لا سلاح للكرديّ إلّا المقاومة
تدويل القضية الكردية في العصر الحديث
صلاح الدين مسلم
لا يمكن استيعاب وفهم تصريح عضو الهيئة العليا للمعارضة السورية منذر باخوس بقوله: إنّ المعارضة قد جاءت إلى جنيف لاختبار جدّيّة النظام السوريّ في تنفيذ بنود المعاهدات الدوليّة، إلّا بمنطق الشكّ بنوايا هذه المعارضة في جدّيّة البحث عن حلّ للأزمة السوريّة، فاختصار ذهاب المعارضة إلى جنيف فقط لمعرفة جدّيّة النظام السوريّ أمر بالغ الخطورة وأمر بالغ الفضح والعهر الأخلاقيّ، وكأنّه إذا فهم جديّة النظام أو عدم جدّيته سينقذ الوضع الكارثيّ في سوريا، إنّها معادلة غريبة كلّ الغرابة، معادلة هذا المعارض وأشباهه من المعارضين المأجورين الذين لا ينطقون إلّا بإيعاز تركيّ، إنّها الطامّة الكبرى ألا يدرك أولئك المدجّجون بالمال وشراء الذمم أنّ هناك فاصل زماني ومكانيّ بين كذبهم الفاضح وبين المجتمع المغيّب في معادلتهم الإقصائيّة، فعلى العكس كان على حزب الاتّحاد الديمقراطيّ التصريح بأنّه كان هدفنا من جنيف3 هو معرفة نوايا المعارضة والنظام على السواء، وقد عرفنا تلك النوايا فالمعارضة والنظام لم يتّفقا إلّا في نقطة واحدة وهي معاداة الكرد، وهذا ما كان حصيلة الصراع الكرديّ مع الدول التي اقتسمت كردستان.
لقد أتقنت مجموعة الهيمنة على المعارضة المتجسّدة في الائتلاف الاردوغاني الأخوانيّ الداعشيّ فن المراوغة والحيل والحرب، فالأسد الذي ابتكر فكرة اختراق المدن بالدبابات والقصف العشوائيّ للمدنيين والبراميل والحصار اللاإنسانيّ للمدنيين العزّل، قد بات الرائد في هذا المجال والذي فتح الطريق أمام المستبدّين لينتهجوا نهجه دون أن يردعهم رادع، ولا تدخّل عالميّ من قبل النظام المهيمن على العالم، فشرع أتباع هذا النهج الجديد في اتّباع نفس الممارسة، فاردوغان يقتحم المدن الكرديّة ويحاصر المدنيين ويقتل من أراد وقد اكتظت سجونه بالكرد دون أيّ رادع، وكما فعلت المعارضة نفس الفعل سابقاً، فزهران علّوش رمى المدنيين في دمشق بالقذائف العشوائيّة، وكذلك كان نهج المعارضة في حلب، وحصار عفرين الآن، وكان حصار كوباني سابقاً قبل يستسلموا لداعش، فالمعارضة تتّبع نفس المنهج ونفس السلوك القذر، فقائدهم أردوغان قد أمرهم بذلك، فعلى ماذا يعارضون؟ إن كان المنهج الإجراميّ نفسه، لقد نسَوا أولئك الجائعين المحاصرين في مضايا وبراميل الموت وكلّ أولئك المعتقلين في أقبية النظام السوريّ، وباتوا يتناقشون حول انضمام حزب الاتّحاد الديمقراطيّ أو عدم انضمامه، نسوا كلّ النقاشات وكلّ تلك الخلافات ووضعوها جانباً واتّفقوا على معاداة القضيّة الكرديّة، فليصلوا إلى الحلول إذاً! فقد كان من المفترض أن تستميت المعارضة في البحث عن الشريك الكرديّ الذي بات يمتلك موازين الحلّ، لا العكس كما حصل، إنّ المعادلة الحلّيّة يمتلكها الكرد في روج آفا، والمتحالفون معهم من العرب والآشور والسريان والتركمان، الذين شاهدوا بأمّ أعينهم الديمقراطيّة المجتمعيّة الحقّة، فقد أثبت الصراع في جنيف أنّ الأتراك قد توغّلوا في معادلة المعارضة إلى أقصى حدّ، فلا حول ولا قوّة لأولئك الإمّعات التي تصدح على شاشات التلفزة، وهي تطلق من حناجرها السموم التفريقيّة بين الشعوب، يذكرون ضحايا الشعب السوريّ لكنّهم لا يقولون إنّنا نتشارك مع النظام في هذا
العار، فهم لا يبحثون عن الحلول إنّما ينتجون المشاكل فحسب، والنظام المهيمن راضٍ عن هذه الفوضى واللاحلّ في سوريا والشرق الأوسط.
إنّهم يردّدون كالببغاء مقولة (إنّ أراد حزب الاتّحاد الديمقراطيّ الحضور فليحضروا مع النظام) هذه الجملة الاستهلاكيّة التي ابتدعوها حديثاً، وكأنّهم اخترعوا نوعاً جديداً من الكذب، فكان انتصارهم الحقيقيّ في إبعاد الطرف القادر على الحلّ عن طاولة الحلّ المزعومة، فهم يثبتون بذلك أنّهم لا يريدون الحلّ، وهم ناطقون باسم السلطان المستبدّ العثمانيّ، فكيف لهم أن يصلوا إلى الحرّيّة؟ كيف لهم أن يدركوا معنى الديمقراطيّة التشاركيّة والعدل والمساواة؟ كيف لهم أن يقتنعوا بالمفردات التي كان يردّدها معظمهم، والتي التغت من قواميسهم، لأنّهم مسلوبو الإرادة، فهم في طرف لا يمتلك أيّ حلّ سوى اللاحلّ، وكأنّ انتصارهم يكمن في إبعاد الشريك الحقيقيّ.
لقد بات الكرد يدركون تاريخهم ويعرفون ماذا يفعلون؟ إنّهم الآن واعون لخطط الدول ككلّ متكامل، تلك الدولة التي سقطوا في متاهاتها، ووقعوا في فريسة أطماعها التي تحالفت ضدّ الكرد عبر التاريخ، فالتاريخ يعيد نفسه، ويعيد تلك الأسطوانة المشروخة وهي أنّ الجميع يتّفق على الكرد، لكنّ الآن أدركت السياسة الكرديّة أّنّ كلمة الجميع تنطبق على الدولة فحسب، فقط تنطبق على تلك النخبة الطفيليّة التي تقتات على الشروخ بين الشعوب، وتعرف متى تضغط على الجرح في الوقت الملائم، فالنزيف زادها للوصول إلى مبتغاها الهيمنيّ.
لا سلاح للكرديّ إلّا المقاومة، وعدم الوقوع في دسائسها وسياساتها الخبيثة، وتركيباتها وتشابكاتها، وسياسة الخطّ الثالث؛ الخطّ المجتمعيّ الذي ينتج الطرف الوحيد الذي سيكون الطرف الرابح ضمن الطرفين المصطنعين اللذَين يؤكّدان على أنّ هناك طرفَين دائماً بلبوسَين، بشكلين من الظاهر فحسب، فالمعادلة الطرفيّة (السنّة والشيعة) (العرب والكرد) (روسيا وأميركا)…. إلى ما هنالك من التناقضات العُقيمة والتي لا تنتج الحلول هي أطراف متّفقة على سياسة تطهير الشعوب، وإبادتها وقولبتها ومسح ذاكرتها.[1]