إلى أم المدائن.. إلى كوباني
سيهانوك ديبو
الواحد من 02 القادم بعد لحظات؛ لن يكون يوماً اعتيادياً؛ إنما هو يوم للتاريخ، يشبه القليل من الأيام التي مضت وتشبهها القليل من الأيام التي تأتي.
سنكون منصفين لو قلنا بأن كتب التاريخ تخلو من هذه الظاهرة؛ ظاهرة التضامن الأممي مع مدينة…مع كوباني. وكل من تضامن هذه المدينة يعرف قصتها مثلما يدركها غير المتضامن أيضاً؛ إنها قصة مقاومة شعب أنتجت وحدات حماية الشعب والمرأة التي ظلت متشبثة بتراب الأرض معلنة المبدأ: النصر أو النصر؛ فانتصرت بعد مقاومة استمرت لمدة تسعة وأربعين يوماً؛ وحيدة تقاتل بدمها وبإرادتها أمام واقعة طارئة بل أمام دولة طارئة امتلكت السلاح النوعي والحشد الكبير المتعكز على استطالات نظام الاستبداد واستفراغ الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وتساهل تسلط الحوكمة العالمية؛ أمام ما تسمى دولة الإسلام في العراق والشام سقطت جيوش وخرّت مدن واستسلمت جيوش؛ وكانت أول هزيمة للدولة الطارئة على يد المرأة والشباب في #كوباني# . الصورة في كوباني ليست متعلقة بانهزام طرف عسكري أمام طرف آخر؛ كما حال كل الحروب؛ الصورة أن فكراً نتج من لحظات سكون مرّت على الشرق الأوسط وأنتجت بدورها نمطية يمكن تسميتها بالتحطب المجتمعي؛ أي عندما يكون اللاإحياء السمة فيكون التحطب ظاهراً، وأما الفكر الجحيمي فيستند إلى رباعية: استعباد المرأة واستبعادها، نمطية التوحش بأبعادها، ثوقفة القتل، إحياء الجهاد واستحياء الاجتهاد. هذا الفكر هزم في كوباني وينتظر الإجهار عليه في هذه اللحظات السورية العصيبة، أمّا الفكر المنتصر فَمتمثل بثقافة الأمة الديمقراطية: الشرق محكوم بأصوله؛ كما أن كل ورقة بجذرها تحتكم، والشرق الأوسط مكتوب له أن يتم إحياء مجتمعيته المتبعثرة على يد الخارجي: رسامي الخرائط ونقاشي اصطناع الدروب؛ وعلى يد الداخلي: بئس القوم وصنّاع الاستبداد وظُلّام الشعوب، ويستعيد دوره؛ فقط؛ لأن الحضارة ظهرت بداية في الشرق الأوسط.
كل ثورة/ معركة/ حرب/ صراع؛ تؤدي إلى نتيجة انتصار المحكوم به على الحاكم؛ يعتبر معرفياً؛ تغيير مجتمعي أصيل لا يمكن تأويله، وكما كانت ثورة سبارتاكوس ضد السيد/ السادة؛ كانت كوباني المنتصرة على النظام الاستبدادي في تركيا أكبر الداعمين لداعش، وانتصرت على النظام الاستبدادي في دمشق حينما نظر إلى جموع الإرهاب تسلب وتنهب وتقتل، وانتظر -بفارغ الدم- أكثر كي يسيطر الإرهاب على كوباني ويتحيّن الفرصة ويقول للعالم: إما أنا وإما الإرهاب، ولا حراك ثوري يُذكر ولا مطاليب ثورية تُذكر؛ إنما ثلة إرهابيين تتحرك وتتمدد، أما مشرفي لعبة الأمم فهم بطبيعة الحال وبطبيعة هذا العمل اللاأخلاقي بأنهم مراقبين نوعيين -حتى- لشهيق الشعوب وزفيرها؛ لكنهم فاشلون في رصد إرادة المجتمعات، الطلقة التي تخرج من بندقية تغطيها جدائل مرأة تأبى أن تكون امرأة؛ طلقة لا تخيب؛ طلقة ترسم المستقبل، وهذا أصل الحديث في كوباني.
للديمقراطية ألف تعبير ويزيد؛ لكن؛ أعظمها التوافقية وأسوئها العددية وأفشلها المباشرة، أما أمتنها تلك التي تحظى بالإجماع، والإجماع الذي تحصّل أن تكون الفلسفة أم العلوم، وعلم الاجتماع ملكها، وأن الأرض تدور، وأن تعريف المجتمع على أنه ثقافات متتامة وليست قوميات متناحرة؛ والقومية الجزء الأهم في الثقافة المجتمعية، فإن الإجماع الذي صار بأن تكون كوباني أم المدائن هو المُحِقُّ.
الواحد من تشرين الثاني؛ الذكرى الثانية للتضامن العالمي مع كوباني يصدف مع حدث آخر له علاقة بدفع التاريخ إلى الأمام، المتعلق بالانتخابات البرلمانية التركية، المتعلق المفترض بهزيمة لحزب العدالة والتنمية ومنعها كي لا تحقق رغائبها؛ المتعلق بفشل مشروعهم الداعم لداعش والنابت بأصول غريبة أيضاً عن تراب الشرق الأوسط. أيُّ سقوط مدويّ قد وصل إليه حزب ال آ كا با حينما يقتل شعبه ويهدد ملايين الناس في تركيا بأنهم في غير مستقر من أمرهم وسيصيبهم الدمار بعد الموت؛ في حال لم يمتثلوا لرغبات السلطان وإعادة انتخابه وفوزه المطلق وتحويل نموذج النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي. كما طبائع الاستبداد الكلية فإن الذهنية المستبدة التي تعمل ضد التاريخ لا تَعْتبِر من الدروس المسموعة عن سقوط الذهنيات المستبدة ماضياً وآنيّاً ومستقبلاً، ولا ترى ما يصيب الاستبداد من ضربات على يد شعوبها المقموعة؛ بل تسارع إلى حفر قبرها بيدها.
في هذه اللحظات غير المستقرة شرق أوسطياً، والانهيار شبه التام الذي صاب الوطن السوري؛ على جميع القوى الديمقراطية والعلمانية السورية أن تبدأ باستشاطة تاريخها النضالي وأن تقوم بدورها التنويري- الفرصة لا زالت تسمح؛ وفي وقت الظلام تبرز الحاجة إلى التنوير؛ في الوضع السوري المظلم من المفترض أن تستجمع القوى لتقول كلمتها التاريخية: لا؛ لا للاستبداد؛ لا للمعارضة المستبدة؛ لا لكل أجندة تتقدم على حساب الدم السوري.
كما هو الحال دوماً؛ التاريخ لا ينتظر إنما ينظر بخشوع إلى من يصنعه.
كل حضارة وكوباني بخير.[1]