الحرية والشعور بالمسؤولية
إبراهيم محمد كردى
الحرية شأنها شأن السلام والعمل والمساواة وسعادة الشعوب, تدخل في الكثير من الشعارات الاستراتيجية لأنها أغنى من المستوى المعاشي والنِعَم. وكل إنسان يسعى من أجل الحصول عليها ولو كان حافياً وباسمها تُراق الكثير من الدماء ويسير الناس إلى الموت طلباً إليها.
والشعوب تُضحّي بأغلى ما لديها في سبيل الحرية لتزدهر شجرتها لتحقيق الديمقراطية، لأن الحرية أفضل ما يعالج به الخطأ, والعقوبات أسوأ العلاجات, ومن الواجب والمسؤولية إظهار محتواها المتنوع. والمقولات المادية التاريخية والديالكتيكية وقوانين التطور عندها, فالحركة والمعارف هو الخيط الذي يقودنا إلى المعرفة وإلى الحرية والديمقراطية.
وإن كلمة الحرية مقرونةٌ بكلمة المسؤولية الصارمة في عالم الضرورة، ولكن الحرية لا تأتي من الفراغ بل هي أيضاً نتيجة التقدم الاجتماعي كله ومؤشرً لتطور الشخصية. وكل خطوة إلى الأمام على طريق الحضارة هي خطوة نحو الحرية.
ولكن لا يمكن بلوغ الحرية الأصلية حتى في حالة ارتقاء القوى المنتجة, المعيار الأعلى للتطور والمعارف العلمية إلى مستوى رفيع نسبياً. وإذا كانت الحياة الاجتماعية مقيّدةً في أُطر العلاقات التناحرية الضيقة وتسود العفوية في التطور الاجتماعي.
والحركة في المجتمع هي أيضاً نتيجة التناقضات الداخلية كأسباب أساسية إما الانسجام أو التفريق.
ومفهوم الحرية كمقولة: ترفض الاستبداد بأشكاله المختلفة كاستبداد الجهل بالعلم والنفس بالعقل لأن التنافر والتناحر بين الدكتاتورية والحرية أساسه طبقي وسياسي.
لأنَّ الحرية لم تعد مجرد مفهوم وتعبير بل ارتبطت بمفهوم التحرر الوطني والاجتماعي وفي جوانبها السياسية والثقافية, وهي الدرع الصلب والمتين للوحدة الوطنية والاجتماعية.
للتخلص من العلل الداخلية والخارجية، لذلك على كل فرد في المجتمع والمؤسسات المختلفة أن يمتلك الشعور بالمسؤولية لأن الشعور بالمسؤولية يعتبر مقياساً للحرية.
لأن الحرية والشعور بالمسؤولية مرتبطتان ومتلازمتان في النشاط الإنساني الاجتماعي الواعي لتحقيق أهدافها النبيلة التي يمكن تحقيقها, والحرية تولد الشعور بالمسؤولية والمسؤولية توجه الحرية وكلما ازداد الشعور بالمسؤولية تجاه الناس البسطاء والشغيلة أصبحت الوسيلة لبلوغ الحرية وتحقيق الديمقراطية وحرياتها.
وكلما تسلح المرء بوعي المسؤولية وممارستها كلما كان عمله وشعوره بوعي هادف تخدم الحرية بأنواعها.
والقانون وسيلةٌ طبيعيةٌ وفعّالة من الواجب الخضوع لسيادة القانون وإرادة القانون لكي يتطابق الشعور بالمسؤولية بكامل حجمها مع محتواه الحقيقي. والتي تمليه الشروط الاجتماعية الضرورية، لأن الحرية تشير إلى محتوى المسؤولية إلى درجة تملك الضرورة.
فالحرية والمسؤولية على الرغم من جمالهما وقدسيتهما كنافذةً للنفس الضروري يجب أن تستند إلى معرفة الحقيقة عمقاً وإخلاصاً وبل ويكون الإنسان متمكناً ومسلحاً بالمعارف العلمية والثقافية اللازمة لمواكبة تطورات العصر.
