حصاد تركيا من المستنقع السوري
زكي شيخو
جميع العوامل والتطورات الراهنة لا تصب في مصلحة تركيا ورئيسها اردوغان,خاصة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا والذي غير موازين القوى لصالح النظام البعثي السوري الملدوغ من قبل انقرة بالاضافة الى دعم قوات كوردية من قبل امريكا والتحالف الدولي وروسيا و هي ما تراه تركيا عدوا خطر اخر بالنسبة لها
في الاونة الاخيرة لا يمر يوم و إلا تجد و تسمع تصريحات قادة الاتراك الكبار على رأسهم رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان و رئيس وزرائه احمد داود اوغلو و هم ينتقدون و يهددون ويتوعدون شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ضمن العمق الاستراتيجي لسياسة تصفير العلاقات مع الجيران والحلفاء وأنتج الى حد كبير سياستهم تلك,وفي اخر تصريح له هاجم اردوغان اغلب اقطاب المهمة العالمية قائلا:للاسف لم يستطع الدول الغربية وامريكا و روسيا وايران والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ان يقفوا شامخين احتراما للانسانية,وعبر عن استيائه لما أل الامور لغير صالحه
ينتابني شعور بالغيظ والاشمئزاز وانا أقرأ في الفترة الاخيرة ابحاث و مقالات تحليلية لقامات ثقافية عربية معروفة واخرى لشخصيات كوردية سياسية و مثقفين من الطبقة المنصهرة يبدوون حزنهم و قلقهم العميق لاقتراب دحر و فشل السياسات و الاستراتيجية التركية في سوريا و ابعادها عن الشأن الداخلي السوري و عن تحديد ملامح سوريا الغد وتتراجع تأثيراتها المباشرة لو أن وحدات كوردية سيطرت على المناطق الشمالية لريف مدينة حلب التي حولها سياسات النظام البعثي و تدخلات الدولة التركية هذه المدينة الاقدم تاريخيا الى خراب ودمار ونهب و هدم صروحها العظيمة, و تقدم هذه القوات على حساب مسلحي جبهة النصرة و احرار الشام و داعش واخواتها المدعومين من تركيا,طبعا لا انكر ان مخاوف هؤلاء العمالقة في السياسة والتنظير صحيحة لو تم السيطرة على الحدود المشتركة بكامله بين البلدين وخاصة منطقة اعزاز و شمالي ادلب من قبل هذه القوات بذلك سوف يتقلص الدور الهدام لكل عوامل المؤثرة لتشكيل سوريا الى النصف ان لم ابالغ فيه.
مع بدأ ما سمي بالربيع العربي و ثورات مجتمعاتها في منطقة الشرق الاوسط و شمالي افريقيا بعيدا عن كونترول الدول الرأسمالية الغربية ضد الانظمة القوموية والديكتاتورية المعادية لكل قيم مجتمعاتها الديموقراطية و المحتكرة لجميع مفاصل الحياتية التي حرم منها الشعوب لعقود طويلة,هذه الثورات النابعة من الديناميكيات الداخلية للمجتمعات رغم ضعفهم التنظيمي والنظري إلا انهم استطاعوا هز عروش جميع الحكام في المنطقة المعادية للديموقراطية و على راسها الحكومات الثيوقراطية والملكية ودول المحتلة للشعوب كأسرائيل وتوأمها تركيا و حلفائهم الغربيين المتخوفين على نظامهم المتمأسس وفق اتفاقية سايكس بيكو.
