خسارتها حين القبول؛ دمار ذاتها حين التدخل
لماذا الاصرار؟ .. لماذا الرفض؟
سيهانوك ديبو
بات الانتحار السياسي والتخبط العميق عنوانين أساسيين للسياسوية التركية في الراهن من الأزمة السورية، وصفر المشاكل بات في طي الغياب التام؛ ليحل محله كل المشاكل المتأزمة مع جاراتها من الدول وفي الوقت نفسه مع دولٍ شرق أوسطية غير جارة؛ مع أرمينيا التي ستستذكر في نيسانها المقبل المئوية الأولى للمجازر المطبقة بحقها على يد الترك وبعض من أعوانها؛ مع قبرص التي تم اجتياحها في الربع الأخير من القرن المنصرم، مع بلغاريا، مع إيران، مع مصر وليبيا وتونس، مع سوريا التي تفقد فيها آخر الأوراق المُعلنة والمُحَمّلة على ظهر تنظيمات الإرهاب كداعش والنصرة وأحرار الشام وغيرها.
مثل هذا التخبط يحيل بالأساس إلى حجم التناقض بين تركيا الأردوغانية ومن معها من دول وتكتلات سياسية وشخصيات سورية وقفت -ولم تزل- الضد من الحل السياسي السوري؛ بينها ودول التحالف الدولي وعلى أشدها أمريكا؛ ناهيكم على علاقاتها المتوترة مع روسيا أساساً، ومثل هذا التناقض لم يعد ممكناً إخفاء شمسه بغربال بعض المنقادين بفعل الرغبة في تركيا أم في تموجداتها السورية. ولأن تركيا اليوم تصر على السير في الاتجاه الخاطئ من الأزمة السورية برمتها وخصوصاً ما تقترفه من أفعال -ضد الشرعية الدولية وضد قراراتها حيال الأزمة السورية- في شمال سوريا بقصفها للمدنيين، وتصوير تحرير أرض الشمال السوري من النصرة وداعش والكتائب المرتبطة بها أيديولوجياً وتنظيمياً في أن ذلك يشكل خطراً على ما تسميه أنقرة بالأمن القومي التركي، ومثل هذا التصوير علاوة بأنه يجانب الحقيقة المتشكلة منذ أكثر من ثلاثة أعوام؛ يعتبر تعكزاً على التهديد المستمر الذي يتعمده أنقرة سلبياً على أمنها من خلال تهديد أمن جميع الدول التي تشترك وإياها حدودياً، ويمكن اعتبار ذلك بأن تركيا وصلت إلى درجة لم تعد تطيق أن تشهد دولاً جارة ذات سيادة وهذا يشكل جوهر الحلم العثماني الجديد، وطمعها المستمر في امتلاك أوراق ضغط متعددة في جميع دول الشرق الأوسط تحاول من خلال هذه الأوراق التستر على مشكلتها الكبرى المتمثلة بقضية الشعب الكردي في تركيا والذين يشكلون اليوم أكثر من 60% من كُرد المنطقة والعالم، وأن عملية التستر والتي تتبعها على الدوام إدارة الظهر التام لهذه المشكلة ومحاولة تصديرها إلى خارج حدودها والمحاربة المستشرسة للكرد ولقضيتهم في سوريا والعراق وإيران؛ علاوة إلى مشاكل ومسائل أخرى لها أوزانها المؤثرة أيضاً؛ جعلتها وتجعلها اليوم الخاسر الأكبر، وسيزيد الأمر كذلك إذا ما أصرت على التعامل مع المشكلة الكردية من باب الرؤية الأمنية، ومثل هذه النظرة بدأت اليوم تتبدل؛ بل؛ تتعدل من خلال الاستعداد الدولي من أجل إضافتها إلى الوعاء المفاهيمي الإقليمي الجديد –المرئيِّ- بدوره من خلال استيعاب الآراء الديمقراطية المتكاثرة المؤيدة لحل القضية الكردية في جميع بلدانها بشكل ديمقراطي عادل، بمفادِ حقيقة (جديدة) في أن خرائط واتفاقيات بداية القرن العشرين لا بد لها من نهاية لائقة بها؛ وأن القرن المنصرم كان أسوء القرون في تاريخ الشرق الأوسط القديم والحديث والمعاصر.
ملف الأزمة السورية في طريقه للحل بشكل من أشكال الزمكانية المتبوعة لكيفية الحل نفسه، والحرب السورية كما شأن جميع الحروب في التاريخ مُقَدّرٌ لها بالانتهاء، وكما كل الحروب التي تستعر حين يستعصي الحل وتخمد حين انتفاء أسبابها، والحل الممهد له في سوريا لا يعجب تركيا وحلفائها، فنراها اليوم تلوح بالتدخل البري؛ علماً؛ أنها وحلفائها متدخلة برياً من خلال كتائب الظلام المصنوعة بشكل شبه كامل في زواريب السياسة المخفية لدى أنقرة ومحالفيها. والأخطر في هذه المسألة بأن مراهنات تركيا ورهاناتها جعلتها أن تكون وبشكل قسري أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إمّا عدم التدخل البري وهذا يعني أنها ستكون أمام خطيئة الوهم من الحق الكردي الذي تخشاه منذ تسع عقود ونيّف وبالتالي خسارتها، أو أمام تدخل بري لها في شمال سوريا وهذا يعني بأن حريق الخسارة ستلتهب في جميع مناطق تركيا وبالأخص وبشكل يفوق حالة الانتفاض الحالي التي يعيشها الكرد في تركيا وحركة الحرية الكردستانية إلى ثورة لن تهدأ حتى تقرير المصير وتحقيق حالة الجمهورية الديمقراطية في تركيا؛ كما شروطها الأولى الأوليّة.
الكرد في سوريا ومكونات روج آفا / شمال الوطن السوري وقوات سوريا الديمقراطية وممثلها السياسي الشرعي مجلس سوريا الديمقراطية لا تستأذن من أية جهة كيفما تحقق سوريتها، وبجهد بسيط لا يشوبه الحقد والرغبة؛ يدرك السوريين بأنهم الأفضل من يمثلون قرارات الشرعية الدولية سواء في محاربة الإرهاب و/أو تجفيف منابع ومصادر دعمه الذي تقلص اليوم على يدها وكل حلفائها إلى 96 كم بدل من 912 كم؛ كمدخل وحيد أخير وقابل للزوال (التحرير على يد ق س د) في أي لحظة قادمة من اللحظات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة الملتهبة الأخيرة الحاسمة، أو كجزء وازن من المعارضة المعتدلة والتي تمتلك مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية كصيغة وكمضمون لأي إطار سياسي يمثل اللامركزية والمقرة أيضاً في قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحل الأزمة السورية والانتقال إلى حالة ونظام سياسي يمثل كنه الديمقراطية الغائبة المغيّبة عن السوريين منذ نشوء الدولة السورية وحتى اندلاع الحراك الثوري السوري.
تركيا المتفرجة أم المتدخلة برياً خاسرة في كلتا الحالتين، ويزيدها خسارة –فقط- بائعو الوهم وبطاقات اليانصيب الممثلين بأسوء صنوف المتعارضة السورية كالائتلاف المتبقي- المتبخر وكشخوصها العدميين أمثال عبدالرزاق عيد الماركسي القاعدي، ومثل هيثم المالح الحقوقي القاعدي، وأخيراً مثل بعض شخوص حزبية كردية (متقاعدين ومزاولين) هم اليوم بصدد تصنيف جديد مناسب لهم (ذوي الأصول الكردية ورموز القاعدة الجدد).[1]