خاص/ المركز الكردي للدراسات
أصدرت المحكمة الجنائية العليا الثانية والعشرون في أنقرة عقوبات مشددة في الدعوى التي عرفت باسم «قضية كوباني» في 16 مايو/ أيار، أبرزها الحكم بالسجن لمدة 42 عاماً على صلاح الدين دميرتاش، ولمدة 30 عاماً على فيغين يوكسكداغ، الرئيسين المشاركين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي.
حظيت الدعوى باهتمام واسع النطاق قبل جلسة إصدار الأحكام، والتي تأجلت عدة مرّات لحسابات سياسية داخلية وخارجية، وأحدثت قراراتها صدمة في تركيا خاصة أن القضية تحتمل إسقاطات متعددة لناحية تغيّر المناخ السياسي ومؤشرات حل الأزمة الاقتصادية، إلى جانب العامل الأهم والمتمثّل بارتباطها بالقضية الكردية في البلاد، ما رفع مستويات اليأس وفي استشراف المستقبل الذي بدا أكثر قتامة في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والصدامات السياسية المتراكمة عبر أكثر من عقد.
في هذه الدراسة، نستعرض المسار التاريخي للقضية، وأبرز محطّات التحوّل فيها، مع التأكيد على وجود إجماع داخلي وخارجي لكون القضية سياسية لا تستند إلى أي أسس قانونية، وهو ما يزيد من احتمالات نقض قراراتها من خلال التفاهمات السياسية أو تغير المناخ السياسي في الداخل التركي.
ما هي أحداث كوباني
اكتسبت الدعوة تسميتها على خلفية الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها تركيا عقب هجوم تنظيم داعش على مدينة كوباني في شمال غرب سوريا، بمحاذاة منطقة سروج التابعة لمدينة روها، في سبتمبر/ أيلول 2014. وكانت السيطرة على المدينة التابعة لحلب، ثاني أكبر محافظات سوريا، انتقلت إلى الجانب الكردي، في ما اعتبر بداية لثورة 19 -07- 2012، وفق أدبيات الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (إخراج المناطق من تحت سيطرة النظام السوري بعد توسع المواجهات الداخلية، وذلك بهدف حماية التجمّعات السكانية الكردية من هجمات المجموعات الإسلامية الراديكالية).
شن #تنظيم داعش# الإرهابي هجوماً واسعاً على كوباني والمنطقة المحيطة بها في سيبتمبر/ أيلول 2014، ونجح في إحراز تقدّم في محيط البلدة باتّجاه مركزها في أكتوبر/تشرين الأول، بالتزامن مع استمرار مسار السلام التركي-الكردي في تركيا، تلك العملية التي عرفت باسم «عملية الحل».
دفع هجوم التنظيم الإرهابي مئات آلاف الكرد ومثلهم من اليساريين الأتراك على التوجّه إلى الساحات وإقامة فعاليات «دعم كوباني» في مدن مختلفة في البلاد.
كما عقد مسؤولو حزب الشعوب الديمقراطي اجتماعات مختلفة مع السلطات التركية منذ احتدام خطر «داعش» على كوباني، حيث كان أحد أهم مطالبهم فتح ممر إلى البلدة المحاصرة من الجهات السورية الثلاث عبر الأراضي التركية لإيصال المساعدات العسكرية من مناطق أخرى في شمال سوريا وحكومة إقليم كردستان العراق.
سيطر تنظيم داعش الإرهابي على ما يقرب من 350 تجمّع سكني وقرية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، ولجأ أكثر من 150 ألف شخص من كوباني ومحيطها إلى شمال كردستان / تركيا هرباً من الموت والأسر كما حدث في شنكال، تصف إلى حد كبير خطورة الموقف الذي دفع بحزب الشعوب الديمقراطي آنذاك إلى تفعيل كل وسائل الضغط السلمية والديمقراطية من أجل حث الحكومة التركية على اتّخاذ خطوات غير معرقلة على الأقل من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه من أرواح البشر في الجغرافيا المذكورة.