تحركت كل الدول المعادية لتطور الديموقراطية بشكل منسق لوأد ثورات الشعوب او تحريف بوصلتها الحقيقية التي تهدف اقامة انظمة ديموقراطية و دفعها نحو الاقتتال و الحروب الاهلية و نظم ثورات مضادة لها ليتسلم زمام مسيرة تلك الثورات ويقودها الى مربط الفرس شهيلة,والاكثر من قام بهذا الدور هي الدولة التركية بقيادة رجب طيب اردوغان المؤهل مسبقا و الذي تم الترويج له في المنطقة من قبل اصدقائه الاخوانيين و بعض امبراطورياتهم الاعلامية المعروفة كبطل اسلامي او كخليفة عثماني جديد بعد المسرحية الثورية في منتدى دافوس و قضية سفينة مافي مرمرة الذي نسيها الان و يطور علاقاته اكثر مع اسرائيل,فقام بلعب دور حصان طروادة في المنطقة لجعل مسار هذه الثورات تحت السيطرة فزاود على حكام العرب بثوريته المصطنعة عبر اظهار نفسه مؤيد لحقوق الشعوب الديموقراطية في مصر و تونس وليبيا واخيرا في سوريا وانقلب على حكام جميع تلك الدول اخوته السابقين,فأردوغان المصاب بجنون العظمة تدخل في الشؤون العربية من اقصاها لاقصاها و عمل المستحيل للسيطرة على التيارات المناهضة والمتمردة على حكامهم,لكن في الحالة السورية كان له سياسة اكثر تعمقا وتوسعا في شؤونها و ذلك لاسباب عديدة واستراتيجية بالنسبة للدولة التركية ككيفية تشكيل نظام سوريا المستقبلي و لاجل امنها العام كوجود حدود طويلة مشتركة لها مع سوريا بالاضافة الى ان سوريا تاريخيا هي البوابة لسيطرة و مد نفوذ كل الغازيين القادمين من شمالها الى عموم مناطق الشرق الاوسط وشمالي افريقيا و هي المحطة الاولى لتحقيق طموحات اردوغان العثمانية كما كان معركة مرج دابق قبل 500 سنة المحطة الرئيسية و الانعطاف الاهم في تاريخ اجداده العثمانيين لتشكيل أول امبراطورية لهم في الشرق الاوسط تحت الغطاء الاسلامي ويذكر التاريخ بأن العثمانيين ارتكبوا مأثر ومظالم كثيرة بحق الشعوب وعلى رأسها الشعب العربي
بالاضافة هناك امر مهم اخر بالنسبة للدولة التركية من اجل تدخلها الجارف في المستنقع السوري هو تخوفها من حصول الاكراد على بعض الامتيازات و استرجاع بعض حقوقهم المسلوبة لاكثر من قرن او يحاولون تشكيل حكم ذاتي او ادارة ذاتية او فيدرالية ضمن سوريا المستقبلية و أن يستفيدوا من الازمة السورية الكارثية,ففي تصريح له قبل أيام قال السيد اردوغان ان التطورات في سوريا تعني لهم مسألة حياة او موت لكن حدث ما كان يتخوف منه
وفق العديد من المعلومات الاستخباراتية والتقارير الدولية والاعلامية حول اردوغان أن بلاده أصبح معبرا لكل الظلاميين و الارهابيين والمنخدعين والمراهقين والمؤذيين لمجتمعاتهم للدخول الى سوريا و المشاركة في إراقة دماء ابناء جميع مكوناتها و بدورهم اساؤوا الى العرب والمسلميين قبل غيرهم,و شكل المخابرات التركية بالتنسيق مع حلفائها غرف العمليات لادارة الازمة السورية وفتح معسكرات لتدريب وتنظيم المقاتلين والمنشقين من الجيش السوري و ارسل الاف الاطنان من المتفجرات والاسلحة والمال الى سوريا عبر اراضيها وشارك النظام بتدمير بلاده وسفك دماء مئات الالاف من أبنائها وتشريد الملايين من الشعب السوري بالاضافة الى نهب مصانعه وتراثه و هدم البنية التحتية لهذا الوطن,كل ذلك لاجل ان يتحكم اردوغان بسوريا وان يعيق الاكراد من الحصول على بعض المكاسب السياسية لهم, ولتحقيق غاياته تلك الى جانب المعارضة السورية العربية و التيارات الراديكالية الاسلامية المحسوبة على تنظيم القاعدة المرتبطة بهم بعد ان حولهم الى دمى وجعل من فنادقهم مراكز تنظيم اجتماعاتهم ومؤتمراتهم المبرمجة مسبقا شارك معه اردوغان حزب الديموقراطي الكوردستاني و الاطراف والشخصيات الكوردية السورية المرتبطين به والمعروفين بعدائهم لحزب الاتحاد الديموقراطي الذي يتبنى افكار وطروحات السيد اوج الان