ولكي نتنبأ بعواقب عملنا ونشاطنا المباشر وغير المباشر وحتى لا نكون فريسة التضليل الإيديولوجي والإعلامي البراغماتي، لابد من نظرية, ولا بد من تكتيك واسترتيجيةً واضحة متجاوبة مع مصالح واسعة للجماهير الشعبية (سواد الشعب الأعظم) بفكر متجدد ونضال مستمر بالثورية العلمية. لأن الضوء الذي يُشِّعُ بحريةٍ من شعلة المرتفع ينفذ إلى الزوايا المظلمة وتفضح أولئك المتسترين بظلامها وقوى الاستبداد ينتابها الخوف من النور الذي ينشر الحقيقة فيكشف زيف الايديولوجيات الرجعية والمخادعة والقوى التكفيرية المتأسلمة تحت ستار الدين، الذين يحاربون التقدم الاجتماعي والفكر العلمي تحت شعارات الحرية وهم أشد الأنصار حماسةً، هم داسوها ويدوسونها بمنتهى الوقاحة أمثال أردوغان وحلفاؤه من أعداء الإنسانية وأعداء حرية الشعب الكردي المشروعة.
أذن لابد من التسلح بالإيديولوجية التقدمية وبالمعرفة والثقافة العالية وبالمقولات المادية التاريخية وعلم التاريخ, لصيانة المجتمع من الوقوع في شباك الإيديولوجيات الغربية المعادية للإنسانية والمثل النبيلة لحرية الشعوب, ومن الإيديولوجيات التخديرية للجماهير الشعبية تحقيقاً لمصالحهم الخاصة، ومن أجل الربح السريع بدوافع المحافظة على الحالة الاجتماعية القائمة لا بدافع التقدم الاجتماعي، يقولون مالا يفعلون.
لذا فالشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والفرد مقياس للحرية والمعرفة أيضاً هي شرط الحرية بالممارسة الاجتماعية الفعلية التي هي المصدر الحقيقي والأساسي لكل معرفة لتصبح أساساً لنشاط الناس العملي والاجتماعي والسياسي الناجح لحرية المجتمع؛ ومن هنا نبرز مسؤولية العالِم والمثقف دون إهمال شروط الحرية, فالجهل وجهل قوانين التطور الاجتماعي يمنع المرء من الإحساس بلون الحرية وطعمها الحقيقي في كل المجالات.
إن تربية الوعي الاجتماعي والسياسي وتنمية الشعور بالمسؤولية عند كل فرد في النشاط الفعّال، هو الشيء الأهم لاستمرار تنامي الحرية الاجتماعية وتنامي الحرية الشخصية ومن خلال عملية تطور قواه المبدعة ومواهبه تطوراً حراً شاملاً شرط تطور الجميع تطوراً حراً والعكس صحيح.
فنشاط الإنسان المستحوذ بأعمق الوعي الاجتماعي والاعتيادي وشعوره بالمسؤولية هو الذي يستحق أن يسمى نشاطاً حراً أصيلاً واعياً حقاً وبالمعارف اللازمة.
ويقول الفيلسوف (أيبيكيتيت) الذي خرج من أوساط العبيد: (العارف فقط هو الحر). ومن هنا تبرز مسؤولية العالم المتميز في العالم المعاصر كمشعل للحرية, ومن هنا يبرز الدور الفائق للعالم رفيق تقدم الحرية ولكن ليس برجال العلم وحدهم وإنما بسائر الناس، يجعل كل إنسان مسؤولاً مسؤولية ً شخصية.
من يتغنى بالحرية يجب أن يتحمل المسؤولية ضد أعداء الإنسانية وصانعي الحروب, فحروب الشرق الأوسط بالوكالة هو تنفيذ لمشروع الشرق الأوسط الكبير القديم الجديد للهيمنة على المنطقة وتفتيتها ونهب خيراتها، رأس حربتها النازي والفاشي أردوغان وحلفاؤه من الرجعية التركية والعربية.
والسؤال هو: هل يمكن لحركات التحرر الوطني في المنطقة أن تتوحد في جبهة واحدة لمجابهة الحرب القذرة الداعشية وأخواتها في الصراع القديم الجديد؟ وهل تتحمل المسؤولية بالاعتراف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه؟ والذي أصبح رقماً قياسياً في الشرق الأوسط وبحركة التحرر الوطني الكردي ذات محتوى وطني ديمقراطي، تنطلق من المسؤولية التاريخية لتحقيق حرية كردستان ومن المقولة المشهورة: “الشعب الحر لا يستعبد شعباً آخر, شعبٌ يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً”.
تاريخياً الثورات الكردية وحركاتها كانت ذات مضمون وطني وإنساني وحتى يومنا هذا وأكبر دليل هو تمسك الكرد بمقولة أخوّة الشعوب, إنه تكريس لمقولة (غاندي): “بقدر ضعف الإنسانية فالإنسان يضعف روح القومية وبقدر ضعف القومية يضعف الدين، إذن الإنسانية قبل كل شيء”.[1]