النظام الاتحادي الديمقراطي … ماهيته وأهميته في حل الأزمة السورية -1
دلشاد مراد
لا يمكن وصف ما يجري في الأرض السورية في الوقت الراهن إلا كونه حرباً طائفية دموية وعبثية بامتياز، وإن كانت تبدو على شكل صراع بين “النظام والمعارضة”، فمعظم المدن السورية باتت خراباً، عشرات الآلاف قتلوا وجرحوا، الملايين من السوريين شردوا وهجروا من قراهم ومدنهم، تطهير عرقي في كثير من المناطق “حمص نموذجاً”، انهيار مؤسسات النظام في معظم المناطق، تمركز مرتزقة وعناصر غريبة من المتشددين الجهاديين في كثير من المناطق السورية “داعش والنصرة والجيش التركستاني”. ومن المعروف إن هذه الأزمة التي بدأت كانتفاضة وثورة شعبية في #15-03-2011# م لم تكن إلا نتيجة لتراكمات السياسات الدولتية المركزية والشوفينية والقوموية والطائفية المتبعة من قبل نظام البعث الذي استولى على الإدارة في سوريا بالقوة العسكرية في 8 آذار 1963م.
في روج آفا والشمال السوري وبعيد انسحاب وطرد عناصر النظام منها، اختار مكوناتها وشعوبها “الكرد، العرب، الكلدان السريان الآشور، الأرمن، التركمان….” طريق التعايش السلمي والإدارة المشتركة ضمن نظام المقاطعات “الكانتونات” كبديل عن الفراغ الإداري والسلطة الدولتية التي كانت تفرضها عليهم نظام البعث في دمشق دون أي اعتبار لإرادة شعوب المنطقة. ففي #21-11-2014# م أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة بمشاركة وتوافق جميع مكونات والأطراف السياسية والمجتمعية في المقاطعة. ليتبعها مقاطعة كوباني التي أعلنت إدارتها الذاتية الديمقراطية في #27-01-2014# م ومقاطعة عفرين في #29-01-2014# م.
لماذا اختير نظام المقاطعات في مناطق روج آفا؟
يعود اختيار وتوافق مكونات وشعوب روج آفا على نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي هو تطبيق عملي للفكر الذي قدمه القائد المعتقل “عبد الله أوجلان” ضمن شكل المقاطعات “الكانتونات” إلى وجود خصوصية لبعض المناطق من النواحي الاثنية والثقافية والمجتمعية، وأحقية كل منطقة إدارة شؤونها ذاتياً ضمن مؤسسات محلية، وإلى كونه ضمان لحقوق جميع المكونات والشعوب المتواجدة في روج آفا.
يختلف نظام الكانتونات المتبع في روج آفا عن تلك المتبعة في بعض الدول الأوروبية كسويسرا وألمانيا اللتان تعتمدان على القومية الواحدة واللغة الواحدة والحزب الواحد في تكوين المقاطعة “الكانتون”، فمقاطعة الجزيرة على سبيل المثال شكلت إدارة توافقية ومشتركة بين مكوناتها وشعوبها وبمشاركة أكثر من 35 حزباً وتنظيماً مجتمعياً، وتم إقرار اللغات الكردية والعربية والسريانية لغات رسمية في المقاطعة، كما ويشارك جميع الأديان في إدارة المقاطعة، وهذا مؤشر ودليل على الديمقراطية الكبيرة الذي يتمتع به نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المعلن في روج آفا، بل إن الديمقراطية الحقيقة تكمن في هذا النظام – على عكس ما يروجه الحداثة الرأسمالية بأن الديمقراطية الحقة تتواجد في بنية النظام الليبرالي- باعتبار إن الديمقراطية الحقة تعكس قدرة الشعوب والمكونات على تمثيل هويتها بصورة أشمل.
ونظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المعلن في روج آفا لا يملك أي صفة أو صبغة قومية واحدة، بل أنها تستوعب وتضمن حقوق جميع المكونات والشعوب المتعايشة مع بعضها منذ مئات السنين. وقد حاول بعض الغلاة القوميين الكرد المعزولين نتيجة ذهنيتهم القوموية والشوفينية والخوف على مصالحهم الشخصية والحزبية من جهة أخرى، اللعب على هذا الوتر في محاولة لتجييش الشارع القومي الكردي بدعم من الأطراف الداعمة لهم في الخارج، لكنهم فشلوا في ذلك، كون الشعب الكردي معروف منذ القدم بتسامحه وانفتاحه وتعايشه المشترك مع الشعوب الأخرى.