فتركيا لم تخف يوما مخاوفها من سيطرة الاكراد على المناطق ذات الاغلبية الكوردية والتي تقع اغلبها على الشريط الحدودي المشترك مع تركيا او كما يسميها الكورد شمالي كوردستان وعلى طرفي الحدود يقطنها الاكراد يربطهم معا بالاضافة الى القومية واللغة والثقافة والجغرافيا و الأمال والطموحات في التحرر روابط القربى و اغلبهم من نفس العائلة,و ردد كثيرا القادة الاتراك بأنهم لن يسمحوا بتحول المناطق الكوردية في سوريا الى شمال العراق الثانية المقصود اقليم كوردستان العراق و لن يكرروا الخطأ الذي اقترفته سابقا عندما منعوا القوات الامريكية لدخول العراق من اراضيها فاستغل الاكراد ذلك وأقاموا فيدرالية معترفة دوليا,و عند سيطرة الاكراد على كوباني والمناطق الاخرى سارع اردوغان الى اعلان شبه حرب ضدهم و طرح مشاريع عديدة كأقامة المناطق الامنة و المضادة للطيران على الشريط الحدودي الشمالي لسوريا للحيلولة دون تحقيق المشروع الكوردي الذي يطمح الى تحقيق الديموقراطية الجذرية بالتعاون والتكاتف بين جميع المكونات السورية عبر مشروهم في الادارة الذاتية,إلا ان جميع محاولاته تلك باءت بالفشل و حسب تقارير استخباراتية واعلامية متعددة ومقاطع فيديو نشرها الاعلام التركي والكوردي والعالمي و تصاريح عدة دول تؤكد العلاقات الوطيدة بين النظام التركي والمجموعات الاسلامية المتطرفة كجبهة النصرة والدولة الاسلامية داعش واحرار الشام و غيرها من الذين يمارسون ابشع وسائل الارهاب,تركيا لم تتردد في أرسال هذه المجموعات المتطرفة عبر معابرها الحدودية بكامل اسلحتهم ومستلزماتهم العسكرية واللوجستية للهجوم على المناطق ذات اغلبية كوردية,لكن نتيجة سياساتها الخاطئة هذه اوقعت نفسها في مستنقع من الصعب الخروج منها وباتت في عزلة كبيرة اقليميا و دوليا و تتقرب من جميع الدول بعين الريبة و الشك والعداء و تظن ان الجميع حتى امريكا والدول الغربية تتأمر عليها, فاحتمال تصادمها مع روسيا في المستقبل وارد جداخاصة بعد ان اصبحت لروسيا دور فعال في القرارات والتوازنات المصيرية التي تخص سوريا و في الوقت نفسه انها قد تتصادم مع الارادة الدولية في موضوع دعمها للمنظمات الارهابية كجبهة النصرة واحرار الشام وداعش واخواتها,في حين تبتعد عنها حليفتها التاريخية امريكا وتم خذلانها من قبل الحلف الاطلسي في جميع مشاريعها المريبة وابتعدت اغلب الدول العربية ومجتمعاتها عن تركيا الاردوغانية نتيجة تعرية مشاريعها المريبة تجاه الامة العربية وما حدث في مصر خاصة بعد كشف خفايا تطوير علاقاتها مع اسرائيل اكثر و تقابلها تطور فاعلية ودور الكورد في التوازنات السورية بعد الانتصارات المتتالية لقوات وحدات حماية الشعب ضد داعش وجبهة النصرة و تحرير مناطق عدة من تحت سيطرتهم التي شكلت مدخلا استراتيجيا لها لكسب دعم التحالف الدولي بقيادة امريكا و فشلت تركيا في مساعيها لالصاق تهمة الارهاب بهم و بحزب الاتحاد الديموقراطي على المستوى العالمي و جر الحلف الاطلسي وامريكا لمخططاتها لمواجهة حزب الاتحاد الديموقراطي و ايقاف دعمهم لوحدات حماية الشعب كما جرى فيمحاولة حكومة داود اوغلو و رئيس الجمهورية استغلال ضحايا تفجيرات التي حدثت في انقرة و رغم نفي الطرفين باي صلة لهم بتلك العملية الفدائية حاولوا اتهام وحدات حماية الشعب و حزب الاتحاد الديموقراطي بتنفيذها,حتى وصل به الامر أن يصرح اردوغان بأن على امريكا الاختيار وتحديد موقفها في من هم حلفاءها تركيا ام حزب الاتحاد الديموقراطي
علاقاتها مع كل من روسيا وايران والعراق وسوريا وامريكا والاتحاد الاوروبي وحتى الصين وفي مقدمة الدول العربية مصر بالاضافة الى المجتمعين الكوردي والعربي في حالة لا يرثى لها
الى جانب تورط تركيا حتى النخاع في الازمة الكارثية السورية اوقعت نفسها تحت أعباء كارثية من الناحية الاقتصادية والامنية والسياسية,ازمة اللاجئيين السوريين و المجاميع الارهابية التي تدعمهم و تستقبلهم وتحتضنهم و لا استبعد لدغهم لتركيا نفسها مستقبلا
في حين تتوسع دائرة عدم الرضى على المستوى الاقليمي والدولي لدورهم السلبي في المنطقة عموما تسعى تركيا بالتنسيق مع السعودية لافشال عملية وقف اطلاق النار في سوريا خاصة ان وقف اطلاق النار لا تشمل محاربة المجموعات التي تدعمها كجبهة النصرة وداعش و اخواتهم
للخروج من هذا المستنقع و التخبط السياسي الذي يعيشه تحتاج تركيا الى معجزة وتتحقق ان قامت حكومة داود اوغلو بدعم المطاليب الكوردية الديموقراطية المشروعة في المنطقة بالاضافة الى دعم الاستقرار في سوريا والحلول السياسية لأزمتها المستفحلة و سحب قواتها من العراق والتخلي عن طموحاتها الامبراطورية و عن الصراع المذهبي ودعمها لحركات المناهضة للديموقراطية وفي النهاية ان تبتعد اردوغان عن مصالحه الشخصية و استغلال الحوادث الارهابية لتعزيز سلطته الاستبدادية ان كان يحب تركيا ويريد لها و لمحيطها الخير[1]