النظام الاتحادي الديمقراطي … ماهيته وأهميته في حل الأزمة السورية -2
دلشاد مراد
يستند النظام الاتحادي الديمقراطي بشكل أساسي على صياغة عقد اجتماعي اتحادي “دستور” مكتوب بشكل جماعي وتوافقي من قبل كافة المكونات والشعوب والفئات المجتمعية، يكون مهمته ضمان حقوق جميع الجماعات المشاركة، وتوزيع الصلاحيات بين الإدارة الاتحادية والإدارات الذاتية في المقاطعات، بما يضمن حق المقاطعات في تنظيم إدارتها الذاتية الخاصة بها وبما يلاءم خصوصيتها المجتمعية والثقافية.
والنظام الاتحادي الديمقراطي المطروح يستند على العامل الجغرافي في تشكيل المقاطعات أو الأقاليم، وبالتالي في تشكيل الفيدرالية الاتحادية وتقوم هذه الصيغة على أساس اعتماد تحديد جغرافي تاريخي، بدل اعتماد العوامل القومية أو الدينية أو الطائفية في تحديد المقاطعات أو الأقاليم الأعضاء في الاتحاد، تجنباً لقيام كيانات قائمة على أسس طائفية بحتة قد تؤول الى تقسيم سوريا. وتتميز هوية المقاطعات أو الأقاليم على الأساس الجغرافي والوقائع التاريخية بدل اعتمادها على الأسس القومية أو الدينية أو الطائفية.
وعلى سبيل المثال فأن مقاطعة الجزيرة التي تحتوي على العديد من المكونات والشعوب والأديان والطوائف تشكلت على أساس جغرافي (وهي نفس أراضي محافظة الحسكة)، وليس على أساس عرقي “قومي” أو طائفي أو ديني، وكذلك الحال بالنسبة للمقاطعات الاخرى. وبالتالي إن انشاء النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا سيستند على الأساس الجغرافي والتاريخي، وهذا ما يدحض كل ادعاء بعرقية أو طائفية مشروع الفيدرالية الديمقراطية المطروحة في روج آفا وشمال سوريا.
هل سيؤثر النظام الاتحادي الديمقراطي على الإدارة الذاتية الديمقراطية؟
في الحقيقة وبما أن النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا هو المظلة أو السقف الذي سيجمع الإدارات الذاتية الديمقراطية المعلنة في المقاطعات وبعض المناطق ذات الخصوصية في روج آفا، فإن المنسقية العامة لمقاطعات الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا التي تنسق بين مقاطعات الجزيرة وكوباني وعفرين في الوقت الراهن ينبغي أن يتم حلها تلقائياً مع إعلان اتحاد روج آفا – شمال سوريا الديمقراطي بشكل رسمي بعد انتهاء اللجنة التنظيمية من أعمالها، كون المؤسسات والمجالس الاتحادية ستحل محل المنسقية العامة وتأخذ وظائفها، والتغيير الآخر الذي سيحصل بإعلان النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا هو توحيد السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية والاقتصادية للمقاطعات المشاركة في إطار مؤسسات اتحادية عليا “حكومة وبرلمان اتحاديين منتخبين، وغير ذلك من المؤسسات والهيئات الفيدرالية…الخ“.
المواقف الرافضة … ورهان النجاح على إرادة الشعوب
على عكس ما يروج له البعض فإن النظام الاتحادي الديمقراطي “الفيدرالية المجتمعية” الذي يتم التحضير لتطبيقه في روج آفا وشمال سوريا من قبل مكوناتها وقواها التحررية، لم يجري تطبيقه منذ تأسيس الكيان السوري في العشرينيات من القرن العشرين، والذي يعتبر مخاضاً لمشروع سايكس بيكو /الفرنسي البريطاني/ 1916م ومؤتمر سان ريمو 1920م.
