الانتحار العثمانيّ بين أعزاز وجرابلس
صلاح الدين مسلم
يقولون: إنّ شهر العسل بين مرتزقة داعش وبين حكومة الحرب في الدولة التركيّة المتداعيّة قد بات ينتهي، يقولون أيضاً: إنّ داعش قد حاصر أعزاز ومارع كي يضغط على الدولة التركية، وكأنّ هناك فارقاً بين داعش وبين الدولة التركيّة، يدّعي منظّرو السلطة التي احتلت تركيا من خلال جنودهم في جيش الشمال الذي يتأرجح بين الإعلان وبين اللاإعلان أنّ قوّات سوريا الديمقراطيّة تتحالف مع داعش في هذه المعمعة وهذا المستنقع بين جرابلس وأعزاز الورقة الأخيرة للمأجورين.
هذا هو التأرجح والتذبذب بعينه في هذا الإعلام التركيّ المزيّف الذي صادر الثورة من الجيش الحرّ كلّياً، وصارت الثورة تحت إمرة السلطان العثمانيّ الذي فشل في تقليد كمال أتاتورك الذي استطاع أن يغيّر من سايكس بيكو لمصلحة دولته، لكن كرد اليوم غير كرد الأمس، هذه هي المعادلة التي لم يفهمها صاحب شعار دولة واحدة وعلم واحد وشعب واحد ووو كل شيء في قالب واحد، إنّه نموذج ينظر الغرب إليه من نظرة المترقّب الذي يعيد ترتيب أولوياته وذهنيته حسب ذهنية البحث عن حلّ آخر غير حلّ الدولة القوميّة، فها هم قوّاد بريطانيا وفرنسا وألمانيا يصرّحون علناً عبر الوسائل الإعلاميّة: إنّ الدولة القوميّة ستعيد إلى الغرب وبال الحرب العالميّة الثانيّة، وهؤلاء الأغرار المقلّدون للمركزيّة الأوربيّة الغربيّة لا يدركون ولا يحلّلون الوبال الصادر عن الدولة القوميّة.
إنّ الصراع بين الدولة القوميّة المتجسّدة في الذهنيّة الدولتيّة التركيّة التي أثّرت على منظومة المعارضة برمّتها وبين نضال الشعوب المتطلّعة إلى الأمّة الديمقراطيّة هو الصراع الحالي، فحتّى أنّهم لم يصمدوا أمام داعش عندما قرّر توسيع نطاق نفوذه ما بين الراعي وأعزاز وسيطر على أكثر من عشر قرى خلال أيّام، أيمكن أن ننظر إلى هذه المعادلة سوى بعين المصالح الإستراتيجيّة المشتركة بين تركيا وداعش؟ لقد هدّد أردوغان قبل أيّام بأنّ من لا ينضمّ إلى جيش الشمال سيلقى مصيره، فهو العقاب لبعض الفصائل التي حاولت أن تبرز عضلاتها قليلاً كأحرار الشام ونور الدين الزنكي، أو هي عبارة عن مسرحيّة قد افتضح أمرها، فالعقليّة هي عقلية المؤامرة والخداع وشراء الذمم والغدر والخيانة، وهذا دأب الدولة القوميّة التي ترى السلطة الميكافيليّة تكمن في الخداع والمناورة فحسب.
إنّ الغباء الأردوغانيّ يكمن في أنّه يعتبر معادلة نجاح الكرد فشلاً له، هي نفس معادلة داعش التي فشل فيها، بينما كان يستطيع أن يكون سبباً في نجاح الأمة الديمقراطيّة ومعادلة التوافق بين الدولة التركيّة والأمة الديمقراطية التي كانت ستكون المفتاح لحلّ الشرق الأوسط، لكنّه عجّل في تقصير عمر الدولة القوميّة، إنّ السلطنة التركياتيّة قد وضعت نصب عينيها خيارين فحسب، إمّا الاعتماد على فلول مرتزقته من الجيش غير الحرّ الذي يندحر أمام أيّة نسمة داعشيّة، أو إلى اللجوء إلى داعش الذي أصبح الملاذ الأخير للسيطرة على أعزاز، لتتدخّل الدولة التركيّة عسكريّاً في العمق السوريّ وهو الانتحار بعينه.[1]