الفيدرالية بين الحل و التقسيم
نورالدين عمر
النظم و الجمهوريات الفيدرالية في العالم عديدة و من أهمها و ابرزها :”الولايات المتحده الامريكيه و فيها 52 ولاية فيدرالية ،المكسيك 31 ولاية ،البرازيل 26 ولاية ،الارجنتين 23 اقليم، المانيا 16 بونزسلانزر، استراليا 6 ولايات ،سويسرا 26 كانتونا ، جمهورية الهند 28 ولاية و غيرها من الدول و هناك العديد من الدول الغير فيدرالية و لكنها عمليا لا تختلف كثيرا عن النظم الفيدرالية كاسبانيا التي يتمتع أقاليم الحكم الذاتي فيها بكامل صلاحيات الأقاليم الفيدرالية ، و كذلك الصين التي يتمتع اقاليمها بصلاحيات واسعة لإدارة شؤونها الداخلية .و حتى الدول الأحادية والمركزية و بمعظمها تعطي المناطق و الأقاليم صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها .فالنظم الاستبدادية و المركزية المطلقة لم تعد مقبولة عالميا ،و لم يعد بإمكان إدارة مجتمعات بنظم شمولية .فحتى القومية الواحدة تحتاج إلى قدر من حرية التصرف و المبادرة في إدارة شؤونها الداخلية حسب كل منطقة او اقليم .
والفيدرالية في الكثير من البقع لم يتشكل على اساس قومي او عرقي ،بل على اساس مشاركة أوسع أبناء القومية الواحدة في إدارة شؤونهم الخاصة .طبعا لكل منطقة و لكل أقليم و لكل دولة ظروفها و لذلك فإن النظام الفيدرالي او النظام القائم على إعطاء الصلاحيات للمناطق و الأقاليم يحقق مشاركة واسعة و شراكة حقيقية لمعظم فئات و مكونات المجتمع في حال كان نظاما ديمقراطيا اي بالمعنى لو امتلك دستورا عصريا و قضاء مستقل و احترم حقوق الإنسان.
و سوريا التي تعيش حرب داخلية و أهلية منذ خمسة سنوات و انقسمت إلى دويلات و أقاليم تتصارع دون اي امل في إيجاد اي حل جذري لمشكلتها قريبا و تواجه خطر الانقسام الدائم ،و رغم كل المخاطر التي تحيط بها ، مع ذلك ما يزال النظام و المعارضة العروبية مصريين على التمسك بمفاهيم التي تنكر حقوق المكونات و ترفض مشاركة اي فئات تخالف توجهاتها و أرائها.و يرى النظام و معه اغلب المعارضة السورية العروبية ان الحديث عن الفيدرالية هو حديث غايته تقسيم و تجزأة سوريا .و رغم صعوبة تطبيق نظام فيدرالي او أي نظام قائم على اساس الشراكة الواسعة لكافة فئات المجتمع السوري، و لكن يظل الفيدرالية و رغم بعض مساوئهاو سلبياتها ربما الحل الأمثل للمشكلة السورية لأسباب عديدة و منها :
– المجتمع السوري يتكون من قوميات و طوائف ومكونات تختلف في اللغة و المذهب و الدين ،و الأنظمة المتعاقبة خلق شرخ بين هذه القوميات و المذاهب من الصعب تجاوزها لفترة قصيرة .و من أجل خلق الثقة من جديد بين كافة المكونات فإن نظام الفيدرالي ربما يكون حلا منطقيا في هذه المرحلة .
– واقع المجتمع السوري لا يشبه واقع الدول الغربية و لا يشبه واقع اي دولة أخرى بالعالم ، و لذلك فإن الفيدرالية السورية أيضا يجب أن لا تكون نسخة مكررة من اي فيدراليات المنتشرة في العالم .و يتم تأسيس ذلك عبر اتفاق و شراكة حقيقية بين كافة المكونات على أسس العدالة و المساواة و احترام الحقوق .و الاخذ بمبدأ التوافق في كافة المسائل المصيرية و وضع دستور يحافظ على حقوق كافة المكونات و الأقليات و لا يضعها تحت رحمة الأغلبية والقرارات بالأغلبية .
– رغم التأكيدات الغربية و الأميركية بمحافظة على وحدة الأراضي السوري و لكن الواقع يشير إلى أن أغلبية الدول بما فيها الحليفة لنظام مقتنعة باستحالة تأسيس نظام أحادي او مركزي يتم إدارة الساحة السورية من خلالها ، و ما الحديث الروسي عن الفيدرالية إلا دليل على ذلك .و كذلك تعامل الأمريكان و الروس و الغرب مع الإدارة الذاتية في روجافا التي شكلت كانتونات و مقاطعات و هي لا تختلف عن الأقاليم الفيدرالية كثيرا .و الأمريكان ينسقون علنية مع قوات العسكرية لهذه الإدارة الذاتية، و الروس فتحوا ممثلية للادارة الذاتية في موسكو .
– عدم تأسيس نظام لامركزي لن ينهي الصراع المسلح مهما طالت ،فالثقة معدودمة و التسلط و الطغيان دمر المجتمع اخلاقيا و ثقافيا ، و لا يمكن إقناع اي مكون من مكونات المجتمع السوري بما فيهم السنة و العلويين و الكورد و الدروز و الطوائف المسيحية بالعيش في ظل سلطة مركزية . فالعيش المشترك و الشراكة الحقيقية و حماية الحقوق و حماية الديمقراطية اهم من المحافظة على كيانات ديكتاتورية و الأنظمة الشمولية و الحدود المصطنعة باتفاقات استعمارية .
فسوريا عظيمة بتنوعها الثقافي و القومي و الاثني و ستكون أعظم بتاسيسها لنظام يحمي هذا التنوع ، و ليس مهما التسميات و المسميات بقدر أهمية بناء نظام يعتمد في جوهره على الديمقراطية و حماية التنوع و احترام حقوق الإنسان .و لن يستطيع أحد بعد اليوم فرض الأفكار العروبية و الشوفينيةو المفاهيم القومية البالية و الأنظمة الشمولية على المكونات المجتمع السوري. و النضال من أجل بناء نظام ديمقراطي اتحادي فيدرالي سيتكلل بالنجاح مهما كانت المعوقات .[1]