تحدث الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي آنذاك، صلاح الدين دميرتاش، في واشنطن في 27-09- 2014، محذّراً من كون كوباني على وشك السقوط واقتراب التنظيم من البلدة الرمزية بالنسبة للكرد إلى أقل من مسافة كيلومتر، في وقت كان الجيش التركي المتمركز على بعد 500 متر من البلدة الحدودية مكتفياً بالمراقبة فقط، فيما كانت طائرات التحالف الدولي تقصف الإرهابيين جواً.
وبعد أيام وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول، طالب الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم بفتح ممر لنقل الأسلحة إلى كوباني عبر الأراضي التركية. وبعد يومين، دعت قيادة حزب الشعوب الديمقراطي عبر منشور على موقع إكس (تويتر سابقاً) أنصارها إلى النزول إلى الشوارع، مطلقة موجة احتجاجات حاشدة عمت جميع أنحاء البلاد وتركّزت بشكل خاص في مدن ومناطق شمال كردستان.
وكان القائد الكردي أوجلان قد دعا في لقاء محاميه به، إلى الاستنفار التام والتضامن مع المقاومة في كوباني، وتقديم كل سبل الدعم الممكن لها.
في هذه الأثناء، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارته الأولى بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2014 إلى مدينة عينتاب الحدودية مع سوريا. وفي خطابه، اعترف بأن ضربات التحالف الجوية غير كافية لإنقاذ البلدة وسكّانها، وأنه من الضروري التعاون مع المجموعات المسلّحة المقاتلة على الأرض، مضيفا: «تركيا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية بقدر ما هي ضد منظمة داعش الإرهابية».
أحدث خطاب أردوغان رد فعل من حزب الشعوب الديمقراطي ومناصريه، وأدّى إلى تصاعد العنف في الاحتجاجات التي كانت تنادي بثلاثة بمطلبين أثنين:
– فتح ممر نحو إلى كوباني عبر تركيا للسماح بوصول المساعدات من حكومة إقليم كردستان العراق ومناطق أخرى في شمال سوريا.
– ايقاف تركيا دعمها لتنظيم داعش الإرهابي.
تصاعدت الأحداث مع تصريحات وبيانات حزبي الحركة القومية اليميني القومي المتطرف وحزب «هدى بار» (بقايا حزب الله التركي)، والتدخّل العنيف لقوات الشرطة لاحقاً. وتم إعلان حظر التجول في بعض مناطق ولايات باتمان وآمد وماردين ووان وسيرت.
استنكر وزير الداخلية التركي، آنذاك، أفكا علاء الاحتجاجات، مهدداً بأن «العنف يقابل بالعنف. يجب إيقاف هذه الخطوات غير العقلانية على الفور. عدم قيام تركيا بأي شيء بشأن كوباني كذبة كبيرة. تحاول تركيا أن تفعل كل ما يمكن القيام به لأسباب إنسانية. تركيا بالتأكيد لن تسعد بسقوط كوباني ووجود تنظيم إرهابي مثل داعش على حدودها».
وفي حديث بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول، أكّد دميرتاش أن حزب الشعوب الديمقراطي لم يدعو إلى العنف أو استخدام السلاح، بل دعا إلى استخدام الحق الدستوري في الاعتراض والمطالبة السلمية عبر الشارع، وقال في حديثه في آمد/ ديار بكر: «تدخل المحرضون في بعض الأماكن وارتكبوا أعمال عنف بحرق العلم وإلحاق الضرر بالبنى التحتية، ليست دعوة حزب الشعوب الديمقراطي التي أدت إلى تصعيد العنف. دعونا ألا نسمح للهمجية المتمثلة في داعش أن تستمر في أراضينا، دعونا نقاتله معاً».
