أردوغان والفخّ الروسيّ
صلاح الدين مسلم
إنّ من يحلّل الأمور التي تجري في ساحة الشرق الأوسط على أنّها صدفة، أو عملية غير مدروسة لهُوَ مفتقرٌ إلى التحليل المنطقيّ لقراءة الواقع السياسيّ، فآخر فقاعة تلاعبيّة للمنظومة العالميّة هي إسقاط الدولة التركيّة طائرة روسيّة قبل أيام، والدفاع المستميت المفاجئ لحلف الناتو والبنتاغون الأمريكيّ والرئيس الأميركي لأردوغان.
باتت بعض التحليلات تنصبّ في خانة إعادة القطبين، والصراع على الشرق الأوسط، وصارت بعض الآراء تؤكّد على أنّ تركيا عادت إلى الساحة، وسيكون الردّ الروسي قاسياً، بل هذا ما يريده حلف الناتو.
لقد وقع أردوغان في هذا المستنقع كما وقع الأسد قبله، فهذان الشخصان قدّما كلّ التنازلات للبقاء على الحكم، ولا يمكن الاستغناء عن هذين الشخصين حالياً من قِبل الرأسماليّة العالميّة التي مازالت تسعى إلى لبرلة الشرق الأوسط الذي لم يرضخ للبرلة بعد، فهذا الكابوس الرهيب الذي افتعلته هذه المنظومة العالميّة، وإن كانت نتائجها الوخيمة على أوروبا إثر انفجارات باريس الأخيرة، فلا مشكلة عند هذه المنظومة اللاأخلاقيّة، فضحايا 11-09 حصلت سابقاً لتبرير التدخّل السافر للغرب في الشرق الأوسط منبع الحضارات والبقعة التي مازالت تقضّ مضاجع الربويين العالميين.
إنّ الصراع الروسي الأميركيّ التجاريّ على منابع الحضارة تصبّ في خانة صراع الشركات الاحتكاريّة، وليس في خانة فرض الأيديولوجيّات، فمن يتحدّث عن القطبين عليه أنّ يتحدّث عن الصراع الأيديولوجيّ، لكن هناك اتّفاق أيديولوجيّ بين روسيا وأميركا وبين الدولة التركيّة وأوروبا، فعن أيّ صراع نتحدّث؟ فالمنتوجات الصينيّة والروسيّة تغزو هذه البلدان التي تسوّق هذا الصراع، فمن المفترض أن يكون الخاسر الوحيد في هذه المعادلة هو الدولة التركيّة والدولة السوريّة أيضاً، فالطائرة التي سقطت قد سقطت على الأراضي السوريّة، والصاروخ الذي أسقط الطائرة من أراضي تركيّة، والضريبة التي ستُدفع هي من زاد ودماء الشعبين التركيّ والسوريّ، فعندما تنشر روسيا منظومة صواريخ جديدة على السواحل السوريّة، وعندما تتلقى تركيا ردّاً حاسماً من روسيا فمن هو الخاسر حينها يا تُرى؟
لطالما كانت التدخّلات الغربيّة في شؤون الشرق الأوسط عبر حجج وضحايا، سواء الاستعمار القديم أو الفكر الاحتلاليّ العولميّ الغربيّ، فلم تتخلّ هذه المنظومة الغربيّة عن ثقافة الاحتلال ونشر منظومتها الفكريّة الأيديولوجية التي تشابه منظومة صواريخ اس400 التي نشرتها روسيا مؤخّراً على السواحل السوريّة لتقوّي من هذا الأسطول الحربيّ.
يرى البعض أنّ الغرب قد بعث برسالة إلى روسيا عبر الدولة التركيّة، وهناك من يرى أنّ الغرب يريد أن تدخل تركيا في هذه الحرب مباشرة وتغوص أكثر في مستنقع الوحل الشرق الأوسطيّ، لكن في المحصلة نجد هذا التذبذب الغربيّ الغريب تجاه أردوغان، فهو يساعد داعش علناً وحلف الناتو يدافع عنه، وروسيا التي تضرب المعارضة أكثر من ضربها داعش، والنظام الذي لم يحتكّ مع داعش، كلّ أولئك متّفقون على حماية داعش ويتصارعون على الشاشات.
من يظنّ أنّ سياسة أردوغان هي سياسة حكيمة فهو واهم، فهذه النتائج التي حصل عليها لم تكن حصيلة لسياسته الناجحة، بل نتيجة حتميّة لانصياعه التامّ للمنظومة الغربيّة التي صارت ترضى عنه، بعد أن أعطى كلّ أوراقه للغرب وأميركا على وجه الخصوص مقابل تفرّده بالحكم، كما فعل الأسد، فالدولتان التركيّة والسوريّة تُقادان من الخارج، لا من الداخل، فقد أصبح تسليم الدفّة الملجأ الوحيد الذي يلجأ إليه الدكتاتور الرقّ كلّما ضاقت به السبل وحوصر من قبل المؤامرة الغربيّة عليه، فكلّ دكتاتور شرقيّ هو نتيجة طبيعة للسياسة العالميّة التي أثبتت لا أخلاقيتها بكلّ المعايير.
أردوغان الذي جُرّ إلى المعمعة السوريّة والحرب الضروس مع الكرد، والتلويح بالورقة الكرديّة التي تقضّ مضاجع القوميين الترك التي صبّت في صالح التهديدات الشرق أوسطيّة، هي المؤامرة الثانيّة على الكرد في خمس السنوات الماضيّة.
إنّ الروس قد دخلوا بقوّة إلى الشرق الأوسط، ولم يكن ذلك عبثاً، فذهنيّة القطبين كانت إرضائيّة أكثر من هذا القطب الواحد، لذلك اخترعوا فكرة القطبين المتفقَين ضمنيّاً، وأعادا صياغة هذا القطب الغائب إلى الصراع الشرق أوسطيّ لكن بالاتفاق بين بوتين وأوباما، وما يحصل الآن هو مسرحيّة قد جُرّ أردوغان إليها رغماً عنه ليبقى على الحكم، ولئلا تفتح عليه أبواب جهنّم، وما هذه الغارات التي أغارها على حزب العمال الكردستانيّ إلّا حفرة أخرى وقع فيها، فالمُلك يقتضي بصاحبه أن يُضحّي بما لديه للوصول إلى مآرب السلطة وعوالم المال والشهوة.
سيتلقّى أردوغان ردّاً عنيفاً، فقد اعتاد على الصدمات، وما هذا الصاروخ الذي أسقط الطائرة الروسيّة إلّا مخطّطٌ لازدياد النفوذ الغربيّ في المنطقة، ولِينمْ مع حلمه في السيطرة على جرابلس، والتضحية بالتركمان السوريين.
إنّ المعادلة الاجتماعيّة وسياسة الخطّ الثالث التي صارت الحلّ الناجع الوحيد لسياسة اللاحلّ والفراغ الكاوسيّ الذي مازال الاستراتيجيّة العُقميّة التي مازالت في مخيّلة هذه المنظومة العالميّة الرأسماليّة التي تراقب كلّ الحلول لتمرّر بمشروعها مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى الطاولة عبر ذهنية الحصار والخناق وحملات الإبادة لتفرض حلّها.[1]