البحث عن آلية لتوحيد مقاطعات ومناطق روج آفا والشمال السوري
حتى منتصف 2015م كانت المناطق المحررة في روج آفا تضم مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين، فيما استمرت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة والألوية والفصائل المتحالفة معها بحملات التحرير في المناطق الواقعة بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني من مرتزقة داعش. وبالنتيجة تم تحرير بلدتي سلوك وعين عيسى في #14-06-2015# م وبعد يومين من ذلك (16-06) تم تحرير مدينة كري سبي (تل أبيض). وبسبب الخصوصية الثقافية والمجتمعية لمنطقة كري سبي، توافق مكوناتها وبخاصة الكرد والعرب والتركمان على تشكيل إدارة ذاتية خاصة فيها وضمها إلى مقاطعة كوباني وذلك في #21-10-2015# م. وبتحرير منطقة كري سبي يكون قد تم فتح الطريق بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني والتواصل جغرافياً بينها.
أما المناطق الواقعة بين مقاطعة كوباني وعفرين (مناطق الشهباء)التي تضم “جرابلس، منبج، الباب، السفيرة، إعزاز، جبل سمعان”، فقد بدأ مكوناتها ” الكرد، العرب، التركمان، المسيحيين” تزامناً مع بدء حملة لتحرير تلك المناطق من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي تشكلت من الوحدات والفصائل العسكرية المؤمنة بنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا وشمال سوريا، ببناء المؤسسات والمجالس الإدارية لمل الفراغ الإداري في حال تحرير أي منطقة جديدة، ففي #31-01-2016# م تشكل مجلس أعيان وشيوخ مناطق الشهباء، وفي #09-03-2016# م انعقد المؤتمر الأول لمجلس إدارة مناطق الشهباء (بمثابة حكومة المنفى) في مدينة صرين بمقاطعة كوباني، وفي #05-04-2016# م انعقد الاجتماع التأسيسي لمجلس منبج وريفها.
وبهدف إيجاد آلية للتنسيق بين المقاطعات والإدارات الذاتية المشكلة في مناطق روج آفا والشمال السوري، كان لابد من إيجاد صيغة أو شكل إداري لتمثيل تلك المقاطعات والمناطق، وتحديد العلاقة بينها وبين المناطق الأخرى في سوريا، فاجتمع ممثلو المكونات والشعوب والأحزاب والمنظمات المجتمعية في روج آفا والشمال السوري في مدينة رميلان بمنطقة ديريك (تبعد 70 كم عن قامشلو) خلال يومي #16-03-2016# - #17-03-2016# م، ونتج عنه إقرار وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا، واعتبار المجتمعين ال 200 اعضاء للمجلس التأسيسي الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا، وانتخب كل من هدية يوسف (من المكون الكردي والحاكمة المشتركة لمقاطعة الجزيرة) ومنصور السلوم (من المكون العربي والرئيس المشترك للإدارة الذاتية في كري سبي- تل أبيض) كرئيسين مشتركين لهذا المجلس، بينما انتخب 31 عضواً في اللجنة التنظيمية للمجلس مهمتها العمل على تطبيق ما ورد في وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي على أرض الواقع خلال مدة أقصاها 6 أشهر. وتم انتخاب أعضاء اللجنة التنظيمية مع مراعاة تمثيل كل منطقة وجميع المكونات.
مقاطعة الجزيرة (15 عضو) بنسبة 40،48%
مقاطعة كوباني (4 أعضاء) بنسبة 12،90%
مقاطعة عفرين (4 أعضاء) بنسبة 90،12%
منطقة كري سبي- تل أبيض (4 أعضاء) بنسبة 90،12%
منطقة الشهباء (4 أعضاء) بنسبة 90،12%
في ماهية النظام الاتحادي الديمقراطي
يمكنني تعريف النظام الاتحادي الديمقراطي بأنه نظام إداري سياسي، يجمع بين مقاطعتين أو أكثر ضمن إطار أو سقف إداري موحد، مع تمتع كل مقاطعة بإدارتها الذاتية الديمقراطية، وتمثيل كافة المقاطعات في مؤسسات اتحادية “فيدرالية” عليا، ويهدف إلى إيجاد حالة من التنسيق بين المقاطعات والمناطق ذات الخصوصية، وتمتع جميع المكونات والشعوب بهويتها وخصوصيتها بصورة أشمل وفي كافة المجالات والأصعدة، ضمن حالة نموذجية من التعايش السلمي والإخاء الإنساني.
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا إن النظام الاتحادي الديمقراطي نظام توحيدي وتجميعي وديمقراطي على عكس ما يروج له بعض الجهات ذات الغايات السيئة بأنه نظام تقسيمي وانفصالي وإلى ما هناك من ادعاءات وتحليلات لا أساس له من الصحة.[1]