وقال دميرتاش إن مراسلاتهم المكتوبة مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي تشير إلى اقتراح أوجلان على كافة الأطراف تسريع الحوار والتفاوض لمواجهة خطر هذه المجزرة. كما حث أوجلان على إنهاء الاحتجاجات مع إبقاء الدعم لأهالي كوباني في أعلى وتيرة وعلى مختلف الصعد. عمل دميرتاش على نقل كلام أوجلان، الذي كان كفيلاً بتهدئة التوتر. ومع نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، دخل 80 من البشمركة الذين وصلوا من أربيل إلى روها (أورفا) جواً، إلى كوباني، من بوابة مرشد بينار الحدودية في روها – سروج.
خلال الأحداث التي استمرت 3 أيام (من 06 إلى 08-10- 2014) في مدن مختلفة من تركيا، فقد 37 شخصاً حياتهم، بحسب الإحصاءات الرسمية، وأصيب ما مجموعه 761 شخصاً، 326 منهم عناصر شرطة.
فتحت السلطات التركية تحقيقاً في أحداث كوباني عام 2014. وفي نطاق التحقيق، تم إعداد لائحة اتّهامات بحق الرئيسين المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي دميرتاش وفيغين يوكسكداغ و10 برلمانيين آخرين من الحزب. وفي 20 مايو/أيار 2016، تم رفع الحصانة البرلمانية عنهم بأغلبية الأصوات في البرلمان، حيث أيّدت الأحزاب المعارضة مقترح السلطة. وبرر رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق كمال كليجدار أوغلو موقفه قائلاً: «السلطة القضائية غير مستقلة، لكن لا نريد الاختباء وراء درع الحصانة البرلمانية. لائحة الاتهامات التي وضعها حزب العدالة والتنمية تتعارض مع الدستور، لكننا سنقول نعم للمقترح».
تم اعتقال دميرتاش ويوكسكداغ وسبعة نواب من حزب الشعوب الديمقراطي عبر مداهمة منازلهم في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ولحق بهم 17 سياسياً آخرين من حزب الشعوب الديمقراطي في 02 -10- 2020 ضمن نطاق تحقيق مكتب المدعي العام في أنقرة في الأحداث، والذي قدّم لائحته الاتّهامية في 30-12- 2020. وقبلت المحكمة الجنائية العليا الثانية والعشرون في أنقرة لائحة الاتّهام في 7 0-01- 2021، أي بعد أكثر من أربع سنوات على اعتقال دميرتاش ويوكسكداغ.
في 16 -05-2024، تم النطق بالحكم في «قضية كوباني» التي شهدت محاكمة 108 أشخاص، 18 منهم قيد الاعتقال و72 خارج البلاد. وحُكم على دميرتاش بالسجن لمدة 42 عاماً وعلى فيغين يوكسكداغ بالسجن لمدة 30 عاماً و3 أشهر. وصدر أمر بالإفراج عن غولتن كيشاناك وصباحات تونجل وأيلا أكات آتا، لتجاوز فترة احتجازهم أحكام الحبس الصادرة بحقهم. وبرأت المحكمة 36 متهماً لعدم ثبوت علاقتهم بمقتل ستة أشخاص، بينهم ياسين بورو البالغ من العمر 16 عاماً، وإصابات أخرى خلال أحداث كوباني. وحكم على 24 متهماً بالسجن لمدة إجمالية 408 سنوات و3 أشهر بتهم مختلفة.
تفاصيل الجلسة
لم يُسمح لأحد بدخول قاعة الجلسة باستثناء الصحافيين والمحامين وممثلي الأحزاب السياسية، فيما تم تخصيص قاعتين آخرين مزودة بشاشات لتمكين الجمهور من متابعة تفاصيل المحاكمة من خلالها. أدلى المحامون والسياسيون بتصريحات صحافية أمام السجن، متوجّهين بعدها إلى قاعة المحكمة التي امتلأت بعناصر الجندرما الذين شوهدوا يلتقطون الصور التذكارية.
