آفة التسلط – التسلط آفة أم عادة
حسينة العلي
قد يكون الحديث عن بدايات تسلط الإنسان على الإنسان، داخلاً في إطار دراسة تاريخية– اجتماعية لكن ما يدفعنا إلى هذا الحديث هو ضرورة التطرق من باب التذكير بهذا الموضوع الأكثر حساسية في مجتمعاتنا، التي لم تجد حلولاً بعد لمعضلاتها الأساسية ولن نبالغ إن قلنا أن مسألتي التسلط والسلطة هما الأكثر جوهرية بالنسبة لحل أي مسألة تمس عوالمنا في دخان ورماد تخلفها….
التسلط في إحدى أبسط تفسيراته هو سحب أكبر قدر ممكن من الامتيازات من أفراد المجتمع المحيط بالمتسلطين، وقد تكون هذه الامتيازات معنوية صرفة وأحياناً مجازية وبلاغية (هنا المقصود الحالة الكردية).
إن كانت ذات طابع اقتصادي فالمسألة تؤول إلى الاستغلال ومعروف أن الاستغلال مع بعض القوانين المدنية قد اكتسبت مشروعيتها في عالمنا الرأسمالي المعاصر، التسلط الذي نعنيه بحديثنا الآن تحديداً هو أقرب ما يكون للظاهرة السلطوية الفردية في تحولاتها التاريخية وتلويناتها الجغرافية ومناخاتها السياسية المختلفة، وتداخلاتها مع نفسية الفرد المتسلط أو الساعي بخصلة إلى التسلط، فإن كنا متفقين حول التسلط كظاهرة اجتماعية– تاريخية تعيد إنتاج درجاتها على سلم الاستبداد الشرقي، فإننا لم نتفق بعد إلى أي درجة.
ترتبط هذه الظاهرة بنفسية الفرد وتشكل جزءاً من التكوين النفسي للإنسان، بمعنى هل كل بني البشر يميلون إلى التسلط والاستغلال؟ وهل هذا هو
قدرنا المحتوم! لقد أعيد طرح هذا السؤال أكثر من مرة وأكثر من شكل وأسلوب…
قد يربط عدد من العلماء هذه الظاهرة مع جوانب بسكولوجية وربما مرضية (عقد نفسية) لدى قطاع ضيق من أفراد المجتمع، مهما يكن نحن اليوم في البلدان النامية نعاني بشكل كبير من ظاهرة تسلط الفرد على المجتمع، وتغليب النزعات الفردية التسلطية على إرادة وفعل المنظمات ويتم حجب وظائف المؤسسات والهيئات الاجتماعية بأزمنة قياسية ذلك مؤشر على عدم نضوج في الوعي والوعي الديمقراطي وعدم المعرفة بدرجات حرية الفرد وضرورة تطوير الحياة الاجتماعية والسياسية هذه التي تتطلب تنظيم وإعادة تنظيم لعلاقة الفرد مع المجتمع والمواطن بالدولة والدولة بالمؤسسات والأحزاب للوصول أخيراً إلى أفضل العلاقات المشخصة بين الفردي الخاص والعام المجتمعي ودون أن نغوص في التفاصيل وتقاسيم آلية الظاهرة التسلطية وسر إعادة إنتاجها السريع في مؤسساتنا التي من المفترض لها أن تنتج كل شيء سوى التسلط وهوة السلطة ومن المفترض لها – للهيئات الجماعية – أن تكون فاعلة وعاملة من أجل تفكيك ظاهرة التسلط بكافة أوجهها لكن للأسف يبدو وخلال سعي مجتمعاتنا من تنظيمات المجتمع الأهلي (القبيلة كمثال) إلى منظمات المجتمع المدني (المنظمات، الأحزاب، الحكومات…) لم يتم الانتباه إلى أهمية حرية الفرد في اختياراته وضرورة القطيعة مع الماضي غير المدني فلم يتم العمل الحقيقي من أجل نشر الوعي الديمقراطي أي الوعي بخطورة السلطة ومؤسساتها وتنظيماتها، وبالتالي تم تناول مشروعية ممارسة (السلطة) على كافة الأصعدة من أيدي ممثلي التنظيمات الأهلية وكنموذج تطبيقي يهمنا أن نأخذ بعض أحزابنا الكردية التي تشكلت وتأسست لتقوم بوظيفتين أساسيتين الأولى التخلص من أشكال التسلط القومي والاجتماعي
ثانياً السعي لتأسيس مجتمع مدني ديمقراطي لا تسلطي متنور، فكانت إحدى أهم نتائج هذا العمل المشروع أنها قامت بإعادة تشكيل صيغ من السلطات الداخلية هي في الواقع نماذج مصغرة للسلطات الحاكمة هنا وهناك…
ومع دورتين للزمن تذبذبت هذه الأحزاب المهمة الأساسية في نشر الوعي الديمقراطي المشترك بحتمية التعايش والتحاور والتطهير من آفة السلطة والتسلط معاً، فأنتجت كغيرها من مؤسسات المجتمعات النامية حالات من التسلط الداخلي اللاديمقراطي لدرجة أصبحت تعاني السلطات البديلة نفس أمراض السلطات القائمة وهذه حقيقة نؤكدها بوجود جراثيم وبكتيريا التسلط في كل مكان!!!
ولكي نمضي قدماً في تخفيف التسلط الحكومات عن كاهل أبناء شعوبنا وكذلك نسرع في رفع تسلط رفاقنا عن كاهلنا !!!
لابد من عدة مقترحات وأمور تكون كموضوعات للاهتمام والتحاور لتحليل التسلط أولاً: نشر الوعي الديمقراطي على الصعيد النظري وتشجيع الممارسة على أضيق نطاق والسعي إلى التوسع في الممارسة.
ثانياُ: تكثيف الجهد الثقافي والتنوير الذي يساهم في خلق حالة أكثر إنسانية وتنمية البنى الروحية للمواطن الفرد وصولاً إلى درجات أعلى من المناع.
ثالثاً: تشخيص ظاهرة التسلط ونزعاتها على الصعيد الفردي والانطلاق
من الذات التي لا يمكن لها أن تخرج من دائرة الشيطان السلطوية…
أي علينا جميعاً أن نواجه نزعة التسلط الكامنة داخل كل فرد منا ونعمل
على تلطيف تخفيف شرور شهواتها، ما دام الاستئصال يحتاج إلى مناخ
أكثر تطوراً وأقل توتراً…
وإلا سنقضي نصف حياتنا الفانية في سبيل رفع تسلط الأشقاء عن جماجمنا ونصفه الآخر سنقضيه في العمل الدؤوب من أجل فرض وتثبيت تسلطنا على الآخرين وفي نسيج من العلاقات المدنية والحزبية المتشابكة فهل من محاولة نظرية أو عملية لمحاربة الذات المتسلطة داخل عروشنا الصغيرة الواهية….
هذه العروش التي تمتد بخيوطها السحرية وشرايينها إلى مقابر العنف…
وهمجية قياصرة الماضي البعيد المظلم.[1]