المؤتمر السادس لحزب PYD نجاح لفلسفة اوجلان في الأمة الديمقراطية
ابراهيم ابراهيم
يبدو أن معادلة الكون التي انطلقت من الشرق أو بلاد ما بين النهرين “ميزوبوتاميا” و التي فقدت في بعض مراحل التاريخ فاعليتها بعد تدخل عوامل جغرافية و تاريخية غير منسجمة مع طبيعتها و تكوينها الثقافي والاجتماعي بدأت تظهر من جديد و بدأت تتمدد وبآلية تشبه القديم القديم…!! فالحروب بين شعوب تلك المناطق من بدءاً من السومريين و الآشوريين و الميتانيين و الكاشيين و الحثيين و الكر و الفر حيث كان المعنى الوحيد لهذه الحروب بعد معنى السيطرة و المال هي الفلسفة التي كان يتبناه كل قوم من تلك الاقوام و مفهومها للطبيعة و الحياة و محاولة فرضها على انها الحقيقة الواحدة و المطلقة.
و اليوم يختلف المعنى قليلا و يصعب على المرء تحديد الإطار الحقيقي للفلسفات التي تحارب بعضها البعض في ميزوبوتاميا تلك الفلسفات التي يمكن تسميتها بفلسفة القضاء على الجنس البشري الذي يمتلك العقل و المشاعر و الاحاسيس تقودها العديد من الاجنحة و هي تمارس شتى الوسائل القذرة في سبيل ذلك و كقانون حتمي لطيبعة التطور لا بد أن يظهر مقابل تلك الفلسفات فلسفة اخرى مناهضة و مقاومة تحاول هي بما تملك من قوة و وسائل الدفاع عن العقل و المشاعر و الاحاسيس و هي فلسفة الامة الديمقراطية التي جاءت كحاجة طبيعية للعديد من المجتمعات بعد التراجع الواضح في جميع النظريات التي سبقتها.
و قد ذكر التقرير السياسي للرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYDفي هذا السياق أنه بعد انهيار معسكر الإشتراكية المشيدة في تسعينيات القرن العشرين تحول العالم إلى أحادي القطب وظهر أن الحداثة الرأسمالية بكل أدواتها ووسائلها بدأت بقيادة العالم ، بما في ذلك إعادة رسم مناطق النفوذ والحدود وحتى الأنظمة التي تسيطر على الشعوب أصبحت لاتتعارض مع متطلبات الحداثة الرأسمالية وسيادتها. أما الكيانات التي كانت تحارب الرأسمالية التقليدية فقد بدأت تستبدل قواعد الصراع والمواجهة، إلى درجة أن بعضها بدأت تستخدم نفس الوسائل التي تستخدمها الحداثة الرأسمالية، وبذلك تبدل الصراع الطبقي الذي ألفناه إلى صراع على المصالح الإقتصادية ومناطق النفوذ، مثلما تبدلت مواصفات معهودة مثل البروليتاريا والرأسمالية والإستعمار إلى مواصفات جديدة تبحث عن تحليلات وتوصيفات وربما تشريعات جديدة. فالإستعمار بات استعماراً مالياً تتحكم فيه البنوك والبورصات
هكذا يبدو حال اليوم في العالم و الشرق الاوسط و لكن باحتلاف واضح … فقوة محصورة في تيار يدعى الدين و الدفاع عن القيم الالهية و الدينية بما يراه هو و هو فقط و يوصف بالارهاب و مركز بلاد ما بين النهرين ..!!! و الآخر تيار انساني بفلسفة اخلاقية مبدأها الانسان و احترامه و الاعتراف به كأرقى مخلوقات الكون و مركز ما بين النهرين و اسيا الصغرى يقودها من يؤمن بنظرية و فلسفة المفكر عبدالله اوجلان عبر تحالفاته مع من من يقود نظيات أو اتجاهات و فلسفات اخرى بين اوربا و امريكا و روسيا التي جاءت من قطب الثلج و الجليد الشمالي من طرف آخر.
