أردوغان والإجرام
صلاح الدين مسلم
كم الطامة كبرى! ألّا تدرس الواقع جيّداً وتدّعي أنّك ستحرّر الشعوب، ألّا تتخيّل كيف أنّ دولاب الرؤية السياسيّة يتغيّر؟! لأنّك تفتقر إلى المشروع، وكيف أنّ تحليلاتك السياسيّة وقراءاتك المشهد السياسيّ والاستراتيجيّ في الشرق الأوسط قد باءت بالفشل، فالحمل الوديع والملاك المخلّص للشعوب الإسلاميّة (رجب طيّب أردوغان) الذي كان يقف وهو يبكي أمام الملأ وهو يصوّر جرائم المستبدين العرب، عندما كان معظم الشعب البريء يصدّقه لأنّه تحت تأثير الآلة الإعلاميّة الكونترولية التي تبرمج عقول الشعب المغيّب، لتصوّر الشيطان ملاكاً والملائكة شياطين، وفي الوقت ذاته كانت الماكينة الإعلاميّة العالميّة تروّج أنّ حزب الاتّحاد الديمقراطيّ هو من شبّيحة الأسد وليس لديه مشروع وطني، ومن خلال بعض الأدوات الكرديّة التي دأبت إلى تشويه انتصارات وحدات حماية الشعب، بل وصل بها الأمر إلى التعاقد مع المجرم التركي قاتل الأطفال، وتطبيق أجنداته على الأرض.
إنّ أردوغان الذي نجح في الانتخابات من خلال دعم الشعب الكرديّ له، قد ثابر على التظاهر بأنّه سيحلّ القضيّة الكرديّة في ديار بكر عام 2005، إلى أن قال بعد عشر سنوات عكس ما صرّح به، عندما أكّد على أنّه لا وجود لقضيّة كرديّة في تركيّا، بعد أن تنكّر إلى تلك الأصوات التي دعمته، والتي كانت وما زالت العامل الحاسم لاختيار أيّة حكومة وليست حكومة العدالة والتنميّة فحسب، فقد ظنّ أنّه القائد الناجح المفكّر العظيم الذي يريد أن يدخل التاريخ التركيّ بل الإسلامي والشرق الأوسطي باستقباله الذكرى السنويّة المئة لتأسيس الجمهورية التي تُصادف سنة 2023 تحت قبّة قصر السلطان المؤلّف من 1500 غرفة.
لقد ظلّ أردوغان يقول عكس الواقع، فلطالما أنّ المنظومة الإعلاميّة كلّها بيده فلماذا لا يكذب؟! لكنّ الواقع دائماً يثبت عكس كلامه، وخاصّة كلّ ما يتعلّق بالقضيّة الكرديّة فقد قال سابقاً: إنّ القضيّة الكرديّة قضيتنا، لكنّه مارس أسوأ أنواع التطهير والإبادة الثقافيّة بحقّ الكرد، ليس في شماليّ كردستان فحسب وإنّما في #غربيّ كردستان# وغيرها، وما كانت فضائح الفيديو والصور والوثائق كلّها التي أكّدت مساعدته داعش مادّيّا ومعنويّاً وبكل السبل إلّا دليلٌ على خداعه.
قال: لن نسمح بمجزرة في حمص ثانية؛ لكن بعد أن أبيد السنّة في حمص بقي مكتوف اليدين، وراهن على مرسي وسقط، وراهن على 400 برلماني وسقط، راهن على سقوط كوباني فلم تسقط كوباني وإنّما هو من سقط، جنّدَ المعارضة العربيّة السوريّة لخدمة مشروعه الإباديّ؛ فدمّر سوريا وسقط مشروعه، وكانت نزعة الإسلام السنّيّ المعتدل مبدؤه من أجل كردستان عموماً.
لطالما تبجّج أردوغان في خطبه المتعدّدة مؤكّداً على أنّ بشار الأسد مجرم، وكان يذرف دموع التماسيح على ضحايا الثورة السوريّة، وعلى ضحايا الثورة المصريّة، لكنّه الآن يمارس نفس ممارسات الأنظمة العربيّة القامعة لشعوبها، فالسؤال الذي يجب أن يُوجَّه إلى المثقّفين العرب: لماذا لا تفضح المؤسسة الإعلامية العربيّة ومعظم مفكّري ومنظّري الثورة السوريّة ممارسات أردوغان الشنيعة؟! بل ما زالوا على موقفهم الثابت على أنّ تركيا مخلّصة العالم الإنساني، وأردوغان هو الملاك الذي سيهدي العالم إلى الخير، بينما أردوغان المجرم يئد الأطفال، ويقمع المظاهرات بالرصاص الحيّ، تماماً كما حدث في بدايات الثورة في سوريا علماً أنّ أسباب الثورة مختلفة، إنّ ما يقوم به هو حرب خاصة ممنهجة ومدروسة على كافة الأصعدة (اقتصادياً، ثقافياً، اجتماعياً، سياسياً، عسكرياً، دبلوماسياً….).
إنّ القارئ لمسار الثورة السوريّة التي ميّعها أردوغان، بمساعدة دول الرأسمال العالميّ التي يهمّها تغيير خارطة الشرق الأوسط دون النظر إلى حجم التضحيات والآلام والمآسي، سيجد أنّ ما زرعه أردوغان وحزبه في سوريا يحصده الآن في شمالي كردستان، فقد بدأت رياح الثورة التي حاول أن يطلق عليها تسمية الربيع العربيّ، تهزّ عرشه الذي دأب على تقويته وتعزيزه، وقويت شوكة حركة التحرير الكردستانيّة، إذْ بات من المحال تطبيق حرب الإبادة الجسديّة عليها، فالشعب الكرديّ الذي صوّت له قد بدأ يعي ما له وما عليه، فالانتخابات المبكّرة ستسقطه، والانتخابات غير المبكّرة ستسقطه، لكنّه يتعجّل في موته من خلال تطبيق الممارسات العنفيّة التي باتت خنجراً في خاصرة أباطرة هذا العصر، وهذه الحروب التي لا طائل منها ليست إلّا لتقصير عمر المستبدّين، إذ لن يحصد أردوغان على مقعد واحد في شمالي كردستان بعد لجوئه إلى العنف، وبعد أنّ صرّح علانية: ما كانت هذه الحرب ستحصل لو أنّ حزبه حصل على 400 مقعد.
لقد قالها في عام 2005: إنّ القضية الكردية قضيتنا نحن أيضاً، لكنّه بعد سنة فقط أصدر “قانون مكافحة الإرهاب”، الذي تمّ توسيع نطاقه بحيث يطال الأطفال والنساءَ أيضاً، والذي اعتبر من أقسى القوانين المضادة للكرد على مرّ مختلف عهود الجمهورية التركيّة، وما قتله
الأطفال والنساء في شوارع جزيرة بوطان وغيرها من المدن الكردستانيّة إلّا حقيقة مشروعه الذي لم يلق النور بفضل مشروع الإدارة الذاتيّة والحماية الشعبية، والدفاع الذي تبناه الكرد وطوّروه خلال بضع سنوات فحسب.[1]