كرنفال كولن؛ مجرد استعراض
سيهانوك ديبو
محادثة قصيرة بين أحد أعضاء لجنة تنظيم (كرنفال) كولن وأحد الشباب الذي يرفع علم وحدات حماية الشعب YPG؛ من المفترض أن كليهما قد حضر للتنديد باتفاقية سايكس بيكو؛ حديث المسؤول للشاب غير (المسؤول) برجاء كبير أشبه إلى الاستجداء يسأله أن يخفي علم الوحدات لأنه يتعارض مع المتفق عليه من قبل لجنة التنظيم. الشاب يفضل أخيراً ترك (الكرنفال) والرجوع إلى البيت. يغادر المكان ويدير ظهره لسايكس وبيكو ويحتفظ بعلم ال YPG. (انتهت المحادثة).
مفهوم الكرنفال بجميع اللغات اللاتينية تحمل معنى الاحتفال والاستعراض الشعبي. والاحتفال من أجل التنديد بأمر كارثي على شاكلة سايكس بيكو لمْ يُسمع به ولم يحدث في طول التاريخ البشري الحافل بالهزائم والمآسي لقوم/ أقوام مقابل انتصار وفرح قوم/ أقوام آخرين. ومثل هذا التعريف لا علاقة له بالوطنية أو عدمها، كما أنه من المهم الذكر بأنه ليس من حضر (الكرنفال) هو وطني وغير وطني من لم يحضره؛ وبالعكس تماماً؛ ليس كل من حضره لا وطني وليس كل من لم يحضره وطني. إذاً الأمر مختلف في حالة هذا (الكرنفال) ويتعدى ذلك بمفاد أمر متعلق بالحشد؛ الحشد بأي ثمن كان من أجل الاستعراض وبالتالي بأن الجهة المستعرضة تقول: أنني لا أزال موجوداً ومخالفاً للموجود الفعلي، وما يعزز ذلك التقصد في رفض ظهور علم يعتبر أهم رمز من رموز المقاومة المتمثل بعلم وحدات حماية الشعب والمرأة والذي يتعدى اليوم أن يكون مصدر فخر واعتزاز جميع مكونات روج آفا؛ فقط؛ إنما رمز عالمي ضد الإرهاب القاعدي بكل أشكاله الداعشية والنصراوية وجميع المجموعات المسلحة المرتبطة به، ومثل هذه الحقيقة جعلت ضابط الأمن الألماني أن يرفض طلب أحدهم بعدم السماح لرفع علم الوحدات/ الرمز وأنه أهم ما وقف ضد الإرهاب الذي يهدد أوربا أيضاً. أما التحجج بأن لا يكون العلم المرفوع سوى علم إقليم كردستان العراق، وليس علم كردستان، مع العلم بأن الإقليم من المفترض أنه يدار من قبل خمس أحزاب تشكل مجملها البرلمان المعطل أو المعطوب منذ حوالي ثمانية أشهر، وغالبية هذه الأحزاب على علاقة متوازنة مع إدارة روج آفا. ومع العلم أيضاً بأن أي علم حتى يكون علم قوم/ أمة ما؛ يجب أن يتم الاتفاق عليه من قبل ممثلي تلك الأمة، وفي الحالة الكردية يتحقق عبر المؤتمر الوطني الكردستاني وحده والمؤجل بدوره أو في حكم الملغى من قبل من يمارس مقاصد سايكس بيكو ويطبقها بمهنية في مسائل التقسيم والحصار والتدخل غير المشروع في شؤون روج آفا والمشاركة في حصاره من خلال إغلاق معبر سيمالكا، وبالتالي التباعد الذي لا يخدم أي طرف وترسيخ حالة المصير الواحد.
ما يلفت الانتباه أكثر في مسألة (الكرنفال) هو استحداث وظيفة جديدة بخلاف المتعاهد عليه في عموم الكرنفالات؛ وظيفة (المنسق العام)! وهو المستخدم فقط في أصول العمل السياسي ولم يكن يوماً على علاقة مع الاحتفالات. من غير المتفاجئ ووفق الجهة المانحة الداعمة للتنقلات التي سهّلت التواجد في كولن أن يتم الإعلان لاحقاً قريباً عن حزب أو منظمة تحت إمرة هذا المنسق العام؛ أو؛ يتم (لملمة) جديدة ويتم زجها في أمكنة حزبوية معينة تداعت تماماً ولم يبقَ منها إلّا المتبقي في المجلس الكردي المهيمن عليه حتى اللحظة من قبل بعض من الشخصيات التي أساءت إلى القضيتين: السورية والكردية سويّة.