فما جرى خلال فترة الانتداب الفرنسي، أن الأخيرة قامت وبعيداً عن إرادة الشعوب والمكونات السورية بتقسيم البلاد إلى دويلات ” دمشق – حلب– جبل العلويين– جبل الدروز” لم يراعى فيها متطلبات وطموحات سكانها، بل كانت مجرد دويلات ذات أساس طائفي وطبقي بحت، وهو ما أدى إلى فشل تلك الدويلات بعد رفض الأهالي لها وإعادة توحيدها في كيان واحد باسم “سوريا“.
وقد ترك هذا الأمر تأثيراً بالغاً في نفسية بعض السوريين الذين يعتقدون أن مشروع النظام الاتحادي الديمقراطي المطروح في روج آفا وشمال سوريا هي تكرار لما حدث في العشرينيات من القرن العشرين من محاولات المستعمر الفرنسي من انشاء دويلات طائفية وعرقية في المنطقة، ولهذا يحاولون تبرير رفضهم لهذا المشروع المطروح بانها تمهيد لتقسيم سوريا إلى دول أو دويلات منفصلة. ولا ننسى هنا دور النظام البعثي “آل الأسد” الحاكم في دمشق في الترويج لهذه الحجج والذرائع في رفض المشروع الاتحادي الديمقراطي في الأوساط الموالية لها، بل ويتباهون بالنظام المركزي المقيت الذي عانى من جرائه الشعوب والمكونات السورية الكثير من الويلات، إذ يقول جميل مراد في افتتاحية صحيفة الوطن السورية الموالية لنظام الأسد في عددها الصادر في #19-03-2016#م: “سورية ستبقى الدولة المركزية… وسيبقى الرهان الحقيقي على وعي السوريين الوطني والقومي الكفيل بالتصدي لكل مؤامرات التقسيم“.
الفصائل الارتزاقية المسلحة التي تتلقى التمويل والدعم المباشر من تركيا الأردوغانية والسعودية بدورها رفضت مشروع الاتحاد الديمقراطي بل وراحت تكيل الاتهامات للشعب الكردي وحركته التحررية وتهددهم بالإبادة والفناء، ولتقوم بتصعيد هجماتها الوحشية على روج آفا، وبل واستخدموا القذائف والأسلحة الكيماوية السامة بحق أبناء الشعب الكردي في حي الشيخ مقصود في حلب، باعتبار أن الكرد هم الطليعة في حمل راية النظام الاتحادي الديمقراطي والديمقراطية الحقيقية إلى جانب المكونات الأخرى.
إن المراهنة الحقيقية على نجاح وديمومة النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا، بل وامتداد هذا المشروع الديمقراطي إلى عمق الداخل السوري يتوقف على إرادة أبنائها من جميع الشعوب والمكونات والفئات الشعبية، وليس على بعض الأنظمة المتهالكة والفاسدة والمنتهية الصلاحية، أو بعض البيادق المرتزقة الممولين خارجاً والحاملين للأجندات الغريبة عن الواقع المجتمعي المعاش، وقد ظهرت بوادر ومؤشرات إيجابية بالفعل لإمكانية تقبل السوريين الحقيقيين للمشروع الاتحادي الديمقراطي، فأبناء محافظة السويداء أعلنوا خلال السنة الماضية رغبتهم في إقامة إدارة ذاتية ديمقراطية في مناطقهم، بينما أبناء كل المناطق والمدن التي تتحرر من قبضة مرتزقة داعش والنصرة والفصائل المتحالفة معها لا تتردد في المطالبة بإدارات توافقية ذاتية، وفي كلتا الحالتين يتم الأخذ بعين الاعتبار التجربة الناجحة للإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة منذ أكثر من سنتين في مناطق روج آفا. مع العلم أن النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا – شمال سوريا لن يكون له حدود جغرافية رسمية على المدى المنظور، بل سيكون الباب مفتوحاً أمام أي منطقة أو مدينة للانضمام إلى هذا النظام في الشمال السوري أو المناطق الداخلية السورية.