يتخذ التيارالاول الموصوف بالارهاب شتى الوسائل و الاليات لفرض ارادته السلطوية و فكره الظلامي و فلسفته في الاطاعة العمياء و رفض الحداثة الدنيوية و حل سلطة قمع و الاستفراد محل الديمقراطية والقيم التي تحافظ على كرامة الانسان و التاريخ و على محرمات الجغرافية لتصل ألياتهم إلى ذبح الانسان و حرقه و تعذيبه و هدم الاوابد و الاثار التي تحكي قصة الانسان عبر الرسم و النحت منذ الآف السنين و يبقى الثاني تيار الانسان و الاخلاق في وضع دفاعي مستميت امام هذه الالة المتوحشة .
في إطار هذه المعادلة الكونية و الحرب المشتعلة و التي باتت تأثيراتها تظهر فعلا في جميع أنحاء العالم حتى اصبحت القضية المركزية و الاولى بالنسبة للعالم و دون مبالغة في الوصف لان قاءة معطيات تجربة الثورة في روج آفا هكذ تشير..!! إذا في ظل كل ذلك انعقد المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD في 20-09-2015 في مقاطعة الجزيرة ليجمع قوى كردية و اقليمية و دولية متقاربة في فلسفتها الاخلاقية المدافعة عن الانسان و قيمه رغم اختلاف آلياتها في الحرب على التيار الاول “الارهاب” لتكشف للمراقبين في العالم أن ركيزة فكرية و وطنية و مدنية غير محددة الانتماء, حديثة العناصر الفلسفية و السياسة و الاخلاقية, بدأت و في زحمة صراع شديد و عنيف بين الحضارات و الفلسفات و النظريات تظهر بقوة انطلاقا من روج آفا او غربي كردستان أو شمال سورية و هي الامة الديمقراطية التي وضع اسسها الفلسفية و الاخلاقية القائد و المفكر و التي تختزل في فكرة كل شيء من أجل الانسان و الانسانية و بروح جديدة حاملها الوحدة في الاختلاف و احترام المختلف بالانتماء الاجتماعي و السياسي و قناعاته و افكاره في جغرافية واسعة قد تمتد فعلا طولا و عرضا في انحاء الشرق على الاقل.
و يعيد التقرير السياسي للرئاسة المشتركة لحزب PYD أنه في أجواء ثورة سورية غير واضحة المعالم، ووطن يشهد صراعاً عنيفاً على السلطة بين حكومة وسلطة استبدادية مستعدة لتدمير كل شيء في سبيل البقاء في السلطة، ومعارضة خارجية تشكلت في الخارج من شخصيات لها صيتها وتفتقر إلى قاعدة شعبية ورغم ذلك تدعي أنها الممثل الوحيد للشعب السوري، وفصائل مسلحة تحارب على الأرض وتلقى الدعم من أطراف خارجية ولا تدخل تحت مظلة أية معارضة سياسية، بل همها الأول إنشاء هيكلية حكم تستند إلى الشريعة الإسلامية وفصائل مسلحة من الجيش السوري الحر تفتقر إلى استراتيجية ومنهاجية عاجزة عن تمثيل حقيقة الثورة الديموقراطية ، ومعارضة سياسية داخلية من بقايا أحزاب كانت لها جماهيرها ولكنها تناثرت تحت معول الاستبداد والأوليغارشية الحاكمة بقيادة البعث. ونحن كحزب وجدنا أن نكون شركاء مؤسسين في معارضة سورية وطنية رغم وجود تباين في الرؤية حول سبل حل القضية الكردية في سوريا ولا زلنا نسعى إلى توحيدها. لأننا ننتمي إلى سوريا ولأننا كنا أكثر المتضررين من الإستبداد، وشعبنا الكردي هو أكثر شريحة تتطلع إلى الحرية والديموقراطية وتناضل من أجلهما، ولهذا نحن سوريون وجزء من الثورة السورية ولنا مشروعنا لسوريا المستقبل
كان السبب غير المباشر و بعيدا عن النظام الداخلي و قراءته الجديدة في المؤتمر و ما رافقه من تغييرات و اصدار قرارات جديدة تأتي في إطار المفهوم أعلاه “الامة الديمقراطية” و تبعيات و طبيعة المرحلة هو ترسيخ مبدأ الامة الديمقراطي أو بمعنى آخر ترسيخ مبادئ التيار الثاني الذي تحدثنا في المقدمة أي التيار الاخلاقي الذي يستميت دفاعا عن نفسه امام التيار الاول الذي يتبنى الارهاب و الظلامية.
