تركيا؛ بين فتحي أوكيار وداوود أوغلو
عن الجذر المعرفي والسياسي للأزمة السورية؛ وعن الحلول (2 من 2)
سيهانوك ديبو
لا يمكن توسيم العام 1925 بأنه بدء تاريخ الانتفاضات والثورات الكردية في تركيا ضد التنصل من الوعود أولاً والاتفاقات المبرمة ثانياً التي صيرت بين الترك والكرد والقاضية بتأسيس شبه الاستقلال السياسي للكرد وفق ما تم الاتفاق عليه في آماسيا وفي سيواس وأرظروم، إنما أيضاً بداية تاريخ الإبادة والمؤامرة على الكرد، وقد لعبت الدبلوماسيةُ البريطانية وقتها وبؤر المال المالي من قبل بعض الجماعات المتحكمة في مفاصل ورسم أدق تفاصيل السياسات البريطانية حينها والسياسة التركية في ترسيخ مثل هذه السياسة السوداء أيضاً.
من المعروفِ أنّ علي فتحي أوكيار ثاني رئيس وزراء في تاريخ تركيا بعد مصطفى كمال أُحيلَ من رئاسةِ الوزراءِ في تلك الأوقاتِ- التي لم تدم حكومته سوى بضعة أشهر (من 1924 حتى 1925) لقولِه “لن أُدنسَ يدي بمجازرِ الكرد”؛ إشارة منه إلى ثورة الشيخ سعيد المشتعلة، وتم تعيين عصمت إينونو بدلاً منه. وأوكيار كان رفيقَ الطفولةِ لمصطفى كمال، وأكثرَ مَن وَثِقَ بهم. كما وأُقيل من رئاسةِ “الحزب الليبرالي الجمهوري” على يدِ عصمت إينونو مرةً أخرى، بعدَما لاحَ نجاحُه في تلك التجربةِ أيضاً، وتم استبعاده من تركيا كلها ليصبح سفير تركيا في لندن حتى موته 1943. أيِ أنّ التصفيةَ لَم تَقتصرْ على الشخصياتِ اليسارية المؤثرة والإسلامية المعتدلة فحسب في تلك الأعوام، بل إنّ التصفيةَ الكبيرة طالت قضية الكرد حينها حتى اليوم والتعامل معها بالدم والنار. حتى أن مصطفى كمال ومن معه كانوا في معرض الإحاطة والتحجيم وبانوا كأن أدوارهم قد انتهت.
أحمد داوودأوغلو (رفيق الطريق) لأردوغان؛ تم الإطاحة به بالطريقة نفسها. أمّا استقالته فيمكن فهمها بشكل مغاير وضمن مناحي الأعماق الاستراتيجية- المحددة مُسبَقاً من قبل الكتل المالية العملاقة الجديدة والمسبب بدورها للواقع المضطرب المشهود في الشرق الأوسط الذي يعود بدوره إلى اتفاقيات كانت كفيلة بعدم الاستقرار في الغرب (معاهدة فيرساي) التي نجمت عنها الحرب العالمية الثانية، و(معاهدة سايكس بيكو) التي كانت خرائطها كفيلة أن يستمر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط مئة عام كحد أدنى؛ كما في تجلياتها اليوم المتمثلة بالحرب العالمية الثالثة الطرفية- حتى اللحظة- في الجغرافيا السورية. كما أن استقالته قد يكون تكيتيك عابر استخدمه أردوغان نفسه حينما كان حاكم بلدية استانبول في العام 1998 مستقيلا من حزب الفضيلة الإسلامي، ومؤسساً فيما بعد حزب العدالة والتنمية في العام 2001 ووصوله السلطة في العام 2002؟ وهذا الحزب يشكل العثمانييّن الجدد؛ كما أفصح عن ذلك داوود أوغلو بشكل حرفي في العام 2009 (إن لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا. نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال أفريقيا. والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب….).
تركيا خالفت شروط تأسيسها. كما أنها تتجه منذ تأسيسها نحو التصفيات المتكررة لعناصر التحول الديمقراطي وتتفق أكثر فيما بينها على عدم إيجاد الحل الديمقراطي للقضية الكردية في تركيا وفي سوريا والعراق وإيران، وهام همومها إنْ كان الحديث عن الكُرد أن يكونوا (أكراداً موتى وبلا إرادة) حتى يتم الترحيب بهم وقبولهم، وهذا ما فعله وفضّله البعض أن يكون؛ وهذا يجب أن لا يكون أبداً، إنها ليست بالحرية وليس بالحل وإنما مجرد الانتقال الظاهري من نير نظام استبدادي عسكري إلى أنظمة استبدادية اقتصادية وعسكرية جديدة أو ربما مغايرة؛ وهذا هو الأخطر والمكرس لمفهوم وممارسة الإبادة.
عموماً من يخالف شروط التأسيس والبناء وأي عقد اجتماعي؛ يجد نفسه مع أفكاره خارج العقد كله. إنها محاكاة التاريخ الأولى.[1]