حضر الجلسة، التي حظيت باهتمام أكبر من الجلسات السابقة لناحية المتابعة المباشرة، الرئيسان المشاركان لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب، والمعروف اختصار اً ب«DEM» ، تولاي حاتم أوغلو وتونجر باكيرهان. كما حضرها وفد حزب الشعب الجمهوري المكون من نائب رئيس الحزب غول تشيفتشي ونائب رئيس مجموعته البرلمانية ماهر باشارير، فضلاً عن الرئيس المشارك لحزب العمال التركي إركان باش ونائبة حزب العمال سيفدا كاراجا ونواب من الأحزاب، وكذلك ممثلي العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية.
ولم يحضر صلاح الدين دميرتاش وبعض السياسيين المتهمين من زملائه الجلسة.
بالمقابل، مثّل 10 محامين 2676 مدّعياً في القضية، بما في ذلك أحزاب ومؤسسات رسمية، مثل رئاسة الشؤون الدينية، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الدعوة الحرة «هدى بار»، وجمعية اللحوم والأسماك.
في البيان المشترك الذي أدلت به نقابات المحامين لولايات سمسور وآغري وإلح (باتمان) وجوليك (بينغول) وبدليس وآمد وجولمرك وقارس وماردين وموش وسيرت وروها وشرناخ وديرسم ووان، تم التأكيد على أن القضاء في تركيا أصبح طرفاً في المواجهة السياسية.
وشدد البيان على أن السبب الرئيسي للأزمات التي تعيشها البلاد هو الابتعاد عن القيم الديمقراطية والقانون، مشيراً إلى أنّه «في قضية كوباني والأحكام الصادرة، تمت معاقبة شرائح المجتمع المعارضة والأعضاء المنتخبين بيد القضاء». وقالت سيفدا جيليك أوزبنجول، إحدى محاميات السياسيين المعتقلين: «منذ بداية المحاكمة، تم انتهاك مبدأ تكافؤ وسائل الدفاع وجميع مبادئ العدالة الجنائية، بما يتجاهل مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، ولا تزال تُنتهك.. جميع مؤسسات الدولة متورطة في القضية». وقال المحامي فائق أوزغور إيرول: «إنها جريمة قتل سياسي لحزب سياسي بيد القانون». وقال السياسي المعتقل ألب ألتينورس، الذي أدلى ببيان الكلمة الأخيرة: «سيتم الإعلان عن القرار اليوم، ولكن أود أن أعبر عن خمس قضايا أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء إعلان هذا القرار. الجرم الوحيد المنسوب إلى المتهمين هو الدعوة لهزيمة داعش. إنها قضية مؤامرة تتم فيها محاولة الحصول على حكم بالسجن مدى الحياة بناء على تغريدة. نحن لا نتراجع عن كلمتنا أو دعوتنا. لا يمكن قطع ما يكتب بالقلم باستعمال الفأس. لا يمكنك الحكم على تضامن الشعوب. لا يمكنك عكس التاريخ الذي كتبه الملايين بشهود زور ودعاوى قضائية ملفقة في قاعات المحكمة».
وعندما بدأ رئيس المحكمة بإعلان القرار، احتج المحامون بالتصفيق وغادروا القاعة، حيث أكمل القاضي تلاوة الحكم غيابياً.
