معركة حلب أمّ المعارك السوريّة
صلاح الدين مسلم
حلب العاصمة التجاريّة لسوريا المدينة التي ضمّت في طيّاتها الأثنيات والطوائف وإن كانت الأغلبيّة للعرب السنّة، هذه المدينة التي لا تعرف إلّا لغة التجارة، إنّها المدينة المقسّمة بين العرب السنّة والمسيحيين والكرد والتركمان، المدينة التي فيها صراع بين الريفيين والمدنيين، بين طبقتين اجتماعيتين، إنّها المدينة التي اجتاحها الريف العندانيّ ومن كفر حمرة وإعزاز وتل رفعت… عندما لم تقم الثورة الموعودة فيها من قبل سكّان حلب الأصليين، ومن خلال التأجيج التركيّ لها لتكون امتداداً لعنتاب التركيّة كي تفصل بين الكرد في روج آفا، وبعد أن استطاع الأسد أن يستميل التجّار، وبدأت في باب الحديد وجب القبة حيث الحارات القديمة في حلب، والمدينة الصناعيّة.
استطاع أردوغان أن يفرّغ حلب من المعامل ويسلب سطوتها التجاريّة على تركيا ذاتها حيث كانت المنافس لكلّ المدن التركيّة الصناعيّة.
استطاع الكرد الذين يشكّلون أكثر من 15% من سكّانها، أن يطوّروا من فكرهم في الحماية من خلال تنظيم حياتهم في مناطق تجمّعهم في الشيخ مقصود والأشرفيّة وما بينهما، وقد استطاعوا أن ينؤوا بأنفسهم عن هذه المعمعة الاقتتاليّة الشعواء بين طرفين متصارعين على السلطة والدولة والحكم والنفوذ، فلم يسلم الكرد من اعتداءات الطرفين واتّهامات الطرفين المتصارعين.
الآن يسيطر النظام السوري على ثلث المدينة، فالمركز بيدهم، وهو مرتبط ببقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من خلال طريق ضيق، إنّ خسارة هذه المدينة ستشكل انتكاسة سياسية وإستراتيجية كبرى بالنسبة إلى الأسد، وستضعف نظامه في المفاوضات المقبلة.
كلّ الأطراف المتصارعة (#داعش# ، النصرة، الجيش الحر، النظام) تريد السيطرة على حلب، وكلّ الأطراف المؤجّجة لهذا الصراع (روسيا، تركيا، السعوديّة، قطر) حتّى إيران التي لا تهمّها هذه الجغرافيّة إلّا أنّها المدينة التي إن وقعت بيد من فهو الرابح في هذه الحرب الضروس.
الريف الحلبيّ ريف منوّع بين كوباني وعفرين الكرديتين وما يفصل بينهما من قرى منوّعة بين كرديّة وعربيّة، وبين ريف سنّي وبلدتين شيعيّتين (الزهراء ونبّل) حتى
بعض القرى الكردية التي ألحقوها إلى الرقّة لم تتخلّص من هيمنة المدينة الملجأ (حلب).
ظلّت معركة حلب الساحة الكبيرة للمعارك الطاحنة والخسارات الحربيّة الهائلة للأطراف المتصارعة، وظلّت حارة الشيخ مقصود القلعة المنيعة أمام تقدّم كل التحالفات العسكريّة بين الجيش الحرّ والكتائب التركمانيّة المستحدثة من قبل أردوغان والنصرة على السواء ضدّ وحدات حماية الشعب، وظلّت الإدارة الذاتيّة التي تطوّرت في حارة الشيخ مقصود المكان المرتفع المطلّ على معظم مدينة حلب والتي سقطت في فترة معينة في يد النصرة لكنّ وحدات حماية الشعب استعادتها بل استطاعت تنظيم نفسها من خلال تنظيم صفوف المجتمع.
اختار الأسد طريق الأرض المحروقة للتغلب على الجيش الحر، من خلال قصف الأماكن التي بحوزة الجيش الحر حتّى انخفض عدد السكان في المناطق الشرقية من حلب من أكثر من مليون شخص إلى عشرات الآلاف، لكن بعد أن استولت الفصائل المسلّحة على المدن الصغيرة المحيطة بها كافة في محافظة إدلب والآن يشكّلون تهديداً خطراً على الجيش السوري في حلب.
لكن الحرب الآن هي بين جيش الفتح الراديكاليّ المشكّل من النصرة وأحرار الشام المدعوم من تركيا وقطر والسعودية وبين النظام السوريّ المدعوم مباشرة من روسيا وإيران وحزب الله، ومازالت أميركا تراقب الوضع بعد أن فسحت المجال لهذه الأطراف المتصارعة من الانخراط في الصراع السوريّ الشرق أوسطيّ.
إنّ وصل مقاطعتي عفرين وكوباني من شأنه أن ينهي المعادلة الحلبيّة برمّتها، وهذا ما لا ترغبه أميركا في إنهاء المسرحيّة التي لم تتمّ فصولها بعد، وبذلك تنقطع الورقة التي تلوّح بها أميركا كلّما أرادت أن تهدّد تركيا المنغمسة في الوحل السوريّ.
وظلّت محاولة أردوغان البائسة في فرض المنطقة الآمنة بين جرابلس وإعزاز حتّى وإن قامت بذلك بالقوّة لكنّ ذلك لن يرضِ روسيا لأن حلب ستقع بيد الطرف الذي سيحسم المعركة، وكذلك لن ترضى روسيا لأنّ ذلك نهاية سقوط النظام، فحلب هي الورقة الرابحة فمن يمتلك تلك الورقة سيمتلك قوّة التفاوض.
إنّ مدينتي الزهراء ونبّل الشيعيّتين اللتين تقعان بين عفرين وحلب، هي من ضمن نطاق حزب الله الشيعيّ، وبات وجود هاتين الناحيتين الكبيرتين مسألة وجود أو عدم وجود، وبإمكان وحدات حماية الشعب قطع الطريق الواصلة بين تركيا وحلب بكلّ
سهولة، فلا يمكن أن تسمح هذه الوحدات بالسيطرة التركيّة على الساحة لأنّ خطّة أردوغان هي خطّة إبادة الشعب الكرديّ في روجآفا وليست مسألة نفوذ فحسب.
لكن من المستغرب ألّا يبتعد الجيش الحر وجيش الفتح والنصرة عن المواجهة مع وحدات حماية الشعب، فهذه الوحدات مازالت ملتزمة بالخطّ الثالث البعيد عن الصراع، وهي الوحيدة القادرة على قطع الشريان الرئيس لهذه المعارضة المسلّحة، لكن إن ضاقت السبل أمام الكرد في الشيخ مقصود واشتدّ أزيز الحرب فيها فلا بدّ من وصل عفرين بالشيخ مقصود وهي مسافة ليست بكبيرة، فهذه القوات استطاعت أن توصل مسافة أكبر بين كوباني والجزيرة.[1]