الحدث السوّري ولحظات الحسم الأخيرة
ابراهيم بركات
على نحو غير مسبوق شهدت الأزمة السوّرية في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم تطورات ملفتة، على صعيد المواقف الدّولية خاصة تلك الدّول التي تعتبر في مراكز القرار في العالم، بموازاة تحرك عسكري روسي لافت في أتجاهين، الأول تزويد النظام السوري بالعتاد والأسلحة الحديثة والمتطوّرة بالغة الدقة بما فيها الطائرات بدون طيار، لرفع قدرات الجيش السوري في مواجهة المجموعات الإرهابية حسب زعمهم. وتالياً محاولة الحسم الحل العسكري على الأرض، سعياً لتحسين وفرض شروط التفاوض لاحقاً. أما أتجاه الآخر فكان قيام روسيا بنشر وتعزيز قواتها العسكرية وخاصة سلاح الطيران على الساحل السوري، بالإضافة إلى وجود قاعدة بحرية من الأسطول العسكري الروسي في الساحل السوري منذ عدة سنوات، هذه القاعدة التي يمكنها رصد ومراقبة جميع تحركات العسكرية الغربية والأمريكية في البحر الأبيض المتوسط وحتى المحيط الأطلسي.
سياسياً بات السّجال على أشده في المواقف الدوّلية وأكثر من ذلك بدت مواقف بعض الدوّل مرتبكاً وملتبساً حيال هذه التطوّرات، وخاصة موقف تركيا وفرنسا، فيما أغلب الدوّل وفي تحوّل لافت جزمت بأن وجود الأسد بات ضرورة للوصول إلى الحل في سوريا، فيما ذهب الرئيس الروسي إلى أبعد من ذلك حين صرّح بأنه يجب دعم الاسد متذرعاً بالقضاء على الإرهاب، فيما اجتاحت موجة من الاستياء لدى حكومات الغربية والولايات المتحدة مع عمليات العسكرية الروسية في سوريا، وقيام السلاح الجو الروسي بقصف مواقع التنظيمات الإرهابية في حماه وحمص وإدلب والريف الساحلي وصولاً إلى حلب والرقة، وقد ذهب البعض إلى أتهام روسيا بأن طائراتها تقصف أهداف مدنية أكثر من المواقع الجماعات المسلحة. فيما لم تكف أمريكا بإدعاء بأنها سوف تقوم بتدريب ألوف من عناصر المعارضة السورية – المعتدلة- بغية زجهم في معارك على الأرض ضد تنظيم داعش، مع الإشارة بأنه سبقت لأمريكا أن دربت مجموعة صغيرة من ما تسمى المعارضة، لكن هؤلاء خذلوا أمريكا حين سلموا أسلحتهم لجبهة النصرة ولاذوا بالفرار بعد قبض عدة ألوف من الدولارات من خلف ظهر الائتلاف باعتراف أمريكي واضح، وفي خضم هذه الزوبعة وتلاحق الأحداث، يبدو واضحاً أن ما تسمى بالمعارضة السورية وخاصة الائتلاف تتصرف وكأنها ليست معنية بشيء لا بالتدخل الروسي العسكري ولا بردّات الفعل الغربية، سوى التربص ومحاولة عرقلة أية خطوة أو أنجاز تحققه الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعات الثلاثة في روج آفا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المهاجمة الشرسة التي مارسها المجلس الوطني الكردي (عضو في الائتلاف) في مواجهة هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة ومشروعها تدريس المناهج التعليمية باللغة الكردية في مدارس المقاطعة.
بالعودة للمواقف وتفاعلاتها تجاه الأزمة السوّرية وانشطاراتها، من الخطأ قراءة موقف أردوغان الأخير وتصريحه “بأنه من المحتمل أن يكون الأسد جزء من الحل في سوريا”
بأنه تراجع عن مواقفه السابقة، أردوغان يدرك مسار الأحداث والتوازنات الدوّلية وفق حسابات داخلية وإقليمية ودولية لذا يمتلك القدرة على التكيّف مع أي وضع جديد ومستجد بغض النظر من موقفنا من أردوغان وسياساته القذرة كقذارة سلفه أتاتورك. رغم ما يحيطه من أرباك داخلي بات معروفاً لكل متابع، لكن دخول الروسي عسكرياً بعد أن اضناه متاهات تدخله السياسي وبعد تراجع ملفت لدور الإيراني على الأرض في سوريا وهكذا نجد بأن التدخل الروسي لم يكن اعتباطيا ولم يأت من الفراغ، بل ربما وضع الروس في الحسبان الحل والحسم على الأرض أولاً ومن ثم تشعبات وتفاصيل تتعلق بالداخل السوري نفسه، ونستقرئ من ذلك أكثر من دلالة ربما أولها، فرض شروطه كشريك سياسي لنظام وحزب الله وإيران في أية مفاوضات لاحقة، خصوصاً مع بوادر لاحت في الأفق بضرورة انعقاد جنيف 3 سبقت هذا التحوّل الأخير في مسار الأحداث أثر التدخل الروسي عسكرياً، رغم عدم تبلوّر أتفاق مسبق حول معطيات جنيف 3 وتالياً الرهان على نتائجه، مع العلم كان هناك تسريبات إعلامية تؤكد باقتراب انعقاد جنيف 3 وذهبت بعض التحليلات الصحفية بأن انعقاده سيكون تحصيل حاصل لاتفاق على ما أتفق عليه مسبقاً وما على الأطراف المعنية من النظام والمعارضة بكل تلاوينها وأطيافها سوى الحضور إلى جنيف والتوقيع، فلأزمة السورية تم تدويلها شاء النظام أم أبى، وإي تأخير في الوصول إلى حل شامل ومتكامل يكون على حساب دماء السوريين، قتلاً وتهجيراً وتشريداً.[1]