واستند القاضي في حكمه على مجموعة التهم التالية:
– المساس بوحدة الدولة وسلامة أراضيها (مرة واحدة)
– القتل (37 مرة)
– محاولة القتل (31 مرة)
– النهب (24 مرة)
– الخطف (38 مرة)
– محاولة الخطف (1750 مرة)
– اتلاف الممتلكات بالحرق (397 مرة)
– الإضرار بالممتلكات العامة (1060 مرة)
– إلحاق الضرر بالممتلكات العامة بالحرق (503 مرات)
– انتهاك حصانة أماكن العمل (53 مرة)
– انتهاك حصانة أماكن العمل ليلاً (294 مرة)
– السرقة الواضحة ليلاً (26 مرة)
– السرقة في وضح النهار (20 مرة)
– السرقة (114 مرة)
– السرقة في الليل (272 مرة)
– جرح بسيط (خمس مرات)
– إصابة بسيطة بمسدس (43 مرة)
– إصابة بسيطة لموظف عمومي بمسدس (264 مرة)
– إصابة بسيطة متعمدة لموظف عمومي (سبع مرات)
– الجرح العمد بالسلاح مما أدى إلى كسر في العظام (مرة واحدة)
– تعمد إصابة موظف عمومي بالسلاح مما أدى إلى كسر العظام (مرة واحدة)
– الجرح المتعمد بالمسدس (78 مرة)
– إصابة موظف عمومي بمسدس (51 مرة)
– انتهاك حرية العمل والتوظيف (ثلاث مرات)
– تخريب دور العبادة (أربع مرات)
– التسبب بالإجهاض (مرة واحدة)
– حرق العلم (24 مرة)
– معارضة القانون رقم 5816 (25 مرة)
– التحريض على ارتكاب جريمة (25 مرة)
دميرتاش ويوكسكداغ رهينان سياسيان
في 20 مايو/أيار 2016، عندما رفع البرلمان التركي الحصانة عن النواب الذين تم إعداد لائحة اتّهامات ضدهم، كان لصلاح دميرتاش حصة الأسد في هذه اللائحة ب122 ملخصاً لوقائع تتعلق بخطبه المختلفة في تواريخ مختلفة، تم جمع 31 منها في ملف قضية رئيسي، ليتم اعتقاله على إثر ذلك. تم إسقاط بعض الدعاوى القضائية المرفوعة ضده أو تبرئته منها، في حين تم دمج بعضها وما زال مستمراً. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن احتجاز دميرتاش يتم بدوافع سياسية، مطالبة بإطلاق سراحه على الفور. وبعد يوم واحد، أدلى أردوغان ببيان قال فيه إن «قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان غير ملزم لنا».
في 7 ديسمبر/كانون الأول 2018، أقرّت محكمة في إسطنبول الحكم بالسجن لمدة 4 سنوات و8 أشهر على دميرتاش بسبب خطاب خارج «قضية كوباني»، ليصبح دميرتاش المحتجز في ملف القضية الرئيسي، مداناً في قضية أخرى.
تم نقل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى الغرفة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بناءً على اعتراض الأطراف. وقررت الغرفة الكبرى عقد جلسة استماع في ستراسبورغ في 18 سبتمبر/أيلول 2019، حيث زعمت أنقرة أن دميرتاش «أُدين بجريمة أخرى». وبناءً على ذلك، تقدم محاموه بطلب خصم فترة احتجاز دميرتاش من فترة عقوبته أثناء وجوده في السجن كمدان، لتعلن السلطات التركية في 20 سبتمبر/أيلول 2019 اعتقال دميرتاش على ذمة ملف التحقيق الخاص بأحداث كوباني.
خلال هذه الفترة، تم قبول طلب محاميه وأُلغيت إدانة دميرتاش وأُطلق سراحه. لكنه بقي هذه المرة في السحن قيد الاعتقال على خلفية التحقيق في «قضية كوباني».
قدم دميرتاش دفاعه الأول في نطاق القضية في 25 سبتمبر/أيلول 2023، قائلاً: «لا يوجد دليل واحد ملموس ضدي. هذه قضية انتقام سياسي. لم يتم القبض علينا قانوناً. كلنا رهائن سياسيون»، مضيفاً أن «قرار المحكمة باطل في ضمير الشعب». وقالت فيغين يوكسيكداغ في دفاعها عن نفسها في 20 ديسمبر/كانون الأول إن «السلطة السياسية تريد خلق أعداء واستقطاب المجتمع قبل الانتخابات المقبلة، وهناك غرض سياسي» وراء اعتقالهم».
