تعامل الكورد مع التدخل الروسي في سوريا
نورالدين عمر
دخلت سوريا مرحلة جديدة من الحرب و الصراع المسلح مع التدخل الروسي بشكل مباشر في هذا الصراع الذي حصد أرواح المئات الالاف حتى الآن و دمرت البنية التحتية بنسبة كبيرة و تهجر نصف سكان سوريا و يعيش الأغلبية من المدنيين أيام و ساعات من الرعب و القلق بشكل مستمر في مساحة لم تعد أسمها الدولة بل مساحة تضم مجموعة من الدويلات تتصارع فيما بينها دون أي بادرة أمل في إنهاء هذا الصراع قريبا .
التدخل الروسي جاء لنصرة النظام و محاولة الحفاظ عليه من السقوط و لذلك فهي لن تفرق في ضرباتها الجوية بين داعش و جبهة النصرة و جميع الفصائل الاسلامية و السلفية و الجهادية و حتى التي تسمى بالفصائل المعتدلة في العرف الغربي و الخليجي و التركي .
و المبررات الروسية لتدخل في سوريا لا تختلف كثيرا عن مبررات كافة الدول و القوى التي تدخلت سابقا في سوريا فهي تحمي نفسها من الارهاب بالتدخل في سوريا ،حجة استخدمها قبلها ايران و حزب الله و تركيا و الولايات المتحدة و دول الخليج و الدول الغربية المشاركة في قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش ،فالكل بات يحمي نفسه من الارهاب عبر التدخل في سوريا ،و لكن الحقيقة إن لكل قوة و دولة أهداف خاصة من التدخل و مثلما لم تكن حجج التدخل لكل القوى غير مقنعة فان حجج روسيا أيضا غير حقيقة .
روسيا تتدخل ليس لحماية الشعب السوري بل خدمة لمصالحها و حفاظا على الساحل السوري بعد ان فقدت موسكو كل مواقعها في منطقة الشرق الاوسط و الشمال الافريقي ،و سوريا اليوم او الجزء المتبقي من مناطق التي يسيطر عليها النظام ستحميها روسيا و تجعل منها أقليم مرتبط مع روسيا سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و لن تسمح لأي قوة بالسيطرة على مناطق نفوسها .و الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة و بعض الدول الاقليمية لن تستسلم لرغبات روسيا و ستشهد الساحة السورية مزيدا من الاشتباكات بين المحور الروسي الايراني من جهة و محور الاميركي و الغربي و الخليجي و التركي من جهة أخرى و لكن بوسائل غير الاصطدام المباشر ، و ستكون القوى السورية من المعارضة و الموالة أدوات هذا الصراع الدولي ،و سيتم استخدامها و استغلالها لكسب مزيدا من النجاحات و النقاط لمحور على حساب المحور المضاد . و الصراع على الارجح سيستمر لسنوات و سنشاهد مزيدا من القتل و الدمار و الخراب و التشريد قبل أن يهدأ هذا الصراع ،هذا إذا هدأت فعلا لأن تحول سوريا الى أفغانستان ثانية ليست مستحيلة بل واردة و ملامحها تبدوا ظاهرة مع هذا الكم الهائل من التدخل .و لو هدأت و توقفت الاشتباكات و اتفقت الأطراف المتبقة في نهاية الصراع فإنها ستنتهي بتقسيم سوريا الى دول او دويلات معترفة بها عالميا في أحسان الاحوال .و قد تكون النتائج أسواء من التقسيم ، فقد تصبح سوريا مساحة مدمرة خالية من البشر تقريبا حينها قد يدرك المتصارعون أهمية السلام و التعايش السلمي .
و في هذا الصراع الدولي و الأقليمي ما هو دور الكورد ؟ كيف سيحافظون على مكتسباتهم ؟ و كيف سيحمون أنفسهم ؟ و هل سيكون لهم دور في هذه المعادلات السياسية الحالية و المستقبلية ؟ .
المحور الروسي الايراني مع النظام السوري يحاول التقرب من الكورد و استخدامهم في هذا الصراع لمصلحتهم و لم يصطدموا مع الكورد فعليا حتى الآن .و بالمقابل يحاول المحور الغربي الاميركي و الخليجي التقرب كذلك من الكورد و استخدامهم و إعطائهم بعض الوعود و يلعب قوات التحالف الدولي دورا مهما في حماية المناطق الكوردية من هجمات داعش الارهابية و هناك تنسيق بين قوات التحالف و القوات الكوردية منذ هجوم داعش على كوباني في العام الماضي و هذا التنسيق ما يزال مستمرا ، و لكن تركيا التي تعتبر نفسها جزءا من قوات التحالف تعادي بشكل علني تطلعات الكورد و تهدد يوميا الشعب الكوردي و تدعم القوى الظلامية و تشجعها على مهاجمة الكورد .