إن التقارب و التحالف الدولي الذي نشأ و ينشأ بين الامة الديمقراطية المتمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD و غيره من الاحزاب الكردستانية و بين الامم ذات التوجهات السياسية و الاجتماعية و الثقافية المختلفة “اوربة , امريكا, روسيا, و غيرها” و ما ينتج من هذا التقارب من نتائج و انتصارات على الارهاب في العديد من المناطق يشير بشكل أو بآخر إلى حتمية بناء عالم جديد باسس و مفاهيم جديدة تستوعب المتغييرات المتسارعة التي تحصل رغم عن الطبيعة و التي تحتاج مساحة لا يمكن سوى للامة الامة الديمقراطية استيعابها و هذا ما يؤكد معادلة التطور حيث ذلك يتتطلب من يستوعب ذلك في ظل المساحة الضيقة و الضيقة جدا للتيار الظلامي الارهابي الذي لا يستوعب سوى مقولة واحد و هي مقولة الاطاعة العمياء للامير أو الخليفة و كل شيء من أجله.
و لمعرفة الحزب بتفاصيل الواقع السوري خاصة و الاقليمي عامة و ما يحيطه من تناقضات خطيرة عمل الحزب على ، لعب دور الطليعة في هذا المنعطف التاريخي الذي مر و يمر على المنطقة ، حيث عبر الحزب عن الإرادة الجماعية من جانب و محاولته تحقيق الطموحات والتطلعات بأقل الخسائر في تلك المنعطفات التاريخية المصيرية.
و الحزب آمن بإرادة الجماهير و بالديموقراطية الجذرية وجعلها نهجاً له في الممارسة العملية، وساهم في تأسيس الوسائل والأدوات والسبل التي تؤدي إلى إبراز وسيطرة الإرادة الجماعية للمجتمع السوري بكافة مكوناته، بحيث يكون الشعب سيد نفسه ويقرر مصيره. ولهذا آمن حزبنا بفلسفة الأمة الديموقراطية وتبنى مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية في مؤتمره الثالث في عام 2007 وعمل على تنظيم صفوف الجماهير ايماناً بأن الشعب المنظم هو القادر على فرض إرادته وتحديد مصيره وحماية نفسه وقيمه.” التقرير السياسي للرئاسة المشتركة للحزب”
و منذ بداية رياح التغيير في سوريا عام 2011 كان لحزبنا رؤيته الخاصة وتحليله المختلف للأوضاع ومواقع القوى المتصارعة وموقفه المتميز فيما يجري. فحزبنا كان في كفاح مرير ضد السلطة الحاكمة منذ سرهلدان #قامشلو# عام 2004، ولديه مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية الذي يمكن أن يكون نموذجاً لسوريا المستقبل، فإذا كان الهدف من الثورة هو حرية الشعب فنحن أكثر من عانى من الاستبداد والقمع وجماهيرنا أكثر المكونات السورية حاجة إلى الحرية ، وإذا كان الهدف هو الديموقراطية، فالديموقراطية الجذرية هي نهجنا ونتطلع ونناضل من أجل تطبيقها وتطويرها. ولهذا نحن نمثل طليعة الثورة ومحركها الأساسي، وكنا على وعي بوظيفتنا التاريخية في هذه المرحلة.
