وسائل الإعلام واستغلالها لمعاناة المهاجرين، وجعلها “سبق صحفي” دون أي اعتبار، ساهم بازدياد الهجرة اضافة الى تعدد طرق الهجرة وازدياد عدد المهربين، ووجود الأقارب والاهل للكثيرين من الذين قد قرروا الهجرة ومساعدتهم للوصول الى ما يشاع بانه الفردوس المفقود.
4- الحملات الدعائية المضادة من قبل قوى داخلية متمثلة ببعض اطراف المجلس الوطني الكردي، والائتلاف الوطني السوري، وتركيا، واطرف اخرى، حيث كشفوا عن غيض من فيض عدائهم لتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، وحملوها مسؤولية ما يحصل من نتائج الحرب والحصار على حياة المواطنين في سوريا وروج آفا.
5- ناهيك عن الظروف الموضوعية للهجرة، فان القوى والاطراف والدول المعادية للكرد ولتجربتهم في روج آفا، والمتمثلة بالإدارة الذاتية الديمقراطية، قامت باستغلال الوضع لإفراغ المنطقة من سكانها الكرد، ومن ثم الاساءة الى سمعة الادارة الذاتية من خلال الحديث عن “فشلها في ادارة المنطقة”، واضعافها، والتأثير في مقاومة شعب روج افا لصالح القوى الارهابية والداعشية.
الى جانب الاسباب الموضوعية للهجرة هناك اسباب ذاتية متعلقة بقضية الوطنية كهوية تم تشويها من قبل الانظمة القمعية، فمسالة الوطنية ومفهومها بمعناها العلمي لم يترسخ ولم يتحول الى ثقافة عند الكثيرين لأسباب موضوعية مرتبطة باشكالية الهوية الوطنية والقومية عند الكورد من جهة والانظمة القمعية التي تحكمت بالبلاد وحولتها الى اقطاعية للحاكم والمتحكم في مصائر البشر.
لا يمكن ان ننكر ما قام به الكثيرين من المهاجرين بواجبهم تجاه قضية شعبهم فترة تواجدهم في الوطن وبنفس القدر لا يمكن ان نتجاوز السؤال والتوصيف حول قيام الكثيرين منهم ببيع بيوتهم ومزارعهم للأخر على الصعيد القومي.
لنتذكر قول ناظم حكمت عندما يقول :اذا انا لم احرق واذا انت لم تحترق واذا نحن لم نحترق فمن اين سينبثق النور .
كيف يمكن ان نصف تركك لمزرعة الجد وبيت الوالد وحارات تحمل ذكرياتك مع رفاق طفولتك؟
لا يحق لأحد ان يوزع او يجرد المهاجرين من هويتهم القومية والوطنية ، ولكن لنا الحق ان نذكرهم بان روجافا ليست هي الاولى التي تحدث فيها الحرب والظروف الصعبة. نلاحظ انه وفي الحروب التحررية والثورات الاجتماعية ارتباط البشر اكثر من أي وقت مضى بارضهم وقضيتهم وكوباني اخر نموذجاً.
هل الهروب من الوطن هو الحل؟
يجب الوقوف عند الجانب الذاتي في المسالة لان النضال في هذا المجال هو المحدد وفي صعيده الداخلي على الظروف الموضوعية كعامل رئيسي.
روج آفا مهددة من قبل الدواعش ومشتقاتها. معرضة لشكل جديد من اشكال تغير ديمغرافيتها القومية، مهددة اقليميا من قبل جوار عدائي. هل نترك تلك التحديات ونطرق ابواب الهجرة؟
عن الشاعر رسول حمزاتوف في مذكراته ” داغستان بلدي” يقول” لا اريد ان يأخذ احداً احجاراً من ارض بلدي كون الاحجار فيها قليلة”.
احجار روج آفا ان كانت قليلة كما يرى الشاعر فهي ملكنا وعلينا ان نناضل من أجلها.
قبل ان تطرق باب الهجرة تذكر اقربهم لك قبل ان يستشهد من اجلك، ان كان اخاً..
صديقاً، رفيقا.. هل تسمعه؟
للهجرة اسبابها الذاتية والموضوعية ولكن التخطيط من قبل البعض ومنذ بداية ثورة روج آفا لإفراغ الساحة ولتنفيذ مخططات اعداء شعبنا بتشجيع الشباب للهجرة يرتبط بعمال ذاتي عدائي.
ان الثورة ليست بنزهة في طريق على جانبيه الزهور، وليست حديثا في مقهى دمشقي ولا ترفا فكريا لتغيير ملل الحديث.. الثورة نضال وفي اقسى الظروف.[1]