المجتمع المدني بين الوهم والحقيقة ج.2
عبد الباري احمه
الحكاية البدئية:
وحكاية المجتمع المدني ومؤسساته، كانت بداية تنويرية للمجتمعات المدنية وخاصة في أوروبا…
فها هو الفيلسوف هوبز 1588- 1679 يقول ويؤكد على محاربة الحكم المطلق ودعا في كتاباته إلى إلغائها ورفض الحالة الطبيعية التي لا دور للعقل فيه، وبنفس الوقت دعا إلى الحالة السياسية التي للعقل دوراً أساسياً فيه ويعتبر “الدولة أداة قمع ضد الحالة الطبيعية ضد الإنسان الطبيعي”
أما جون لوك: 1632-1704 هذا الإنكليزي الذي يعلن وبصوت عال – منع الدولة أو السلطة السياسية من انتهاك حرية المنزل لأن الرجل هو صاحب السيادة.
وتصل الجرأة بالسيد لوك إلى القول يمكن عزل السلطة إذا تمردت ضد العقد- وعملت هذه السلطة على تجاوز القانون الطبيعي، وبالاعتداء على أملاك المواطنين وحرياتهم وحياتهم دون وجه حق.
ولم يتوقف- لوك- عند هذا الحد بل يختار ويتخيل مجتمعاً خاص به وهذا المجتمع هو خارج سلطة الدولة، بل هو مجتمع اقتصادي وغير سياسي “لا دولة”
والسؤال: هل نلمس في واقع “روج آفا” شيء من هذا القبيل
القائد عبد الله أوجلان: وفي مانيفستو الحضارة الديمقراطية ومن خلال مشروع “الأمة الديمقراطية” يتطرق إلى عين هذه الأمور والأشياء أي أن أوجلان يرفض الدولة والسلطة وحتى القانون وينشد مجتمعاً طبيعياً “إيكولوجياً” السمة الرئيسية في هذا المجتمع هو الأخلاق السياسية وبإطار ديمقراطي.
ولكن ومن خلال تضافر الجهود السياسية والاجتماعية وبناء مؤسسات المجتمع المدني على أن تكون الأساس هذه المؤسسات الثقافة المجتمعية وبذهنية جديدة للأفراد بما يخدم الحالة التي نعيشها، وأن نبتعد عن خلافاتنا السياسية والقومية والدينية، ونلفت إلى الإنسان- الفرد- كمواطن حر- يريد العيش بأمن وأمان وسلام في أرضه وبين مجتمعه.
أما الثائر الفرنسي مونتيسيكيو 1689- 1755 ومن خلال صرخته المدوية يقول: “أن فساد كل حكومة يبدأ دائماً بفساد المبادئ” (من كتاب روح الشرائع)
أليس هذا هو سبب ولوج السوريين عامة والكرد خاصة إلى العيش في هذا الجحيم.. أليس الفساد وبكل أشكاله كان وراء هذا القتل والدمار والهجرة والاغتراب.
وكانت هناك وقبل الأزمة- الثورة- أصواتاً عالية تقول بأن هذا الفساد في كل دوائر الدولة “لوياثانا” سوف يأكل المجتمع السوري لكن تلك الأصوات والصرخات اختفت خلف القضبان….
وحدث ما حدث وكلنا يدفع ثمن هذا الفساد…
ويتابع مونتيسيكيو والذي يطرح لنا شكلاً جميلاً لمجتمع مدني خاص به، ويضع له أساس هي:
حكم القانون- الفصل بين المجتمع والدولة- والتوازن بين السلطات أو بين القوى في الدولة.
وفي الجهة الأخرى من نهر الراين نسمع صوت فرنسي آخر وهو يعلن تحديه لكل أشكال السياسات ويعلن انتمائه الخاص لشكل جديد ومجتمع جديد هو جان جاك روسو 1712- 1778 يقول:
“لن نصبح بشراً إلا إذا أصبحنا مواطنين” ويقصد بالعدل الاجتماعي وما أدراك ما العدل الاجتماعي “توزيع الثروات على كل أفراد المجتمع”
والسؤال مرة أخرى أين نحن في “روج آفا” من هذه العدالة الاجتماعية ونحن بأمس الحاجة لتطبيقها بكل شفافية، كون الحالة تتطلب شيئاً من هذا القبيل.