وعلم الحزب كما يبين التقرير السياسي بأن النظام السوري البعثي متجذر بأدواته وأجهزته الامنية و أنه لن يتخلى بسهولة عن سلطته وحكمه ، وكذلك أدركنا الأهمية الجيوستراتيجية لسوريا لبعض الأطراف المعنية وأنها لن تتخلى عن النظام السوري بسهولة، مثلما كنا عالمين بالديناميكيات الموجودة ضمن المجتمع السوري وعرفنا أنها ليست كافية للاعتماد على الذات في إجراء التغييرات المطلوبة بالإضافة إلى افتقارها للثقافة الديموقراطية التي هي نتاج تراكمي ولا يمكن منحها من طرف آخر. ومن تجربتنا التاريخية عرفنا أن القوى التي لاتعتمد على إمكانياتها الذاتية في كفاحها تصبح أسيرة في قرارها لمن يزودها بالمال والعتاد، وهي بدورها ليست جمعيات خيرية توهب من دون مقابل.
ولهذا تتابع الرئاسة المشتركة عرفنا بأن الصراع سيطول وبدأنا بتنفيذ ما عجزنا عن تنفيذه قبل الثورة، فعملنا على تنظيم صفوف الجماهير بشتى الوسائل والسبل، والجماهير التي آمنت بهذا النهج أقامت مؤسساتها ومنظماتها التي تخدمها وتلبي حاجاتها إلى أن تم إبعاد النظام من مناطق روجافا وتبلورت أخيراً في ثلاث كانتونات تأسست بقرارات مجلس تشريعي يضم ممثلين لكافة المكونات القاطنة في مناطق روجافا، وبتنظيم مجتمع روجافا لنفسه في مؤسسات دفاعية استطاع التخلص من النظام أولاً والتصدي لكافة الإعتداءات الوحشية التي شنتها القوى الظلامية التدميرية لتسطر بذلك أروع ملاحم البطولة والتضحية دفاعاً عن القيم الإنسانية التي عجزت قوات الدولة القومية عن حمايتها. هذا الصمود والتضحيات كانت دليلاً ساطعاً على مدى صحة ما ذهب إليه حزبنا في الاعتماد على الذات وتنظيم الشعب بكافة مكوناته حسب النهج الثالث المتمثل في فلسفة الأمة الديموقراطية.
أما على الصعيد الكردي السوري و الكردستاني تقول الرئاسة المشتركة: سعينا دائماً إلى توحيد الخطاب الكردي وتحقيق موقف كردي موحد حول الحل السوري وحل القضية الكردية في سوريا، و بذلنا كل ما بوسعنا كردستانيا من أجل تطوير علاقات الأخوة والانتماء القومي مع كافة الأحزاب الكردستانية، وعملنا بوحدة مصير الشعب الكردي الذي انتفض دفاعاً عن ثورة روجافا. ودعونا دائماً إلى تأسيس المؤتمر الوطني الكردستاني ليكون مرجعية للشعب الكردي بل ومكونات ميزوبوتاميا عموماً، وسنبفى مصرين حتى نحقق طموحات شعبنا.
جهدنا دائماً لنكون الصوت الصادق لثورة روجافا وجزءاً من الثورة السورية، رغم الصعوبات الكثيرة على صعيد التعريف بقضية الشعب الكردي في روجافا، ولكن المقاومة التي أبداها شعبنا في مواجهة القوى الظلامية والانتصارات التي تحققت على أرض الواقع غيرت الموازين، وبات العالم بأسره يعرف كوباني ومقاومة كوباني إلى درجة تخصيص يوم الأول من نوفمبر يوماً عالمياً لمناصرة كوباني ومقاومة الإرهاب. واستطعنا كحزب أن نتشرف بالانضمام عضواً في الإشتراكية الدولية. وخلال الفترة الماضية بات الصوت الكردي مسموعاً في المحافل الدولية عموماً.[1]