أهمية تطبيق النظام الاتحادي الديمقراطي في سوريا
يعود أهمية تطبيق النظام الاتحادي الديمقراطي “الفيدرالية المجتمعية” في سوريا إلى:
كونه أكثر الحلول واقعية لحل الأزمة المستعصية وحالة الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا، وذلك وسط فشل كل المبادرات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالمسألة السورية.
كونه الحل الوحيد لقضايا الشعوب والمكونات السورية، التي لطالما كانت ضحية لسياسات الأنظمة الحاكمة في سوريا.
كونه أكثر الحلول الناجحة في تمثيل وتمتع المكونات والشعوب لهويتها وكذلك تمثيل جميع فئات المجتمع وبخاصة المرأة و الشباب في كافة المؤسسات والهيئات الرسمية والمحلية.
كونه الحل الوحيد لإنهاء النظام المركزي والديكتاتوري المقيت، الذي يهمين على كافة مفاصل المجتمع والحياة البشرية، وهو السبب الرئيسي لكل المآسي التي يتعرض لها المواطن السوري.
كونه الحل الوحيد لإنهاء والحد من الفكر القوموي الشوفيني، والذي كان له الدور الأبرز في تفاقم قضايا ومشكلات الشعوب والمكونات السورية.
كونه الخيار الوحيد لتطبيق الديمقراطية الحقيقة التي تعني إدارة المجتمع نفسه بنفسه “الإدارة الذاتية الديمقراطية“.
كونه أكثر الحلول الناجحة في الحفاظ على الموزاييك والتنوع الثقافي والحضاري وخصوصية القوميات والشعوب والمكونات الأصيلة في سوريا.
كونه يشجع ويحافظ على الحريات العامة والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي.
كونه الضمان الحقيقي للوحدة الوطنية السورية، لأنه يستند ويقوم على قاعدة الصياغة والمشاركة الجماعية والتوافقية في إدارة البلاد، بما ينسجم مع التاريخ والمعتقدات والثقافة الجمعية للمكونات والشعوب المشاركة في النظام الاتحادي الديمقراطي.
كونه يحقق التنمية الاقتصادية والبشرية، لاعتماد هذا النظام على توزيع الثروات وعدم تركيزها بيد فرد أو جماعة بعينها، ويحقق تكافؤ الفرص.
كيف يتحقق النظام الاتحادي الديمقراطي في سوريا
باعتبار إن سوريا الراهنة التي عانى أبنائها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية طيلة عمر الدولة السورية المتشكلة منذ عشرينيات القرن العشرين، واليوم كما نرى جميعاً تشهد حرباً اهلية لم يشهده تاريخ المنطقة إطلاقاً، وبما أنها تضم تنوعاً في اللغة، العادات، الثقافات والموارد والثروات، فأنه من الأفضل التوجه نحو تفكيك النظام المركزي في سوريا، ومنح السوريين من أبناء جميع المناطق حق تقرير المصير دون تدخل من الآخرين، من خلال انشاء الإدارات الذاتية الديمقراطية، ومن ثم تشكيل أقاليم اتحادية فيدرالية على أساس جغرافي، فمثلاً يمكن لمحافظة أو مقاطعة اللاذقية أن تشكل إدارتها الذاتية الديمقراطية، وكذلك الحال بالنسبة لطرطوس، وبالتالي يتم تشكيل إقليم الساحل الفيدرالي المكون من عدة مقاطعات، وهكذا الحال بالنسبة للمناطق السورية الأخرى. وعند إنشاء الأقاليم في سوريا يتم إقامة مظلة أو نظام اتحادي شامل للأقاليم المشكلة تحت اسم “النظام الاتحادي الديمقراطي في سوريا” أو “ الاتحاد الكونفدرالي الديمقراطي في سوريا” الذي يضمن حقوق جميع الأقاليم وبالتالي وحدة وسلامة الأراضي السورية.[1]