هل نطالب الأحزاب- المؤسسات- تجمعات- مؤسسات المجتمع المدني أن يشدوا الهمة أكثر فأكثر والعمل بكل صدق.. قبل أن تصبح بيوت جزيرتنا الخضراء خاوية “ينعق فيها البوم”
جدلية العلاقة بين المجتمع المدني والدولة …
كيف يمكن أن نبين هذه العلاقة وهي بالأساس علاقات غير ثابتة جون لوك وجان جاك روسو اتفقا على قولاً واحداً في ذلك و ربطوا عمل الدولة بالقانون عبر سيادة الشعب.
وعلى عكس ذلك يرى البعض أن مهمة الدولة تكمن في حماية المجتمع وليس بالسيطرة عليه.
أين المسؤولين في “روج آفا” من هذه حماية الشعبية المشهد وبدون تعليق جيد وما قوات الحماية الشعبية واستبسالهم في الدفاع إلا تأكيداً لحماية الأرض والشعب وبنفس الوقت نرى ونسمع مشاهداً من وقت لآخر بممارسة شيئاً من السيطرة وبالقوة.. وهذا ينافي مشروع القائد # عبد الله أوجلان# “يرفض السلطة” ويضع مكانها ذهنية أخلاقية سياسية جديدة.
يعود هيغل ثانية ويؤكد لنا “بأن المجتمع المدني هو الانتقال من مجتمع القرابة ورابطة الدم التقليدية إلى مجتمع المواطنة، والولاء لدولة والخضوع لنظامها” ويختار شرطان لتحقيق هذا الانتقال
– يجب أن يجد المواطن العاقل في هذا المجتمع، والدولة تلبي له رغباته وتحقيق مصالحه لأنه كائن عاقل ومفكر.
– أن يعترف هذا الكائن العاقل بأن قوانين الدولة ليست إلا للإنسان العاقل الكلي- الحر.
وبهذا الصدد يمكن أن نذكر ل كارل ماركس 1818- 1883 قولاً بهذا الصدد حيث يقول: “أن المجتمع المدني فضاء الصراع الطبقي، الميدان الذي يتم في المواجهة بين مختلف المصالح الاقتصادية”
أما غرامشي 1937- 1861 الذي يقول بعكس قول ماركس: “أن المجتمع المدني هو فضاء التنافس الإيديولوجية وليس الاقتصادية” ويؤكد أيضاً بأن هناك شراكة بين المجتمع السياسي والدولة من خلال أجهزة الدولة المختلفة.. ويضيف: “أن فصل السلطات هو نتاج الصراعات أو الصراع بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي”
نعم ليتنا نعيش ضمن أسوار الوطن “سوريا” في مجتمع قوامه مؤسسات المجتمع المدني بعد تحقيق العدالة الاجتماعية وقاعدة هذا المجتمع الأخلاق السياسية الطبيعية ويمكن أن نوجز بأمور عدة
المجتمع المدني ليس بديلاً عن الدولة، وهذا يؤكد لنا بأن لا دولة تستطيع أن تحكم المجتمع المدني بعنف.
ولا المجتمع المدني يستطيع أن يحكم الدولة بضعف.
إذاً العلاقة هي علاقة تعاون “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان” وتعاقد وتشارك، لأن قيام المجتمع المدني يساهم في إحياء الحيوية الثقافية والتاريخية الخاصة لكل المكونات، وهذا المجتمع هو بنفس الوقت بناء ونشوء المجتمع الصحيح، لأن المجتمع المدني هو المجتمع المنظم سياسياً وديمقراطياً، وهذه الديمقراطية هي التي تساهم وبشكل فعال ببقاء المجتمع المدني ومؤسساته لذاتها وبذاتها.[1]