قضية سياسية لا قانونية؟
عند إعلان قرارات المحكمة، كان سري ثريا أوندار، أحد نواب حزب «ديم» يترأس جلسة للبرلمان. ومع تلاوة الأحكام بحق المتّهمين مع مراعاة الترتيب الأبجدي لأسمائهم، بدأ نوب «DEM» يرددون شعارات مؤيدة لأصدقائهم ويحتجون على قرارات المحكمة.
كان أوندر أحد أهم العناصر الفاعلة في «عملية السلام» التي بدأت بمبادرة من رئيس الوزراء آنذاك أردوغان. ومتجاهلاً حالته الصحية، وهو المصاب بتمدد الأوعية الدموية في الدماغ وورم في البنكرياس إلى جانب خوفه من الطيران، كان أوندار دائم السفر ذهاباً وإياباً بين أنقرة وآمد وأربيل بعلم وموافقة الدولة.
بعد إنهاء قراءة القرارات القضائية، قال أوندار إن قرار «قضية كوباني» يشكل إدانة للقضية التي سيحاكم فيها حزب العدالة والتنمية في المستقبل بعد تغير المناخ السياسي، لأنها «تجرم عملية الحوار». تم تسجيل كلام أوندار في محضر جلسة البرلمان التي اختتمت بإرسال «تحية للأصدقاء القابعين في الزنازين».
يرى الكاتب والسياسي ألتان تان، الذي حوكم في «قضية كوباني» كونه عضواً في المجلس الإداري الأعلى لحزب الشعوب الديمقراطي عام 2014، أنه «ليس من الصواب أن نكون متشائمين إلى هذا الحد في السياسة. كان هناك 12 حكماً بالبراءة، وحكم على بعض الأصدقاء المهمين ولكن تم إطلاق سراحهم. صدر حكم الإعدام بحق عبد الله أوجلان، ولكن تم إلغاؤه لاحقاً. باب محكمة الاستئناف والمحكمة العليا مفتوح للطعن في الأحكام الصادرة في القضية غير القانونية وإنما السياسية، وأعتقد أن هذه القرارات سيتم إبطالها من قبل محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا».
اعتبرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية «قضية كوباني» حيث «حكمت محكمة تركية على 24 سياسياً مؤيداً للكرد بالسجن لفترات طويلة بعد إدانتهم بارتكاب جرائم متعددة» بأنها «بمثابة محاولة لإسكات المعارضة في تركيا».
فيما قالت وكالة «رويترز» للأنباء إن القرار قد يؤدي إلى توترات سياسية، واصفة دعوى كوباني بأنها «قضية سياسية».
ورأت صحيفة «دي فيلت» الألمانية في خبرها الذي حمل عنوان «الحكم على السياسي الكردي دميرتاش بالسجن لمدة 42 عاماً» بأن «السياسي الكردي البالغ من العمر 51 عاما والمعتقل منذ عام 2016 كان منافساً خطيراً لأردوغان لفترة طويلة».
وذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أنه «كان يُنظر لدميرتاش على أنه منافس سياسي لأردوغان».
وقالت وكالة «أسوشيتد برس» الامريكية إن القضية المرتبطة باحتجاجات الكرد الذين وجدوا موقف الحكومة التركية غير مبالٍ لهجوم تنظيم داعش على مدينة كوباني الحدودية في سوريا تعتبر «قضية سياسية».
أما الإعلام التركي المعارض والمستقل على حد سواء، فأفرد عشرات المقالات للتأكيد على كون القضية سياسة، والأحكام الصادرة فيها استندت على تهم سياسية ملفّقة لا تحمل أي أساس قانوني.[1]