أشد خصوم الوجود الكردي أيضاً يرفضون اتفاقية سايكس بيكو؛ البعث ونظاميه القديم والحديث، الأنظمة القديمة في تركيا والحديثة أيضاً، الأول يستخدمها على أساس أنها تفتيتٌ للحلم العربي وظل فترة طويلة يعتاش وفقها وعليها، والثاني وخاصة العثمانيين الجدد ينظرون إلى الاتفاقية بأنها العدوة التي مزقت الامبراطورية العثمانية. والأول والثاني أي النظامين التركي والبعثي في حالة خصام ظاهرة واتفاق باطن ظاهر على معاداة الوجود الكردي المتمثل بحل قضيتهم بالصيغة الديمقراطية المعبرة عن حق تقرير المصير للكرد. هذا يعني بأن العداء لاتفاقية سايكس بيكو؛ علاوة أنه جرى تمييعها تحت مسمى (الكرنفال)؛ فإن مجرد الاقتصار عليها دون تضمين التنديد باتفاقية لوزان 1923 يعني القبول ولو بشكل لا أدري على كلٍّ من سايكس بيكو ولوزان، وهذا يصب في صالح الأنظمة القطرية بغالبيتها المستبدة في الشرق الأوسط وفي مقدمتها تركيا اللوزانية وحتى اللحظة. بالإضافة إلى أن التنديد بهذه الاتفاقية بدون ذكر من يقف ضدها بشكل لحظي يومي والمتمثل بمقاومة مكونات روج آفا ومؤسستي الحماية الذاتية والدفاع المشروع المتمثلة بدورها بوحدات حماية الشعب والمرأة والأساييش؛ يعني هذا في أحسن الأحوال الاكتفاء باللوم والقاء العتب أي مجرد القول والممارسة النظرية؛ نقولها في أحسن الأحوال.
هدف كولن هو الاستعراض والحشد ولا يختلف كثيراً – بل يكاد يكون من مصدر واحد- عن هدف لجنة تجميع التواقيع التي جرت قبيل انعقاد جنيف الثالثة السورية والانقلاب الذي تم في هذه (الحملة) من تضمين الحقوق الكردية في مباحثات جنيف إلى مسألة فئوية ورغبة المجلس الكردي غير الصحيحة أن يُظهر أنه (ممثل الشعب الكردي في سوريا)، وكلا الهدفين على خلاف هدف الذين وقعوا على عريضة تضمين الحق الكردي في جنيف كما أنه على خلاف هدف أغلبية الذين حضروا في كولن ومن بينهم (الشاب/ الشباب) الذين رفعوا علم ال YPG و YPJ في كولن وخاصة الفنانين الذين حضروا وشاركوا فيه، وأن أهداف المشاركين الوطنيين تتعدى مثل هذه الرغبات المخلة ومثل هذه الأجندات المُبيّتة بإحكام من قبل الجهة المانحة أو الممولة والمتقصدة، ومحاولة إظهار بعض الوطنيين الذين تبرعوا ببضع تذاكر سفر للوصول إلى كولن لم تتعدى في الحقيقة ثلاثين بطاقة سفر؛ كمن يختبئ وراء أصبعه. كما أن محاولة البعض على أنه كسب نقطة لصالحه وصالح ما هو مقدم عليه فهي في حقيقة الأمر والواقع مجرد انقاص مستمر من رصيده الذي أضحى في مستوى المديونية.
التنديد واسقاط سايكس بيكو ولوزان وغيرها من الاتفاقيات يبدأ ممارسة وفعلاً وأولى الطريق في ذلك اسقاطه من الذهنية، والتوجه إلى روج آفا والمشاركة الفعلية في الإنجازات المتحققة بفضل دماء الشهداء والمشاركة في تصحيح ما يمكن تصحيحه من الأخطاء وتعديل ما يجب تعديله من أجل تطوير تجربة الإدارات الذاتية الديمقراطية التي تشكل بدورها فحوى النظام الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا- شمال سوريا. أمّا على شاكلة (كرنفال) كولن؛ فإنه هو وما يلحقه وما ينجم عنه مجرد استعراض.[1]