الكورد كشعب و كقوى سياسية و إدارات الذاتية و قوات الحماية الشعبية استطاعت حتى الآن الحفاظ على المناطق الكوردية و الدفاع عنها رغم كل الأخطاء و النواقص و الخلافات القائمة ، و لم تنجر كما اريد لها الى الصراعات الطائفية و المذهبية و لم تصبح جزء من الأطراف السنية و السلفية أو الأطراف الشيعية و العلوية .و اتخذت لنفسها نهج الدفاع عن مناطقها و عدم الاصطدام إلا مع القوى المهاجمة .
و هي الآن أما تحديدات جديدة مع دخول الصراع مرحلة التدخل الروسي المباشر ،فهي لا تستطيع تجاهل الروس كما إنها لا تستطيع تجاهل أي قوة أخرى تقاتل على الارض السورية من التحالف الدولي إلى قوى المعارضة و القوى الأقليمية و التكفيرية .
و القوى الكوردية السياسية و العسكرية أمامها جملة من المهام لكي تخرج من هذا الصراع منتصرة و يكون لها مكانة مرموقة بين تلك القوى المتصارعة و ليست مجرد أدوات في لعبة القوى الدولية ، و لان الصراع لا تشمل سوريا و كوردستان الغربية فقط بل انها تخص أغلب الدول الإقليمية و أجزاء الكوردستان الأربعة فإن التقارب الكوردي -الكوردي و نبذ الخلافات الجانبية و تشكيل القوى العسكرية المشتركة و تسليح القوات الكوردية و تجهيزها ضرورية ،بالإضافة الى تطوير العلاقات مع القوى الاساسية في هذا الصراع و بالاخص روسيا و الولايات المتحدة و محاولة عدم التصادم مع تلك القوتين أبدا و عدم الانجرار إلى الصراعات الجانبية التي ترهق القوات الكوردية و تركيز على الأهداف الاستراتيجية و هي توحيد و تحرير المناطق الكوردية المتبقية تحت سيطرة تنظيم الدولة الأرهابي و بشكل خاصة توحيد مساحة المقاطعات الثلاثة و تحرير شنكال . روسيا ستحاول التأثير على التنسيق القائم بين قوات التحالف و القوات الحماية الشعبية و ستستخدم الوعود و الكلام المعسول لتقرب من الكورد و محاولة ابعادهم عن التحالف الدولي الذي يقوده الولايات المتحدة .
و القيادات الكردية عمليا لا تمتلك الاستراتيجية النوعية بسبب العديد من الأسباب لسنا في واردها الآن .رغم ان الوضع الحالي يتطلب لقاءات كوردية على أعلى المستويات القيادية لوضع استراتيجية وطنية شاملة لتعامل مع الوضع و التطورات الحاصلة .
روسيا لن تقبل بالهزيمة كما هزمت في غير أماكن و ستحاول الانتقام هذه المرة في الساحة السورية و الولايات المتحدة لن تنجر إلى حرب مع روسيا و لن تقبل تسليم الساحة السورية لروسيا وحدها و في معمعة هذا الصراع فإن الكورد أما سيتجهون نحو تحقيق أمالهم في الحرية و التحرير و أما إن التاريخ سيعيد نفسه مثل كل مرة و يخرج الكورد من هذه اللعبة الأممية بدون تحقيق طموحاتهم و آمالهم . و من هذا المنطلق فإن وضع استراتيجية كوردية لتعامل مع كافة المستجدات و التطورات السياسية و الميدانية مهمة .و القيادات الكوردية و على رأسها قيادات قنديل و هولير و سليمانية و قامشلو تملك من الخبرات و التجارب التي تجعلها مدركة لأهمية هذه المرحلة المصيرية التي تواجهنا .و ما نتأمله هو ان تكون القيادات الكوردية بمستوى المسؤولية و تحقق طموحات و أمال الكورد في الحرية و التحرر و تستغل هذه الفرصة التاريخية التي ربما لن تتكرر أبدا في سبيل أن يكون للكورد مكانتهم اللائقة بين الأمم .[1]